الحملة على النازحين السوريين: “كبسة زرٍّ” أمنيّة و”تراخٍ” رسميّ

صدى وادي التيم-أمن وقضاء/

فجأةً ومن دون سابق إنذار، بدأت حملة شعواء ضدّ النازحين السوريين: مغالاةٌ في العنصريّة وإشكالات وروايات أمنيّة وعمليّات ترحيل وتضييق. فعلياً لا شيء تغيّر منذ أن قرّر لبنان الرسمي أن يغلق حدوده مع سوريا الرسميّة ويفتحها على الشعب السوري بحجّة إيوائهم من الحرب الدائرة في بلادهم.

12 عاماً كاملاً تكفّل فيها لبنان، بدوافعَ سياسيّة، وزر هذه الحرب، ممّا كلّفه أعباء ماديّة واجتماعيّة وديموغرافيّة لا تتحمّلها البلدان القادرة اقتصاديًّا على استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين.

في التعداد الأخير الذي صرّح عنه المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أشار إلى وجود نحو 3 مليون نازحٍ موجودين على الأراضي اللبنانيّة، ممّا يعكس حجم الضغط على الاقتصاد اللبناني المُنهار أصلاً.

نظرة سريعة على تداعيات النزوح تشي بجوانبَ كارثيّة: يقدّر الطلب الإضافي على الكهرباء لكلّ مليون نازح بـ350 ميغاوات أي 350 مليون دولار سنوياً، فيما زاد الطلب على قطاع المياه إلى 12% مقارنةً مع ما قبل حركة النزوح. وازدادت حركة المرور على بعض الطرقات نحو 50% في ظلّ عدم تأهيل البنى التحتيّة، بالإضافة إلى وجود نحو 27% من السجناء من الجنسيّة السوريّة، فيما نصف الموقوفين هم من السوريين ما يزيد من أزمة الاكتظاظ في السجون ومراكز التوقيف.
هذه بعضٌ من تداعيات النزوح التي تُشكّل ضغوطاً على الواقع المحلي منذ سنوات. ومع ذلك، لم تُحرّك الدولة اللبنانيّة يوماً ساكناً. أكبر دليل على ذلك هو اجتماعات متتالية للجنة الوزاريّة المعنيّة بمتابعة إعادة النازحين إلى بلادهم بأمان، وزيارات مكوكيّة لإبراهيم ووزيري المهجرين عصام شرف الدين وصالح الغريب إلى سوريا لمتابعة هذا الملف، بالإضافة إلى حديث لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي منذ نحو سنة حينما دعا المجتمع الدوليَّ إلى التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، “وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”.

مرّ عامٌ كامل على حديث ميقاتي من دون أن يقوم لبنان بأي إجراءات “غير مستحبّة”، علماً أنّ الدولة اللبنانيّة تمتلك الكثير من المخارج القانونيّة التي تُتيح لها ترحيل سوريين يخرقون القانون، وذلك استناداً إلى قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 تموز 1962 والذي يتحدّث عن “صلاحية المدير العام للأمن العام بإصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائية حيث يشكل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام”، بالإضافة إلى المادة 32 التي تنص عن عقوبات الترحيل لمن يدخلون بطرقٍ غير شرعيّة.

غياب الدولة اللبنانيّة عن تطبيق “المحظور” تجاه النازحين، مردّه إلى رضوخه فعلياً إلى الضغوط الخارجيّة التي تمنع ترحيل السوريين أو حتّى تنظيم رحلات العودة الطوعيّة لهم إلى بلادهم.
وفي هذا الإطار، يروي مسؤولون أنّ الكثير من الرحلات التي نظّمها الأمن العام مؤخراً باءت بالفشل بعدما قلّت أعداد مقدّمي طلبات العودة الطوعيّة، بسبب تحذيرات تتلقّاها العائلات التي تنوي العودة عبر ممثلين عن منظمات أجنبيّة غير حكوميّة، ويقوم هؤلاء بإشاعة الرعب في نفوس العائدين عن إمكانيّة اعتقالهم من قبل السلطات السوريّة، في حين أنّ اللواء إبراهيم كان ينظم قوافل العودة على مسؤوليته الشخصية بعد أن نال تعهدات من الأجهزة الأمنيّة السوريّة بعدم التعرّض لأي نازح وبعد إبلاغ النازحين الراغبين بالعودة في حال كانوا مطلوبين للدولة السورية وذلك قبل عودتهم.

أمّا أهم ما يُعيق عمليّة إعادة النازحين، بحسب المسؤولين، هو تأمين هذه المنظّمات الأجنبيّة مُساعداتٍ ماليّة وعينيّة للنازحين، بالإضافة إلى تخصيص مشاريع طويلة الأمد تعزّز إبقاءهم داخل الأراضي اللبنانيّة. ورفضت هذه المنظّمات، ومنها المفوضيّة الساميّة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طلب بعض الوزراء بتوقيف هذه المُساعدات على الأراضي اللبنانيّة على أن تُعطى للنازح في حال عودته، وذلك بذريعة رفض الجهات المانحة لهذا الأمر.

في المقابل، لا يعرف المسؤولون اللبنانيّون من هي الجهات المانحة التي تُغطي تكاليف هذه المساعدات، ولا أي أجندات تُنفّذ، في ظل خشيتهم من أن تكون الأجندة الخفيّة هي “إبقاء النازحين على الأراضي اللبنانيّة إلى حين استغلالهم في قضايا أمنيّة تُخرّب الوضع الداخلي أو تستخدمهم كورقة ضغط على النظام السوري حينما يحين موعد الحل السياسي”.ورغم هذه المخاوف، إلا أنّ الحكومة اللبنانيّة لم تجرؤ سابقاً على تخطّي “الفيتو” الغربي المرفوع على إعادة النازحين، تماماً كما أنّها لم تجرؤ خلال السنوات الماضية على فتح قنوات تواصل رسميّة ومباشرة مع الحكومة السوريّة لمتابعة هذا الملف، إلا منذ أيّام.

“كبسة زر” أمنيّة

كلّ هذه الأمور، تشي بأنّ ما يتم التداول به بشأن النازحين خلال الأسابيع الماضية حصل بـ”كبسة زر”، وكأنّ شيئاً يُحضّر أمنياً. هذا ما يخشى منه بعض الأمنيين الذين يعتبرون أنّ جهات محليّة أمنيّة تلعب بهذا الملف، وتحوّله إلى “نهر بارد جديد” تُخاض “على ناره” معركة رئاسة الجمهوريّة.

بالنسبة لهؤلاء الأمنيين، ليس صدفةً أن تبدأ هذه الحملة الإعلاميّة على النازحين رغم أن الملفَّ عمره سنوات، تماماً كما أنّها ليست صدفةً بدء الكثير من البلديات بالتضييق على السوريين و”جرّهم” إلى إشكالاتٍ أمنيّة.وعليه، يقول مسؤولون سياسيون وأمنيون يُتابعون هذا الملف إنّه “من الخطأ أن تؤخذ قضيّة النازحين فرادة، خصوصاً أنها قضيّة وطنيّة تحتاج إلى خطّة شاملة لإعادتهم وبحاجة إلى غطاءٍ عربي ودولي”، خصوصاً أنّ هؤلاء يلفتون إلى أنّ الكثير من الدول الأجنبيّة، ومنها الولايات المتّحدة الأميركيّة، لم تُعرب يوماً أمامهم عن موقفٍ مُعارض حاد لإعادتهم، بل يشيرون إلى أنّ الموقف الحاد الذي لمسوه كان من إحدى الدول الأوروبيّة، بالإضافة إلى “شطحات” الجمعيّات غير الحكوميّة.

وبالتالي، يعتقد هؤلاء أنّه “في حال كانت الحكومة اللبنانية صادقة في رغبتها في تنظيم إعادة النازحين فيُمكنها القفز عن بعض المواقف الشائكة والتحايل عليها، لتذليل العقبات من أجل إعادتهم، خصوصاً أن الحكومة السوريّة أعربت أكثر من مرّة عن أنّها جاهزة لاستقبالهم ومستعدة لتأمين مراكز إيواء لهم وتقديم سلة غذائيّة بالتعاون مع الجانب السوري والتكفّل بإعادتهم إلى مراكز عملهم في حال كانوا موظفين في الإدارات الرسميّة”.

المصدر:لينا فخر – خاصّ الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى