متى تعود الأسواق التجارية الى حركتها؟

صدى وادي التيم-لبنانيات/

مرّ على لبنان ولا يزال، أزماتٍ عصفت به وبوضعه الأمني والسّياسي والإقتصاديّ، وجعلته من أكثر الشّعوب حزنًا وفقرًا بالنسبة للعالم العربي في السّنوات الأخيرة، بحسب دراساتٍ أجرتها الأمم المتحدة سابقًا.

ولأنّ الوضع المشؤوم غيّر عادات وتقاليد بعض النّاس، لا يسعنا سوى التّكلّم عن هذا الموضوع.

فمن يمكنه أن ينكر أو يغضّ النّظر عن المرأة اللبنانيّة التي تحب الإعتناء بشكلها وشعرها وملابسها وممارسة هيوايتها في التّسوّق؟ ومن منّا ينكر كم أنّ الرجل اللبناني عُرف أيضًا بترتيبه وهندامه الأنيق ونظافته والإهتمام ببيته وسيّارته، ليكون دائمًا من أجمل وأرتب الرّجال.

عندما نقول لبناني، نتذكّر تلقائيًا كلمة التاجر. هكذا صُنف الفينيقي عندما كان يتاجر عبر سفنه، نسبةً للموقع الجغرافي الذي يميّزه عن باقي البلاد العربية، ومناخه المعتدل. وعندما نقول الشعب اللبناني، نربط بأذهاننا بشكلٍ تلقائيٍ التجارة والأسواق التّجاريّة المكتظّة.

لكن هل هذا التّقارب سيبقى، في ظلّ الأزمة الماليّة الحادّة؟

لماذا تأثرت الأسواق التجارية سلبًا في لبنان؟

شهد السّوق اللبناني أخطر ثلاث محطّات تاريخيّة بالنسبت للفترة الأخيرة. وكانت المحطات الرئيسية كالتالي:

• ثورة 17 تشرين: بحيث بدأت التّظاهرات مع تدنّي قيمة العملة الوطنيّة وارتفاع الدّولار (2500 ل.ل. للدّولار الواحد). كما شاهدنا تسكير طرقات وإضرابات للعمّال والموظفين والمياومين وكبار السن والممرضين والصيادلة، وموظّفو القطاع العام وكل الفئات المهمّشة في لبنان.

• كوفيد- 19 وانتشار هذا الوباء العالمي في لبنان، بحيث إضطر من الجميع أن يبقى في منزله، إلتزامًا بالحجر الصّحّي مما أدّى ذلك على إعتماد المواطن اللبناني على نفسه وتحضير مأكولاته بنفسه، وقصّ شعره بنفسه ومشاهدة الأفلام في المنزل، من دون التسوقّ في الخارج أو شراء الثياب الجديدة لأنها لم يعد لها دور أساسي.

• إنهيار اللّيرة مقابل الدّولار بعد أن لامس المئة ألف ليرة ودولرة جميع الأسعار والخدمات بما فيها الفنادق وصالات الألعاب والشاليهات والمسابح والمطاعم.

هذه المحطّات الثلاث، تعتبر من أصعب وأشدّ المراحل خطورةً مرّت على المجتمع اللبناني «والحبل على الجرّار».

«حركة بلا بركة»

بعد خروج المواطن اللبناني رويدًا رويدًا من الأزمة الصّحية التي مرّت عليه، لاسيّما مع انتشار وباء كورونا، بات الحل الوحيد، هو التسوّق وتجربة مطاعم جديدة كانت فتحت مؤخرًا وشراء الثياب والمعدّات للمنزل وغيرها من كتب ودفاتر للأطفال، بعد أن أصبح التعليم مباشر، وليس عن بعد.

وأيضًا، بعد أن تحسّنت العديد من الرّواتب، وتدولرت قسمًا منها، بات قسمًا من الشّعب اللبناني، بحالةٍ أفضل ممّا كان عليه في العام 2021. ولكن، ليس بالشكل الطّبيعي أو المطلوب.

«الحركة بلا بركة»، هكذا وصفت إحدى التّاجرات اللبنانيات الوضع، معتبرةً أنّ التسوق بات أفضل من السنة الماضية لكنّه ليس مرضيًا، على حدّ قولها.

وقالت في حديثها للدّيار:» ملابسي جميعها من تركيا. أقوم بشرائها بنفسي، وبيعها في سوق جبيل، بأسعارٍ معقولةٍ علّها ترضي جيبة المواطن اللبناني. ولكن، لم نعد قادرين أبدًا تحمّل فكرة عدم إستقرار الدّولار، لذلك سعّرنا البضاعة بالدّولار الفريش، لأنّ المنطق تطلّب ذلك». وعلى الرّغم من الحركة الجيّدة إلى حدٍ ما نسبةً للعام الماضي، لكنّ الوضع غير كافٍ.

وتتابع:» الفستان الذي أبيعه بـ60 دولارا، يمكن أن يكون مناسبًا لمن يتقاضى 800 دولار مثلًا. أمّا لمن يتقاضى راتبه بالعملة الوطنيّة، سيستصعب ذلك طبعًا، ولسنا جميعنا بوضعٍ اجتماعيٍ ماديٍ جيّد، وهذا ما يشلّ الحركة التجارية في لبنان».

وفي السّياق، أشار رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس للدّيار، إلى أنّ الحركة التّجارية ستعود إلى حركتها المعتادة، عندما يستعيد الإقتصاد اللبناني، الحدّ الأدنى من نشاطه.

وقال: الإقتصاد المركزي، يفرض نفسه على مختلف القطاعات الإقتصاديّة، وتحديدًا القطاع التّجاري. وبما أنّ الإقتصاد العام، لا يزال إلى تراجع، وهذا بحسب الأرقام الرّسمية، بحيث يمكننا أن نأكد بأنّه في العام 2019، سجلنا 55 مليارا كناتج قائم. أما في العام الماضي عدنا لـ18 مليارا. واليـوم، التّوقّعات تنبئ بأن يكون الإقتصاد أقلّه 16 مليارا، وهنا نتكلّم عن الإقتصاد الشّرعي طبعًا، لأنّ الإقتصاد غير الشّرعي له مسألة أخرى.

وأكمل: هنالك رابط عضوي بين أداء الرابط التجاري وحيويّة الإقتصاد الكُلّي. وبالتّالي، على الإقتصاد اللبناني أن يعاود حركته بالحدّ الأدنى.

أكّد شمّاس أنّ صيف 2022 انتعش بشكلٍ ملحوظٍ، ولكي نراه بشكل دقيق في القطاع التّجاري، على القطاعات الأخرى أن تنتعش، على حدّ تعبيره. لذلك، القطاع التّجاري ليس على جزيرةٍ معزولةٍ وحده، إنّما هو من أكثر القطاعات المرتبطة بالقطاعات الأخرى، مثل القطاع المالي والمصرفي وقطاع التأمين وقطاع النقل الدخل والشّحن الخارجي والإعلام.

وتابع: كل هذه الأمور ترتبط بالقطاع التّجاري، لهذا السبب سمّي بالقطاع المركزي.

ولأنّ الإقتصاد الوطني لا يزال ينازع، القطاع التّجاري لا يزال «ضعيفًا». والسبب الرئيسي وراء ذلك، هي القدرة الشرائية الضعيفة لدى النّاس. ولو ارتفعت في بعض الأحيان الرّواتب، لكن قدرتها الشرائية إلى تراجع.

إذًا، وبالمختصر القطاع التّجاري لم يعاود نشاطه، ما لم تزدهر القدرة الشّرائيّة لدى النّاس. ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نلاحظ أنّ الأساسيات فقط هي التي تأمن في الأسر اللبنانية، مثل المأكل والمشرب والمعقّمات والمستلزمات الطبيّة، والتي هي تشكّل 25 % من القطاع التّجاري. أمّا الـ70 % فنحن بحاجة إلى تطويرها، مثل السلع المنزلية، عفش الشركات، السّيارت. بالإضافة إلى الكماليات، ومن بينها الإلكترونيّات، والألبسة.
ختم شمّاس فكرته، معتبرًا أنّه وعلى الرّغم من أنّ القطاع التّجاري، اتّكل على هذه المحطّة في هذا العام، وقرّر أن يعاود نشاطه قليلًا في فترة العيد

عن التّقويم الشرقي والغربي، إلّا أنّ الحركة كانت خجول جدًا، على حدّ تعبيره، مشيرًا إلى أنّ النّاس باتت ترى أنّ الملابس باتت من الكماليّات، أكان في المولات أو الأسواق أو المحلّات الشّعبية. علمًا بأنّ المشهد كان أفضل من العام الماضي.

وختم: نحن بانتظار موسم صيفي واعد ومميز، على أمل أن تنتقل البحبوحة الى كل اللبنانيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!