للفقراءِ والمساكينَ والمعلّمين
حملاتٌ خيريّةٌ وصناديقُ للتّبرعاتِ اعتدنا رؤيتَها في المحالّ التّجارية، ومحطات الوقود، وعلى أبواب المستشفيات، وفي المساجد، الجديد هذا العام-على أبواب المدارس-والموضوع-دعم المعلمين.
نعم إنّه حالُ المعلم في لبنان، فهل من متبرعٍ أو مشفقٍ أو داعمٍ للمعلم الذي أفنى حياته بالدّراسة والتّعليم، نسمعُ بالجهات المانحة وبأموالٍ تصلُ إلى وزارة التّربية ووعود، لكن وكأن أزمة المعلمين كالمرض العُضال، ميؤسُ الشفاء منه، فكيف لسلطةٍ فاسدة حتّى النّخاع أن تنظر إلى حال مربّي الأجيال أو تنصفه وهي تسمح بسرقة عمره وتعبه وتضطرّه ليأكل من لحمه الحيّ دون أدنى رحمة أو مسؤولية؟
في حديثٍ للأفضل نيوز مع معلمة تدرّس في مدرسة رسميّة منذ أكثر من عشرين سنة، ذكرت أنّه العام الأسوأ على الإطلاق، فهي مضطرة لتعمل في مجال البيع “أون لاين” إلى جانب وظيفتها لتأمين قوت يومها ودفع مستلزماتها ومصاريفها، كما اضطرّ أولادها للعمل بعد دوام مدرستهم ليوفّروا مصروفهم الشخصي، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي.
أمّا حال التّلاميذ! حدِّث ولا حرج، فهو الأكثر سوءً وأشدّ ظلمًا، عدم استقرار وفوضى عارمة في البرنامج التّعليمي، يمكن للتلميذ في اليوم الواحد أن يستفيد من 3 أو 4 ساعات جغرافيا أو تربية أو تاريخ، أو أن يخسر من دوامه ساعتين فراغ على الأقل، أمّا تلامذة الشّهادات الرّسمية فمصيرهم غير معروف ينتظرون من يُنقذ ضياعهم في ظل تمّسك وزير التربية بإجراء الإمتحانات ولو فوق ركام عذابهم وقلة حيلتهم.
وأضافت معلمةٌ تدرّس في ثانوية رسميّة أنّ الوعود من بداية العام كانت 130 دولار كل شهر مع الأجر الأساسي بثلاثة أضعاف، بعد تعليم ثلاثة شهور، تراجعت الوزارة عن وعودها لتقدّم عرض استنزاف آخر، 5 دولار لليوم الواحد، بعدها أضربت رابطة المعلمين لتحصيل الحقوق ليتبين لاحقًا أنها تتحرك وفق ما يقرر وزير التربية.
هذا الأداء قسّم صف المعلمين وشتّت وحدتهم لتستقل كل مجموعة بما يناسب مصلحتها، منهم من استغنى عن خدمات الرابطة وشكّل لجنة خاصة لمتابعة تحصيل حقوقهم، ومنهم من يستفيد من مصدر رزق آخر ويتبنى مقولة “أحسن من بلاش” إذا صح التّعبير، ومنهم من قرر مناكفة قرار الوزير والحضور إلى المدرسة دون أن يدرّس، هذا الوضع الذي أنتج فريقًا ثالثًا يحضُر ليغطي ساعات الأستاذ المضرِب داخل مدرسته.
هذا الواقعُ المرير الذي لم يكن يتوقّعه الأستاذ يومًا، فالتّفكير بلقمة العيش أصبحت شغلَه الشّاغل، فلا أمان وظيفي ولا إستشفاء ولا تعويض نهاية الخدمة تغريه ليستمر بهذه المهنة التي أودت به إلى طلب العون والمساعدة في كل مناسبة أو فرصة، ليحسب حسابه بمبلغ من فاعل خير أو من جمعية خيرية، أو من دورة مدفوعة تقدمها مؤسّسات اجتماعية عالمية.
إلى متى سيستمر هذا الحال، لا جوابَ حتى الآن، ربما ستقرّر وعود أخرى لتمرير الوقت، وتنفيذ ما يمكن تنفيذه هذا العام من خطة محكمة مدروسة جاءت لتنقذ العام الدّراسي شكليًا وتستبيح حقوق المدرّسين والتلاميذ ضمنيَّا، فالمسؤول غير مسؤول، ولعل مهبّ الرّيح يعيد الحقوق لأهلها إذا عادت السّلطة إلى رشدِها.
فاطمة السّيد – الأفضل نيوز