فرديس و فردوس ..بقلم فرح نسيب نصر

خاص صدى وادي التيم /

هي وحدها فردوس وادي التيم أو ما يلقب بوادي الأزهر مهد الأنوار , لا يشبهها أحد و لا يغنينا عنها بديل ، هي إبنة الجبال الخضراء الساحرة التي أبت أن تكبر و تشيخ و بقيت صغيرة و مدللة القرى تتوسط الجبال في الأرض لكنها تعلو بنا نحو السماء , هي الفرديس .

يقال أن أسمها أتى من كلمة الفردوس نسبة لمساحاتها الخضراء و جمال طبيعتها الخلابة .

كعروسة الصبا بهية متافخرة بكل ما أنجبت من شبان و شابات يتسابقون في ربوع المجد و النجاح .  عيناها خضراء شهية غفينا بها من الولادة إلى حين خلع رداء النعاس في الشباب، جدائلها بنية بلون السنديان العتيق الذي مر عليها الكثير والقليل و ما فُقِد أو بُتِر من طولها شبر واحد ،  يعبر بها نهر مثقل بالحب كما يعبر الدم العروق فيحيي كل ما ينبت فالأرض .

و لعل قوة تلك الحماية تعود لكونها حماية إلهية وكيف لا و النبوة عبرت فوق ترابها ، إذ تعددت الروايات على لسان أجدادنا كيف مرّ النبي شعيب عليه الصلاة و السلام في أرضنا إذ يقال أن النبي شعيب (ع) في ترحاله عبر البلاد قد أخذ مغارة في بساتين الفرديس مسكنًا له لوقت معين و أنعم على قريتنا ببركة وقدسية مروره .

و احتضنت  الفرديس على صغر حجمها الكثير من المشايخ الأتقياء ذوو العقل الراجح و التواضع و الحكمة التي حثت دومًا على الألفة و العيش المشترك منذ كان أخواننا المسيحيين يشاركوننا العيش بمحبة و سلام وخير دليل على ذلك وجود كنيسة يقال أنه يعود بناؤها إلى ما قبل ستمائة سنة .

و بقيت هذه الألفة و النخوة الجميلة موجودة إلى حين يومنا هذا بين أبناء الضيعة و شبابها فنفرح لأفراح بعضنا و نبكي لأحزان الغير ، و الصغير هو تلميذ الكبير و الكبير هو قدوة و معلمٌ للحاضر والغد ، لكن كما بقية الضيع مكتوب على بلادنا أن يهاجر الشباب من ضيعها قسرًا وليس طوعًا إن كان عبر هجرة الوطن للخارج أو عبر النزوح المتعب نحو المدن الذي يحتل الحيز الأكبر في ضيعتنا نظرًا لتقصير الدولة على مر السنين من ناحية القطاع التعليمي حيث لا يوجد جامعة تضم رحيق زهر الشباب الغني رغم أهمية و زكاء الأدمغة التي أُنجبت في ذلك القضاء النير على مر السنين و للأسف هذا هو حال ضيعتنا و باقي الضيع المجاورة تخسر شبابها يوميًا في ريفها المحتاج و المتعطش للإنماء و التقدم و التطور .

و كذلك على الصعيد الوظيفي حيث تغيب أو تقل الشركات و المؤسسات و المصانع التي تؤمن فرص العمل إلى كل الشباب الطموحين إلى النجاح و التألق. و كذلك يغيب الدعم الكافي إلى القطاع الطبي الذي يستحق الضوء و المتابعة مباشرة  بعد القطاع التعليمي. حيث مستشفياتنا مرهونة للتبني  من قبل أصحاب النفوذ لكي تُبنى و لا يغمرها الفساد.

عجيبٌ أمر دولتنا إذ كأنها أنجبت المدينة كابنة لها و مشت على رفاة الضيع من دون الاكتراث على وجعها المزمن ، لذا إنني أشبه الفرديس إلى عنقود العنب الذي يحتضن شبابه مثل حبات العمر المعلقة و التي تنضج على كتفه و لكنها تُقطف في مكان أخر و تُعصر في مكان أخر و تروي البعيد قبل القريب الذي هو أولى بخيرها.

في النهاية نحن نحمل ضيعتنا في قلوبنا مدى الحياة مهمى تعددت و تغيرت الأماكن و الرفاق ، تبقى هي وحدها محطة الإدراك و الإلهام و الحكايات من الطفولة حتى النضوج و تبقى الفرديس عصفورة الوادي الأخضر التي ترسل ترانيم تعبر جدار الوقت و الصمت نحو مستقبل مزهر لا يعرف الظلام و نحن نبقى أولاد هذه الأرض كحبات القمح  ولدنا من رحمها و غسلنا بمياهها و محتوم علينا أن نبذر في بيادرها بيادر الخير.

فرح نسيب نصر – صدى وادي التيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى