الصورة من المختارة: تحولات التنين الأصفر و”الرفيق جنبلاط”
صدى وادي التيم – لبنانيات/
أكثر جهة في لبنان تستشعر بالتحولات الإقليمية والدولية الكبيرة وهي لاتزال في طور التبلور، هي المختارة؛ وبكلام أوضح هي وليد جنبلاط..
..فالمختارة هي أقدم زعامة مستمرة في لبنان؛ والبعض يصفها بأنها آخر اقطاعية في لبنان لاتزال واقفة على قدميها.. آل الأسعد الشيعة كانوا بحسب دفاترهم التي تسجل تاريخهم، أقدم زمنياً من الزعامة الجنبلاطية الدرزية؛ ومع ذلك انهارت إقطاعيتهم لصالح حزبين شيعيين صعدا إلى الواجهة في لحظة انقلاب توازنات الداخل والخارج. أما الزعامة أو الإقطاعية الدرزية فهي لا تزال في مواقعها الأمامية المتصدرة على طائفة الموحدين الدروز، وذلك رغم كل التحولات الكبيرة التي مرت على لبنان والمنطقة والتي دمرت إقطاعيات وزعامات عريقة وأنظمة وبنى جبارة.
ولكن ما هي مناسبة الحديث في هذه اللحظة عن صورة المختارة السياسية؟؟
الواقع أن الطرف الذي يستدرج للحديث عن هذا الجانب من المختارة هو كلام وليد جنبلاط التي علق به على اتفاق بكين السعودي الإيراني، حيث قال ما معناه أن الحزب التقدمي الاشتراكي يحتفظ لنفسه في الصين بمكتب تمثيلي كبير.
بالطبع تغريدة جنبلاط هذه ليست من دون خلفيات، فهو يريد القول أن المختارة التي يعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي ذراعها السياسي، لم تشطب من حسابها في أي يوم، الأهمية العالمية الاستراتيجية للصين؛ ولذلك حافظت على وجود تمثيلي مميز لحزبها هناك.
.. يذكر وليد جنبلاط، بنسبة معينة، حينما يتحدث عن الحزب التقدمي الاستراكي والصين، بياسر عرفات حينما كان أيام زعامته لحركة فتح، يتصرف مع هذه الحركة على أنها “سوبر ماركت” تتسع لكل الإتجاهات السياسية اليمينية واليسارية والعلمانية والإسلامية (الخ..)، شرط أن تخدم جميع هذه التوجهات مشروع عرفات الكبير داخل فتح التي يوجد فيها يساريين ويمينيين واسلاميين وإخوان مسلمين، وأيضاً شيوعيين مع روسيا وشيوعيين مع الصين كان يطلق عليهم تسمية الفتحاويين الماويين (نسبة لماو تسي تونغ).. وكل هذه الاتجاهات داخل فتح كانت تحظى بتأييد وتغطية عرفات المتصالح مع الاخوان ومع حزب التحرير والشيوعيين ومع “بلشفيي موسكو” و”ماويي بيكين”، الخ..
كذا حاله أيضاً يبدو الرفيق وليد حنبلاط الذي مع بدء صعود الإسلام السياسي السني خلال عز طفرة الربيع العربي (٢٠١١- ٢٠١٧)، بنى مسجداً بالقرب من دارة المختارة، وفيما ان الربيع العربي لم تكتمل وروده فإن المجسد لم يكتمل بناؤه حتى الآن، وصار حينها الرفيق وليد حنبلاط يقترب من أن يطلق على نفسه لقب “الحاج وليد حنبلاط”، وحالياً يقترب وليد بك من أن يطلق على نفسه كنية الرفيق الماويي وليد جنبلاط، وكان لفترة غير قصيرة من تعاظم نفوذ موسكو في المتوسط يقترب من استنساخ لقب الرفيق الاحمر جنبلاطوف ..
إن المسألة لا تتعلق فقط بأن جنبلاط لديه “حاسة ثامنة” تجاه التحولات الكبرى؛ ولا تتعلق أيضاً فقط بأنه ماهر في التكيف معها، عملاً بالمثل القائل أنه عندما يعلو الموج فلا تقف بوجهه، بل اذهب معه حتى يذهب ويتبدد.. بل المسألة تقع في تعقيدات المهمة التي يحملها، وهي الحفاظ على استمرار إرث المختارة، وذلك وسط عالم تنهار فيه النماذج التقليدية الشبيهة للمختارة، وتنهار فيه نماذج الزعامة حتى الأكثر حداثة من نموذج المختارة؛ وتكمن أيضاً في تعقيدات مهمته بخصوص كيف يحافظ على توريث الزعامة داخل بيئة المختارة لنجله تيمور، وذلك في أجواء عالم تنهار فيه قامات سياسية متمرسة ومخضرمة.
.. وقساوة معركة وليد جنبلاط تقع في أنه لا يملك خياراً غير أن عليه أن ينجح في مهمة يفشل آخرون كثيرون داخل لبنان وخارجه في اجتيازها بنجاح.. وغالباً ما تكون كلفة النجاح في مثل هذا النوع من المهمات، باهظة وشاقة وفيها حروب لا تنتهي.. فجنبلاط المثقف والمتابع لتحولات الافكار في العالم وليس فقط للتحولات السياسية والاقتصادية، يدرك أنه يواجه “منطق الزمن في السياسة”، ولا يواجه فقط “دولاب تحديات الاحداث”.. ومن هنا يضطر جنبلاط للوقوف عند حافة جبل الشوف العالي ليتحرى قبل غيره كيف تتحرك شهيات التنين الأصفر وراء جدار الصين
الهديل