علاقة الزلازل باستخراج الغاز… التجربة الهولندية تتكلّم!
صدى وادي التيم-من الصحافة العالمية/
في خضم وقوع الزلازل والحديث عن تبعاتها الكارثية على السلامة العامة والمباني، تعود قضيّة استخراج الغاز في هولندا إلى الواجهة. قضية ليست بجديدة، بل هي مفتوحة عمرها أكثر من عقد من الزمن، بحيث واظبت الدولة الهولندية على استخراج الغاز من أحد حقولها، غير آبهة بتداعيات هذا الاستخراج على سكّان المدينة، تاركة إيّاهم في منازل غير صالحة للسكن.
خلُص تقرير نشرته صحيفة “The Financial Times” إلى أنَّ عدم الاستقرار الجيولوجي الناجم عن التنقيب في حقل غرونينغن، الذي يضم أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في أوروبا، أدى إلى حدوث 1594 زلزالاً وتدمير أكثر من 85 ألف مبنى.
أدّى الحفر إلى زلازل تصل إلى 3.9 درجات على مقياس ريختر، أي يمكن اعتبارها هزات خفيفة إلى حد ما. ونظراً إلى طبيعة الاستخراج، كانت الاهتزازات أقرب بكثير إلى السطح من الزلازل الطبيعية، وبالتالي، ولّدت شعوراً أقرب إلى زلزال بقوة 5 درجات أو أكثر على مقياس ريختر.
ويذكر التقرير أنّ شركتي الطاقة “شيل” البريطانية و”إكسون موبيل” الأميركية والحكومة الهولندية، جنوا أرباحاً بقيمة 453 مليار دولار من استغلال حقل غاز غرونينغن، شمال شرق هولندا، تاركين آلاف السكان في منازل متصدّعة وسط مشكلات صحية. كما بلغت أرباح شركتي الطاقة، بحسب التقرير، 69.7 مليار دولار، بينما الدولة الهولندية كانت المستفيد الأكبر بتحقيقها إيرادات بقيمة 363 مليار يورو على مدار الأعوام الستين الماضية.
من جهته، أفاد عضو مجلس النواب الهولندي توم فان دير لي الذي قاد التحقيق المنشور، أنّ “الدولة والشركتين كسبت الكثير من المال، لكنّها تجاهلت إشارات وجود علاقة سببية بين استخراج الغاز والزلازل، وعند إثبات وجود هذا الارتباط، استهانت بمدى خطورة هذه الزلازل”، مضيفاً أنّ هذه الكارثة بطيئة الظهور، وآثارها كبيرة جداً، لكن “نظراً إلى عدم قدرة حكومتنا على التصرّف حيال ذلك، فإنَّ الأشخاص المتضررين ينتظرون لسنوات ويعجزون عن مواصلة حياتهم”
وقالت رئيسة ومديرة شركة “شيل” هولندا، مورغان فان لون، إنّ “سكان غرونينغن تحمّلوا جزءاً كبيراً من عبء إنتاج الغاز، ولم يتلقّوا سوى جزء صغير من الفوائد”، مضيفةً أنَّ جميع الأطراف “وضمنهم شركة “شيل”، لم يسمعوا بعناية كافية لأهالي غرونينغن عندما أعربوا عن مخاوفهم بشأن الأضرار التي لحقت بمنازلهم ومخاطر إنتاج الغاز على السلامة، ولدينا دروس مهمة لنتعلمها هنا”.
وبينما اعتبر وزير التعدين الهولندي، هانز فيلبريف أنّ “سكان غرونينغن كانوا على حق بشأن عواقب استخراج الغاز”، صرّح فان دير لي بأنَّ 10.5 مليارات دولار أميركي أُنفِقَت على تعويضات السكان والجهود المبذولة لدعم المباني، لكن مقابل كل يورو ذهب إلى السكان، أُنفِقَ 0.7 يورو على إجراءات بيروقراطية دفعها المواطنون لخزينة الدولة.
وبحسب التقديرات، فإنَّ حقل غرونينغن يحتوي على نحو 450 مليار متر مكعب من الغاز القابل للاستخراج، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كان الاتحاد الأوروبي يستورده من روسيا قبل غزو أوكرانيا. وأدّى الانخفاض في تدفقات الغاز الروسي إلى زيادة الضغط على السلطات الهولندية للإبقاء على حقل غرونينغن مفتوحاً، في الوقت الذي تسارع فيه دول الاتحاد الأوروبي لتأمين إمدادات بديلة
ومع ذلك، حدّت هولندا، في تشرين الأول 2022، سقف الإنتاج من غرونينغن عند 2.8 مليار متر مكعب للعام، في انخفاض من 42.5 مليار متر مكعب في عام 2014. وفي مطلع العام الجاري، أعلن فيلبريف أنّ بلاده تعتزم إغلاق حقل غرونينغن الذي يضمّ أكبر احتياطي غاز طبيعي في أوروبا، في الأول من تشرين الأول المقبل، “بسبب مخاطر الزلازل”.
لكنّه لمّح إلى إمكانية تأجيل الإغلاق حتى تشرين الأول 2024 في حال استمرار أزمة نقص إمدادات الغاز في أوروبا إلى ما بعد فصل الشتاء.
واستبعد الوزير زيادة حجم الإنتاج في الحقل، معتبراً أنّه “لن ننتج المزيد لأسباب تتعلق بالسلامة، فرفع الإنتاج يعني زيادة مخاطر حدوث زلازل، وهذا أمرٌ لا أريد أن أكون مسؤولاً عنه”.
معاناة إنسانية
وقد نشرت شبكة BBC في آب من العام الماضي تقريراً أظهرت فيه مدى انهيار المدن والقرى في منطقة غرونينغن من جراء استخراج الغاز الغني من المنطقة الشمالية من غرونينغن، بسبب حدوث آلاف الزلازل، ما أدّى إلى تحويل أحياء بأكملها إلى مناطق كوارث. فإذ كان من المفترض أن تنتهي هذه الأعمال في عام 2024، فإن الحرب في أوكرانيا قضت على هذا الأمل.
وتظهر الشقوق على الجدران الحجرية وبلاط الأرضيات، وقد تم تعزيز المنازل ودعمها بعوارض خشبية ضخمة، وصارت تقف شاحنة شركة بناء في كل ممر تقريباً. وبات يجب هدم 80 في المئة من هذه القرية بالكامل لأنّ المنازل غير آمنة للغاية بحيث لا يمكن السكن فيها
وبحسب BBC حينها، فقد صرّح كويرت فوسن، رئيس إحدى الحركات البيئية في غرونينغن “أنّنا عوملنا معاملة سيئة. نحن أساساً مستعمَرة هولندية. إنهم يأخذون كل الثروة ولا نحصل على أي شيء في المقابل، وقد تسبّب استخراج الغاز بحدوث أكثر من 1000 زلزال منذ أن بدأت “إكسون موبيل” و”شيل” أعمال الحفر التي وافقت عليها الحكومة هناك في عام 1963″.
وكويرت هو نفسه واحد من مئات الآلاف من الضحايا. ففي عام 2012، كان في المنزل عندما بدأ الكرسي الذي يجلس عليه يهتز، وفوقه، كان يسمع صرير العوارض الخشبية التي تدعم هيكل منزله. وبعد أكثر من عقد من الزمان، لم يتوقف الاستخراج. وصنّفت الحكومة الهولندية مئات المنازل على أنّها غير آمنة على الإطلاق، بحيث يحارب السكان نظاماً يشعرون بأنّه عمل ضدهم حتى للحصول على تعويضات أساسية.
ووجد آخر التقديرات الرسمية أنّ الدولة الهولندية حققت 417 مليار يورو (358 مليار جنيه إسترليني، ما يعادل 442 مليار دولار) من هذا الموقع منذ عام 1965.
وفيما يطالب السكان بضمانات بأنّ الإغلاق المخطَّط له في عام 2024، سيمضي قدماً، يتحدّث وزير التعدين الهولندي هانز فيلبريف، للـBBC أنّه “إن كنت تبحث عن ضمانات، فعليك أن تذهب إلى تاجر سيارات مستعملة. الضغط عليّ، على الحكومة، ضخم. لنكن صادقين، هناك اهتمامات كبيرة تدفعني لفتح الصنبور مرة أخرى، إذا جاز التعبير، لكنّني لن أفعل ذلك لأنّه فقط غير آمن، إنه خطير”.
ما العلاقة بين استخراج الغاز والزلازل؟
يمكن أن تؤدي عمليات استخراج النفط والغاز إلى حدوث زلازل كبيرة. وبحسب تقرير نشرته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS)، فقد عرف علماء الجيولوجيا لعقود من الزمن أنّ حقن السوائل لاستخراج الغاز والنفط، يمكن أن يزيد الضغط داخل مسام التكوينات الصخرية العميقة. لكن هذه الظاهرة ظهرت في المقدمة بسبب الارتفاع غير العادي في الزلازل الصغيرة عبر أجزاء من وسط الولايات المتحدة. وتزامن هذا الارتفاع في الزمان والمكان مع الطفرة في استخراج النفط والغاز غير التقليدي مثل التكسير الهيدروليكي، بحيث يُحقن سائل الضغط العالي في الأرض لتفتيت الصخور الأساسية وإطلاق الغاز أو النفط المحتبَس.
وفي معظم الحالات، لا تكون الزلازل ناتجة عن التكسير نفسه، الذي يكتمل عادة في غضون ساعات أو أيام، لكن يكون السبب عادةً هو التخلّص من مياه الصرف الصحي، بحيث يُعاد ضخ كميات كبيرة من المياه المستخرَجة في عمليات النفط والغاز في صخور الطابق السفلي العميقة، حيث تكمن العيوب الأكبر والأكثر خطورة