هل يتعرض أطفالنا للخداع في غابة “غوغل”؟

صدى وادي التيم – من الصحافة العالمية /

مقالة صدرت في صحيفة الاندبندنت البريطانية، بتاريخ ٢٧ يناير ٢٠٢٣، بقلم الصحافي الاردني، هشام اليتيم، وهي مقالة هامة، تضع النقاط على الحروف، فيما يتعلق بتأثير التكنولوجيا على أطفالنا…
(( “غوغل أنا حزين”، “غوغل أنا أحبك”، “غوغل كيف حالك؟”، كلها عبارات تلقاها المارد الافتراضي من أطفال يقصدون عالمه يومياً للسؤال عن كل ما يشغل بالهم أو حتى للتعبير والبوح عن بعض مشاعرهم الحميمية التي قد لا يبوحون بها لأفراد من العائلة وخصوصاً آباءهم وحتى إخوتهم وأمهاتهم.
ومع أنها كلمات عميقة وعاطفية للغاية وشخصية جداً إلا أنها تقال لآلة، فتذكرنا بوقت بدأت فيه رحلة مخاطبتنا لهذه الأجسام الجامدة قبل عقود قليلة من الزمن. هي كلمات أو عبارات قد تقال لـ”العم غوغل” وليس لـ”غوغل” ذاته، والعم في الثقافة الغربية التي من الواضح أنها كانت مقراً لنحت وفبركة هذه المفردة هو أي أخ للأب أو للأم، أو زوجة العم أو زوج العمة، وهذا وفق قاموس كمبردج. وهو في الثقافة الهندية وفق المرجع ذاته، أي شخص ذكر بالغ من العائلة يكون أكبر سناً منك.
لكن ماذا عن معنى “العم” غير شقيق الأب في الثقافة العربية؟ الواقع أنه مختلف قليلاً فهو يطلق أيضاً على أي شخص يحسن لك مالياً. والعرب اعتادوا أن يطلقوا أسماء عائلاتهم الثمينة من باب التحبب والتقدير وبشكل مصغر لغوياً (مثل تويجر من كلمة تاجر) على آخرين أعجبوا بهم لأنهم مميزون علمياً أو فكرياً أو ثقافياً أو يتصفون بأخلاق حميدة مثل الشجاعة والكرم وغيرهما، إضافة إلى أنهم يطلقون لقب الوالد على كل من يفوقهم سلطة ومنزلة حتى لو كان أصغر سناً.
لذلك تعد منزلة (العم) التي اكتسبها “غوغل” في زمن قياسي منزلة رفيعة عربياً وفيها مكنون عاطفي عائلي وأبوي كبير، وهذا أمر قد يشكل خطراً، خصوصاً على اليافعين الذين يندفعون باتجاه هذا العالم غير مدركين أبعاده الكاملة في كثير من الأحيان.
بطاقة العم “غوغل” الشخصية:
البطاقة الشخصية لـ”غوغل” بوصفه عماً لكثيرين في هذا الجيل قد تكون ملتبسة قليلاً، فهو من مواليد الولايات المتحدة الأميركية في جامعة ستانفورد تحديداً، بين عامي (96-1998) على يد (لاري بايج وسيرغي برين)، ليصبح المولود المعجزة الذي بات خلال سنوات قليلة رجلاً ثرياً تزيد ثروته على 18 مليار دولار وذلك في عام 2007 وفق مجلة “فوربس”.
عمل “غوغل” في شبابه بمجالات الإعلان والبرمجيات والأجهزة الإلكترونية والحوسبة السحابية، ثم أصبح مالكاً لموقع “يوتيوب” ولعدد من المتصفحات ولمنصة البريد العالمية جي ميل، كما اقتحم عالم الصناعات وعلوم الحياة والروبوت ومجالات الرعاية الصحية حتى إنه عمل في محاربة الاحتكار.
وأوردت بعض المعاجم تعريفاً لاسم “العم غوغل” من حيث كونه جسد خلال سنوات حياته لقب “العم المخيف” أو “القدوة السيئة” الذي يغري الأصغر سناً برفقته ولن يتورع عن إفساد أخلاق قريبه اليافع بطرق عديدة كأن يعرض له صوراً فاضحة أو يقدم نصائح سيئة لدرجة أن الأم لن تتردد في تحذير ابنها من مصاحبة هذا العم على رغم رغبته بالتقرب منه أو اعتباره صديقاً.
أطفال في غابة العم “غوغل”
في القرن الـ18 وفق رواية المستشرق الفرنسي (أنطوان جالان) في كتابه (ألف ليلة وليلة) ذهب الفتى علاء الدين ليعمل في الصين، فتعرض لخديعة كبرى حيث اقتاده ساحر إلى عمق الصحراء ليستخرج كنزاً من كهف مهجور، وحين أنهى عمله أغلق الساحر الباب وتركه ليموت في ظلام الكهف الدامس، لكنه تمكن بالصدفة من رؤية مصباح قديم، فمسح الغبار عنه ليضيء المكان قليلاً، فخرج له مارد ضخم وأعاده إلى النور.
هذه الحكاية بالتحديد اقتبسها (جالان الفرنسي) من الروائي السوري حنا دياب، والمهم لدينا ما جاء في الرواية الأصلية عن دياب حول طريقة إقناع المشعوذ للفتى العربي الساذج علاء الدين الذي يبحث عن الثراء السريع لدخول الكهف بدلاً عنه ليحصل هو لاحقاً على الكنز ويختفي من دون رجعة، وفي هذا الجزء من الرواية تكمن نبوءة دياب لمستقبل قادم سيعانيه ملايين الشباب العرب في وقتنا المعاصر ممن قد تنطلي عليهم الخدعة فيتعاملون مع العم “غوغل” باستهتار وبراءة مفرطة.
فالساحر أقنع علاء الدين أنه عمه المفقود الذي لم يتعرف عليه من قبل، ثم رافقه للمنزل وتناول الطعام معه وأمه، وبعدها وعد أن يحول الفتى الصغير إلى تاجر كبير، بشرط أن يساعده في استخراج الكنز. العم غوغل هنا هو ذات العم المزيف الذي ظهر فجأة وأطلق خدعته التي انطلت على الكبار والصغار، فدخل البيوت من أوسع أبوابها ثم أخذ الكنز واختفى من الوجود. وأم علاء الدين هنا هي كل أم تنطلي عليها هذه الخدعة ولا تحذر أبناءها من المصير ذاته الذي واجهه الفتى اليتيم لدى دخوله غابة العم من دون حذر وانتباه.
العم بالأرقام:
تلقى “غوغل” أول تمويل له عام 1998 من مهندس كهربائي كان مقداره 100 ألف دولار، ثم في 1999 أعلنت شركة “غوغل” حصولها على تمويل قدره 25 مليون دولار، وانتقل مقر الشركة إلى ماونتن فيو في كاليفورنيا، وفي 2004 وصل رأسمال الشركة إلى 23 مليار دولار لتتحول بعد عقد من الزمن وتحديداً في 2014 إلى أكبر تكتل تكنولوجي وتستحوذ على ما يقرب من 100 شركة في مجالات متعددة، بلغت قيمتها السوقية 650 مليار دولار ويعمل فيها حالياً ما يزيد على 118 ألف موظف.
أخيراً أثناء دخول “غوغل” لا تتخيل أنك ستجد عماً لك أو قريباً من أقربائك الحقيقيين، خصوصاً حين تكون من فئة اليافعين، فعالم (العم غوغل) ما هو إلا عالم محتشد بالأفكار والمعلومات والصور التي تعبر في مجملها عن زمن شهد ثورة غير مسبوقة في مجال المعلومات بكل أقسامها، الخيرة منها والشريرة، هذا العالم ليس مثالياً بل إنه متهم بأنه يراقب خصوصية ملايين من الناس ويتجسس عليهم، ويستعمل معلوماتهم وبياناتهم الشخصية لأهداف التربح، وهناك مخاوف في شأن موثوقيته في التعامل مع حقوق الطبع والنشر وبخصوص مراقبته للمطبوعات، مما دفع كثيرين إلى القول إن (العم غوغل) الذي رفع ذات مرة شعار “لا تكن شريراً” لم يتمكن حتى الآن من تطبيق ولو جزء يسير من مضمون هذا الشعار الرفيع)).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!