“الدولار إلى 110 آلاف ليرة”…

صدى وادي التيم – اقتصاد/

حمّل كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي د. غربيس إيراديان، المنظومة الحاكمة، مسؤولية تعطيل الاصلاحات الهيكلية المطلوبة للخروج من الازمة الاقتصادية والمالية، معتبراً ان هذه الطبقة الفاسدة ما زالت تحمي مصالحها الشخصية على حساب انهيار البلاد التام، ومؤكداً في مقابلة حصرية مع «نداء الوطن» ان المؤشرات الاقتصادية متجّهة من سيئ الى أسوأ في حال عدم تنفيذ برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي وعدم تطبيق الاصلاحات المطلوبة. حيث يتوقع معهد التمويل الدولي ان تبلغ نسبة الانكماش في الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي 7- في المئة في 2023 ليصل الى 14.8 مليار دولار، ومعدل التضخم 183 في المئة، وان يصل سعر صرف الليرة مقابل الدولار الى 110 آلاف ليرة في نهاية 2023. وفي ما يلي نص المقابلة مع ايراديان:

1. ما هي تقديرات معهد التمويل الدولي لعام 2022 وتوقعات العام 2023 للمؤشرات الاقتصادية والمالية الرئيسية في لبنان في ظل غياب الإصلاحات العاجلة وعدم إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي؟

يعاني لبنان من ظروف اقتصادية ومالية سيئة جدّاً، وتزداد سوءاً بشكل يومي. من دون تنفيذ برنامج اقتصادي شامل يدعمه صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي، سيستمر الوضع الاقتصادي في لبنان في التدهور أكثر ليصبح لبنان دولة فاشلة.

تُظهر تقديراتي أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد تقلص بنسبة 6,5- في المئة في عام 2022 وأتوقع مزيداً من الانكماش بنسبة 7- في المئة في عام 2023، بسبب الشلل السياسي وغياب الإصلاحات. سيستمر الناتج المحلي الإجمالي بالدولار الأميركي في الانخفاض إلى حواليى 14.8 مليار دولار في عام 2023 (ثلث مستواه في عام 2019). سوف يتسارع معدل التضخم ويبقى في مستويات مكونة من ثلاثة أرقام (الجدول). سينخفض سعر الصرف في السوق السوداء بسرعة وقد يتجاوز 110.000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي بنهاية هذا العام. وبما ان استخدام الودائع بالدولار مقيّد بشدة، فان نسبة الاقتطاع منها (haircut) ترتفع مع كلّ انخفاض في قيمة العملة.

سيستمرّ مستوى معيشة الأشخاص الذين لا يملكون السيولة النقدية الأجنبية أو ليس لديهم مصدر للحصول عليها، في التدني اكثر واكثر. ومع ذلك، يواصل السياسيون التصريح بأن أموال المودعين مقدسة وستتم حمايتها، وبالتالي يصعب تمييز الخط الفاصل بين خداع الذات والخداع المتعمد.

لا يزال عجز الحساب الجاري كبيراً للغاية وستستمر الاحتياطيات الرسمية (باستثناء الذهب وسندات اليوروبوند) في الانخفاض من 10.6 مليارات دولار في نهاية عام 2022 إلى حوالى 6 مليارات دولار في نهاية عام 2023. وسيضطر مصرف لبنان إلى استخدام المزيد من متطلبات الاحتياطي الإلزامي للبنوك التجارية.

سيزداد الفقر وسترتفع نسبة البطالة أكثر. وفي حين تقلصت الطبقة الوسطى، فان المزيد من الكفاءات البشرية سيغادر البلاد. تشير تقديراتنا إلى أن أكثر من 200 ألف مواطن غادروا لبنان في عام 2022 وربما يغادر 200 ألف آخرين البلاد هذا العام. مثل هذا التطور لا يزعج الطبقة الأوليغارشية من الأثرياء وحلفائها في مجلس النواب طالما أن نفوذها وثروتها محميّة سواء في لبنان أو في البنوك الأجنبية.

2. هل يمكن معالجة الأزمة الاقتصادية من دون اللجوء الى صندوق النقد الدولي والحصول على الدعم المالي من المجتمع الدولي؟

لا يمكن معالجة أزمة لبنان الاقتصادية والمالية من دون صندوق النقد الدولي والدعم المالي من المجتمع الدولي. ورغم ذلك، سيكون الأمر أشبه بحدوث معجزة إذا وافقت الطبقة السياسية الفاسدة الحالية على تنفيذ الإصلاح المطلوب لتمهيد الطريق لاتفاق مع صندوق النقد الدولي وفكّ حظر المساعدة المالية من قبل المجتمع الدولي. من دون تنفيذ برنامج اقتصادي شامل يدعمه صندوق النقد الدولي، لا نهاية للانهيار الاقتصادي والمالي اللبناني. ومع ذلك، تستمر الطبقة السياسية الحالية الممثلة في مجلس النواب في عرقلة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ولا سيما لجنة المال والموازنة.

لم يتم تنفيذ معظم الشروط الاولية لصندوق النقد الدولي، في حين تم تعديل بعض منها (قانون السرية المصرفية والضوابط على رأس المال) لخدمة مصالح مجموعات معيّنة.

من المؤسف أن الخطة الاقتصادية التي تم وضعها في نيسان 2020 (والتي صاغتها حكومة حسان دياب بالتعاون مع شركة الاستشارات المالية لازارد) تم نسفها من قبل لجنة المال والموازنة. لو تم تنفيذ هذه الخطة الاقتصادية بدعم من صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي، لكانت أسعار الصرف المتعددة قد تم توحيدها في غضون أشهر قليلة وبقيت بين 4000 و 5000 ليرة لبنانية / دولار أميركي، ولكان التضخم قد انخفض إلى مستويات أحادية الرقم في الوقت الحالي. كان ممكن ان يتعافى الاقتصاد بشكل كبير، ولكان معظم المودعين قد حصلوا على نسبة كبيرة من ودائعهم حالياً. من المحزن جداً أن الطبقة السياسية الفاسدة نفسها أعاقت الخطة الاقتصادية الجديدة التي وضعها نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

كلما طال الانتظار، كلما زادت صعوبة وقساوة الحلّ المطلوب لعلاج الأزمة!

3. وفقاً للبيانات الجمركية، ارتفع حجم الاستيراد من 12 مليار دولار في عام 2021 إلى حوالى 19 مليار دولار في عام 2022. كيف تفسّر هذه الزيادة في الواردات في بلد يعاني من انكماش اقتصادي ويبلغ فيه الناتج المحلي الإجمالي حوالى 18 مليار دولار فقط؟

هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء هذه الزيادة الكبيرة في الواردات:

– إستخدام اسعار صرف متعددة ومشوّهة. حيث قام المستوردون أو التجار (بدعم من السياسيين الفاسدين في مجلس النواب) باستغلال سعر الصرف المنخفض (1500 ليرة لبنانية / دولار أميركي لغاية نهاية كانون الثاني 2023) لدفع رسوم جمركية منخفضة.

– إرتفاع ملحوظ في أسعار الغذاء والنفط العالمية.

– عمليات تهريب كبيرة للسلع إلى سوريا في ظل عدم وجود رقابة كافية على الحدود.

تظهر تقديراتنا أنه تم تهريب ما لا يقل عما قيمته 3 مليارات دولار من إجمالي الواردات المسجلة البالغة 19 مليار دولار، إلى سوريا. وقد أدت أسعار الصرف المتعددة المشوهة والتهريب إلى تقويض الإيرادات الحكومية المحتملة، مما أدى إلى انخفاض الإنفاق على القطاعات الاجتماعية وزيادة العجز. لا يملك لبنان القدرة على استيعاب 19 مليار دولار من واردات السلع لأن ناتجه المحلي الإجمالي أقل من 18 مليار دولار. كما يوضح الرسم البياني أدناه، ارتفع متوسط واردات السلع من حوالى 40% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2012-2020 إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 و 103% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022. تطور غريب وغير واقعي!

ملاحظة: معهد التمويل الدولي، مؤسسة أميركية مستقلة تتخذ من واشنطن مقراً لها.

تقاسم السلطة في اتفاق الطائف كان خاطئاً ومليئاً بالتناقضات

يعزو بعض المحللين والأحزاب السياسية، أسباب تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية والشلل السياسي الى الثغرات القائمة في الدستور. ما هو تعليقك حول هذا الموضوع

نعم، ان مفهوم تقاسم السلطة الذي انبثق عن اتفاق الطائف كان خاطئاً ومليئاً بالتناقضات. من دون إعادة هيكلة سياسية أساسية وتوافق معقول في الآراء حول كيفية استخدام السلطات الحكومية، لا يمكن فعل الكثير لإصلاح الاقتصاد. وبينما أعلن اتفاق الطائف هدف التخلص التدريجي من الانقسامات الطائفية، فقد كُرّست الطائفية في نص الدستور مع تخصيص مناصب محددة لمختلف الطوائف. خلق دستور الطائف ظروفاً عززت الجمود السياسي. لم يكن هذا الامر مهماً عندما كانت سوريا تتمتع بسلطة الحكم حتى العام 2005. وخلال السنوات المزدهرة نسبياً 1994-2004، نجح رئيس الوزراء في ذلك الوقت في بناء توافق في مجلس الوزراء ومجلس النواب من خلال منح حوافز مالية، أو بمعنى آخر «شراء الطاعة». وفي حال تم انتخاب رئيس للجمهورية وتم تشكيل حكومة سياسية توافقية، ستبقى السلطة مجزأة ومشتتة بين مختلف الفعاليات السياسية.

المصدر: رنى سعرتي – نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!