لبنان يدخل مرحلة الطوارئ الطبية: وداعا للأطباء
صدى وادي التيم-لبنانيات/
25 إلى 30% هي نسبة الأطباء الذين هاجروا «رسمياً» بعد الحصول على إفادات من نقابتَيْ الأطباء في بيروت وطرابلس. الرقم ليس نهائياً، لأن الأعداد المسجلة لا تعكس الواقع مع هجرة موازية لأطباء تركوا من دون إعلام نقابتهم، ولأن النزف متواصل لا سيّما مع ازدياد الأسباب التي تؤدي إلى خيار الهجرة. مع ذلك قد يكون الرقم على ضخامته عادياً مقارنة بالسؤال: من الذي هاجر؟ لأن إجابته تكشف فراغاً قاتلاً في الاختصاصات الدقيقة والنادرة التي كان يتميّز بها لبنان، وباتت تؤثر اليوم على خدماته، ما ينذر بنهاية قطاع اقترن اسم لبنان به طويلاً كـ«مستشفى العرب»
لا تزال أزمة هجرة الأطباء تكبر، حتى باتت تقترب اليوم من النزف المنظّم، بحسب المتابعين. وفي ظلّ تجذّر الأسباب الدافعة إلى الهجرة أكثر، يتوقع أن يدخل لبنان مرحلة الطوارئ الطبية مع دخول الهجرة نسختها الثالثة اليوم. يرى المتابعون أن لبنان تخطى بين عامي 2019 و2021 هجرتين، وهو يعيش اليوم على وقع الهجرة الثالثة التي تتسبّب بها هذه المرة إجراءات المصارف. فبعد الأزمة المالية التي أدّت إلى انهيار المعيشة كان قرار «الفرار» الأول، ثم جاء انفجار مرفأ بيروت ليعزّز رغبة كثيرين من الأطباء بالرحيل، وها هي القرارات التعسّفية من المصارف، والأخرى غير المدروسة من الدولة، تدفع أكثر باتجاه الرحيل. إذ تتعامل المصارف مع الأطباء، كغيرهم من المودعين، على قاعدة «أنا ربّكم الأعلى»، مبتكرة إجراءات خاصة في التعامل مع أيّ مودع، قائمة على ضمان بقائها من «جيبه»، وفقاً ل”الأخبار”.
ينطلق نقيب الأطباء في بيروت، يوسف بخاش في حديثه عن «الكارثة» من الانهيارات المتتالية، سواء في العملة الوطنية أو في المؤسسات والصناديق الضامنة. وللأخيرة حصّة من الخيار، فرغم محاولات التعديل في جداول التعرفات الطبية وأتعاب الأطباء، إلا أنها لم تترافق مع حجم الانهيار الحاصل. وإذ عمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على رفع التعرفة ضعفين ونصف، ووزارة الصحة ما يقرب من سبعة أضعاف، وكذلك الحال بالنسبة لتعاونية موظفي الدولة، إلا أن كلّ هذه الأضعاف لم تلامس الحدّ الأدنى لتحليق الدولار.
لم ينتفض الأطباء في وجه تلك الزيادات، لعلمهم أن هذا أقصى ما يمكن الحصول عليه من مؤسسات منهارة. قبلوا بما تعطيه على مضض، وإن كان «وهماً»، بحسب بخاش، انطلاقاً من أن الأموال لا تصلهم مباشرة وإنما يجري تحويلها إلى المصارف. وهنا، تبدأ الدوامة: مصارف قد تستقبل الوديعة، وأخرى لا… وإن استقبلت قد لا تصرفها، وإن صرفتها ستصرفها وفق سقوفٍ معينة، وإن قبضها الأطباء «ستكون لا شيء، للفارق في القيمة ما بين فترة إيداعها وفترة صرفها».
وإذ أوصلت سياسة المصارف التعسّفية بعض الأطباء إلى طلب فروقات من المرضى بالعملة الفريش، سواء الوطنية أو الدولار الأميركي «من أجل تأمين الحد الأدنى من الاستمرارية»، إلا أن سياسة الدولة غير المدروسة قضت على آمال هؤلاء. وقد تجلى هذا الأمر في إقرار سلّة من الإجراءات الضريبية «لم تأخذ في الاعتبار كيف يمكن للطبيب أن يحصّل معيشته»، يقول بخاش. السخرية، بحسبه، أن تقاسم الدولة الأطباء والمؤسسات «التي لا تزال صامدة» لقمة عيشها في الوقت الذي تتغاضى عن كثير من الملزمين بدفع الضرائب وهم لا يدفعونها. ويسأل هنا: هل يدفع الصيارفة الذين يكبّدون الدولة انهياراً ضرائب؟ ثم يجيب: قطعاً لا. وتقود هذه المفارقات إلى الاستنتاج بأن «لا دولة عدالة اليوم».