دولار الـ15 ألف ليرة حيز التنفيذ وأول الغيث الـTVA
صدى وادي التيم-إقتصاد/
انتهت فترة السماح الملتبسة للضرائب والرسوم الجمركية التي كانت تعتمدها الدولة على سعر الـ 1507 ليرات، وبدأت اعتبارا من أول شباط الجاري مرحلة جديدة من محاولة اعادة بعض التوازن الى المالية العامة، بعدما أقرت الدولة ومصرف لبنان التثبيت المرحلي للدولار الرسمي على سعر 15 ألف ليرة. فعائدات الدولة من الرسوم والضرائب التي تراجعت بشكل دراماتيكي بعدما فقدت الليرة قيمتها وحلّ الانهيار على كل المستويات، يؤمل أن تنتعش ولو قليلا بعدما تضاعفت قيمتها 10 مرات مع سريان مفعول القرار الجديد.
فإلى الإيرادات الجمركية، يعوَّل على ايرادات الضريبة على القيمة المضافة التي كان لها دور أساسي في رفد الخزينة بمبالغ كانت قادرة حين اعتمادها على تمويل جزء غير يسير من مصاريف الدولة. وللعبرة، استطاعت ضريبة الـ TVA التي كانت تبلغ 3840 مليار ليرة قبل الازمة، ان تعادل فاتورة استشفاء اللبنانيين على نفقة وزارة الصحة، وهذا إن دلّ على شيء فعلى قدرة الدولة في تفعيل الجباية في حال حزمت أمرها ومارست بجدية ومسؤولية وظيفتها في تطبيق القانون على التجار والمستوردين والمكلفين والمؤسسات عموما، وعلى اهمية هذه الضريبة الفعالة بمبالغ طائلة أحوج ما تكون اليها مالية الدولة بعدما تضاعفت مصاريفها مرات، وخصوصا اجور ورواتب القطاع العام والمتقاعدين، وبات لزاما على وزارة المال ان تؤمّن ارقاما خيالية لتسديد الرواتب.
إذاً، مع بدء مصرف لبنان تطبيق سعر الـ 15 الف ليرة كسعر صرف جديد، واكبت وزارة المال الاجراء الجديد عبر تطبيق هذا السعر على الضريبة على القيمة المضافة (TVA) بدءا من أول شباط، بعدما كانت تُدفع بين الشركات على أساس سعر صرف 1507 ليرات.
وفي حين لم يصدر أي بيان من وزارة المال يعلن عن التدبير الجديد، يبدو أنها ستكتفي حتى الساعة باعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن الامر عبر حديث صحافي، فيما تم ابلاغ المعنيين في الوزارة ببدء التطبيق فورا.
وفي حين يخشى البعض تحميل المستهلك تبعات رفع سعر الصرف الى 15 ألف ليرة على الضريبة على القيمة المضافة، تؤكد مصادر متابعة أن المستهلك لن يتأثر باجراء كهذا. وللتوضيح اكثر، تشير المصادر الى أنه اذا كانت الـ TVA على سلعة قيمتها 1000 دولار نقدي تبلغ 165 الف ليرة كون سعر الصرف كان 1500 ليرة للدولار الواحد، فإنه بعد رفع سعر الدولار الى 15 الف ليرة اصبحت الـ TVA على سلعة قيمتها الف دولار اميركي نقدي تبلغ 1650000 (مليون و650 الف ليرة لبنانية) أي نحو 25 دولارا نقديا. وتاليا سيكون لتغيير سعر الصرف تأثير على الاسعار ولكن محدود وقليل نسبيا. مع الاشارة الى ان كل الضرائب والرسوم الاخرى لن تتغير كونها غير مرتبطة بالدولار الاميركي، والتغيير الاساسي سيطاول ضريبة الـ TVA فقط. وتجدر الاشارة الى ان الرسوم الجمركية وضريبة الدخل على الرواتب بالدولار الاميركي اصبحت تُحتسب على سعر 15 الف ليرة منذ مدة.
في غضون ذلك، بات اللبنانيون أمام 3 أسعار لصرف للدولار، هي: سعر الدولار الرسمي البالغ 15 ألف ليرة، وسعر ثانٍ حدده المصرف المركزي عبر منصة “صيرفة” ويبلغ 42 ألفا، وثالث يتم التعامل به في السوق الموازية وقد تجاوز حاليا عتبة الـ 62 ألف ليرة للدولار، لكن حاكم مصرف لبنان قال إن هذا التغيير “هو خطوة نحو توحيد أسعار الصرف المتعددة في البلاد، ويأتي تماشيا مع مطالب صندوق النقد الدولي”.
توازياً، تفيد المعلومات عبر “النهار” بأن ثمة نية برفع سعر الصرف الرسمي تدريجا ليصبح موازيا لسعر منصة “صيرفة”، وهو ما يؤكده الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي لـ “النهار”، إذ أشار الى أن “سعر صرف دولار على اساس الـ 1500 ليرة لم يعد منطقيا ابدا بالنسبة لمعاملات الدولة، علما أنه كان للخبراء الماليين والاقتصاديين اقتراحات عدة على وزير المال ومصرف لبنان لأن يصار الى تعديل سعر الصرف لرفع ايرادات الدولة، وهؤلاء كانوا يطالبون برقم يناهز الـ 15 ألف ليرة على اعتبار أن السعر المنطقي للسوق هو بالحد الادنى صيرفة، وتاليا لا يمكن للدولة أن تخرج من أزمتها المالية والاقتصادية والنقدية اذا لم تتماشَ مع السعر الحقيقي للدولار في السوق. فعدم انسحاب سعر الصرف الحقيقي على الرسوم والضرائب يخسّر الدولة ايرادات كبيرة جدا ويسمح للشركات بتحقيق ارباح خيالية على اعتبار أن سعر الصرف الرسمي أدنى بكثير من سعر الصرف الفعلي”.
أما بالنسبة للايرادات على سعر الـ 15 الف ليرة للدولار الجمركي وبقية الرسوم، اضافة الى الضريبة على القيمة المضافة، فيتوقع جباعي أن ترتفع من 13 تريليون ليرة (عندما كان سعر الصرف 1507 ليرات) الى نحو ما بين الـ 100 والـ 130 تريليون ليرة سنويا. فالدولة التي كانت تحصّل 13 تريليون ليرة كحد أقصى اي نحو 9 مليارات دولار تبلغ قيمتها الفعلية حاليا على سعر صرف السوق نحو 200 مليون دولار. أما اليوم فإنه يمكن للدولة أن تحصّل ما بين الـ 100 الى 130 تريليونا بحسب قدرتها على جباية الضرائب وتفعيلها بشكل حقيقي، اي ما بين الـ 1.5 مليار دولار وملياري دولار سنويا، بما يعني ارتفاع ايرادات الدولة 10 أضعاف تقريبا عما كانت عليه”. ومن ايجابيات هذا الامر، وفق جباعي، أنه “سيصبح في مقدور الدولة نوعا ما الانفاق على التعليم والصحة والخدمات والمرافق العامة والبنى التحتية، مع أهمية أن تترافق زيادة سعر الصرف مع قرار بزيادة الاجور للقطاع العام تدريجا، وبذلك يصبح المواطن يدفع رسومه على سعر الـ 15 ألف ليرة وكذلك يسدد رسومه على سعر الصرف عينه”. وهذا الامر أساسي، برأي جباعي، لأنه “اذا لم تبادر الدولة الى زيادة الاجور فإنها بذلك تكون قد حمّلت المواطن ثمنا جديدا في الازمة”. وأما الايجابية الاهم فهي، وفق ما يقول، على الصعيد النقدي، إذ “من المعلوم أن مصرف لبنان يضطر كل 3 أشهر الى طباعة ما بين 8 الى 10 تريليونات ليرة لشراء الدولار بغية تأمين رواتب الموظفين وحاجات الدولة التشغيلية التي تقدر شهريا بـ 300 مليون دولار تقريبا، فيما ايراداتها لا تتجاوز الـ 200 مليون دولار سنويا.
وتاليا اذا استطاعت وزارة المال تحصيل ما يناهز الـ 100 تريليون ليرة، فإن بإمكانها تغطية الـ 10 تريليونات ليرة التي يطبعها مصرف لبنان كل 3 أشهر، وبذلك يكون هذا الاجراء مدخلا لتجميد الكتلة النقدية بالليرة وهو أمر اساسي ايضا لضبط سعر ارتفاع الدولار”.
أما اذا صحّت المعلومات، وتم رفع سعر الصرف تدريجا ليوازي سعر “صيرفة”، فإن هذا الأمر ايجابي جدا على طريق تمكين وزارة المال من زيادة ايراداتها الضريبية، وفق جباعي، فيما الاهم أن “على الدولة أن تعمد الى رفع الاجور بنفس مقدار زيادة سعر الصرف وتطبيقه على الرسوم والضرائب”.
ولكن هل من تأثير لزيادة الرسوم والضرائب على المواطنين والاستثمارات الجديدة؟ يرى جباعي “أن 80% من الموظفين اللبنانيين باتوا يتقاضون رواتبهم بالدولار أو على سعر الصرف في السوق الموازية، فيما 25% من اللبنانيين يعتمدون على التحويلات من الخارج، و15% يقبضون من الاحزاب التي ينتمون اليها أو من الجمعيات و”اليونيفيل”، و25% منهم يعملون في القطاع التجاري ويسعّرون يوميا بحسب سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وهناك 5% يفيدون من “صيرفة”، فيما اصبح 10% من اللبنانيين تجار دولار، وتاليا فإن نسبة الـ 80% هذه لن تتأثر بزيادة سعر الصرف الرسمي على الرسوم والضرائب لأنهم يعملون على السعر الفعلي في السوق الموازية. أما الخاسر من هذا الاجراء فهو موظف القطاع العام، في حال لم يُرفع راتبه الى ما يوازي سعر الصرف الذي تعتمده الدولة. وبالنسبة للشركات والاستثمارات الجديدة، فإن مصاريفها هي على الدولار الفعلي، فيما تدفع الرسوم على سعر 15 ألف ليرة وهو رقم لا يزال بعيدا جدا عن السعر الحقيقي الذي تعتمده في مبيعاتها ومشترياتها. وتاليا كل ما يحكى عن خسارات هو كلام شعبوي لا يمت الى المنطق بصلة”. ويختم بالقول: “بعد 3 سنوات من الازمة، هناك واقع مالي ونقدي يجب أن نتماشى معه، خصوصا ان 80% من اللبنانيين كما ذكرنا لن يتأثروا برفع سعر الصرف الرسمي، أما الـ 20% فهم من القطاع العام الذي على الدولة أن تحسّن رواتبهم تماشيا مع سعر الصرف الذي تعتمده”.