أساتذة ‘اللبنانية’ يصارعون للبقاء.. هجرة الدكاترة تهدّد التعليم الرسمي
هذا العام، فُرض على الطّلّاب والأساتذة الأمر الواقع، للعودة إلى الدّراسة الحضوريّة، وليس عن طريق الاونلاين كما كان يحصل أيّام تفشّي فيروس كورونا، ممّا أثّر ذلك سلبًا في حياتهم اليوميّة، الاقتصاديّة بالدّرجة الاولى. فكيف يمكننا وصف هذه الحالة الكارثيّة التي تمرّ بها الجامعة اللّبنانيّة من أساتذة ودكاترة وطلّاب؟
من البديهي معرفة المستوى المعيشي أو الطّبقة الاجتماعيّة التي ينتمي إليها طلّاب الجامعة اللّبنانيّة، بشكلٍ عامٍ طبعًا. والجميع يعلم أنّ طلّاب الجامعة اللّبنانيّة ينتمون إلى طبقات متوسّطة أو فقيرة في البلد، ولولا ذلك لكانوا تسجّلوا في جامعاتٍ خاصّةٍ ودفعوا العملات الخضراء في نهاية كلّ فصلٍ دراسيٍ.
ولكن، احترامًا لمكانة شهادة الجامعة اللبنانيّة والاعتراف بتميّزها عالميًا بقسطٍ متواضعٍ، يجتمع العديد من الطلّاب على فكرة تخرّجهم في هذه الجامعة العريقة المتميّزة التي تجمع طلابها من كافة الطبقات والطوائف والأديان، لتختار نخبة الطّلاب والسّعي الى تكريسهم مهارات دراسيّة جيّدة. لكنّ الوضع المشؤوم الذي يشمل كافّة القطاعات في لبنان، شمل الجامعة اللّبنانيّة بالدّرجة الاولى نظرًا لسوء الاعتناء بها ودعمها، بسبب قلّة السّيولة. ولهذا السّبب، حاول الأستاذة إعلان الإضرابات مرارًا وتكرارًا لنيل أبسط حقوقهم تحت شعار «أنقذوا ميزانيّة الجامعة اللّبنانيّة»، لكنّهم باؤوا بالفشل. وكلّ المطالبات اليوم، تكمن في النّظر إلى مستقبل مصيرهم. ولا يزالون حتّى السّاعة، يطالبون بتحسين أوضاع الأساتذة والموظّفين والتي تنعكس بصورة مطردة على التعليم التي تدهورت جدّيّته وفاعليّته في السّنوات الأخيرة بسبب إفلاس الجامعة وتوقفها القسري نسبةً للنقص في القدرة التشغيلية.
وللأسف 80 ألف طالب غير قادرين على تحصيل علمه في الجامعة الخاصّة، وهنا دور تنفيذ ما هو لمصلحة الجامعة اللبنانية. ونتيجة إخفاق النظام الاقتصادي السياسي اللبناني المتعمّد في إدارة هذا الملف، لا تزال الجامعة اللبنانيّة حتّى السّاعة، تتصارع للبقاء.
شهد الواقع المرير، نقص بالأساتذة في مختلف الاختصاصات، وبات الشغل الشاغل لإدارة الجامعة والأساتذة وحتى الطلاب، الذين اكتشفوا عدم وجود أساتذة في مواد عديدة، وتحديدًا في الكليات التطبيقية. كحال كلية التكنولوجيا وكلّية الهندسة وغيرها، ولم يعرف عدد الأساتذة الذين تركوا لبنان حينذاك بسبب التعليم من بعد.
كثيرون من الدّكاترة يعتبرون أنّ حقّهم الأساسيّ اليوم هو دفع رواتبهم بالفريش دولار، وأنّ تنكة البنزين التي تخطّت المليون، جعلتهم يفكّرون مرّتين في البقاء في منازلهم، وإمّا الرّحيل للغُربة.
وهذا وضع المواطن اللبناني بشكلٍ عامٍ، ووضع الأستاذ الجامعيّ بشكلٍ خاصٍ. درس وتعب وناضل، وأعطى وقته ومصيره في أيدي هذه الجامعة الحاضنة، ليبقى مصيره معلّقًا بأيادي المصارف ومحتكري البلاد. هذا وكلّه، لم يعد يتقاضى الأستاذ ليرة واحدة في حال كان يُشرف على رسالة طلّاب الإجازة أو الماجستير، مع العلم أنّه في السّابق، كان يجني المزيد من المال باعتماده على إشراف الرّسائل. أمّا طموحه اليوم، وهمّه الوحيد فهو تخفيض عدد السّاعات والأيّام، علّها توفر له القليل من البنزين ووقت اكسترا للعمل في مجالٍ آخر أو جامعة أخرى. فلو هاجر أساتذة ودكاترة هذه الجامعة، من سيعلّم الجيل الجديد؟ وهل بات حتّى التّعليم الرّسمي محرّمًا على الفقراء؟
منذ نحو أربع سنوات كان الأساتذة المتفرغون يقومون بملء الشواغر من خلال تغطية ساعات إضافية من دون أي أجر لأنه لا يوجد في نظام الجامعة التعاقد الداخلي مع أساتذة الملاك. فلا يحق للأستاذ في الملاك تلقي أي أجر على ساعات إضافية من خارج نصابه القانوني المحدد بـ275 ساعة للأستاذ المعيد و502 ساعة للأستاذ المساعد و225 ساعة للأستاذ. كما أنه لا يحق للأستاذ المتعاقد التعليم أكثر من 350 ساعة سنويًا.
بعد ثلاث سنوات من الأزمة الحادّة التي شهدها لبنان من أزمة اقتصاديّة سياسيّة واجتماعيّة، يليها تفشي فيروس كورونا، حاول العديد من الطّلاب العودة إلى مقاعد الدّراسة واستكمال علمهم في الدراسات العليا، لكنّ المٌصيبة تكمن في التّكاليف. كيف؟
تقول عليا، إحدى سكّان النبطيّة، إنّها أيّام الإجازة كانت تسكن في فوايي للفتيات، في فرن الشّباك وكان السرير بـ200 ألف للفتاة الواحدة شهريًا، من دون التّعرف الى الكهرباء والماء ودفع السندات للبلديّة. وأكملت: كنّا ندفع 200 ألف شهريًا لننام في سكنٍ قريبٍ من الجامعة وبهذه الطريقة نختصر الوقت طبعًا للوصول إلى بيوتنا، وايجارات طريق من تاكسي وفانات الخ.
لكنّ اليوم وما أثار غضبي، أنّني لم أتمكن من السّكن في فوايي لا بفرن الشباك، ولا الطّيونة أو الأشرفية. حاولتُ التفتيش في سنّ الفيل والحدت، الموضوع نفسه. السّرير بـ120 دولارا بحدّه الأدنى، أمّا الشقة لو ارتدتُ أن أستئجرها مع باقي الصّبايا من المنطقة، ما من شقةٍ يقل ايجارها عن الـ500 دولار في بيروت، من دون فرش ولا غسّالة ولا تلفاز. اضف إلى ذلك، الكهرباء والمياه واشتراك البلديّة، فعلًا المعيشة في بيروت باتت مُستحيلة، ولم يعد بإمكاننا التعليم ونيلنا شهادات الماستير وتطوير أنفسنا. المسؤولون أرادوا أن يعيش المواطن اللبناني بالذلّ، حتّى القراءة والكتابة باتت مرفوضة وأمرا مكلفا.
وختمت: ربّما سأفكر لاحقًا بالتعليم، علّ تسعيرة المحروقات تنخفض قليلًا، والليرة اللبنانية تستعيد قيمتها مجددًا، لكنّنا أولًا نطالب بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، نزيه وأمين، ليعيد أمجاد البلد، بلد الحرف والثقافة لأّن التعليم في لبنان أصبح مهددًا «بالانقراض»!
وفي هذا الإطار، أكّد أحد دكاترة الجامعة اللّبنانيّة للدّيار، أنّ الوضع لم يعد مقبولًا أبدًا، وعيب على بلد يذلّ معلّميها.
وأكمل: نحنُ اليوم نعيش في فقرٍ للأسف، ونخجل ممّا يحصل معنا في بلدٍ كلبنان، معتبرًا أنّ التّعليم بات مهدّدًا ومصير الطّلاب في خطرٍ، وخصوصًا أنّ تنكة البنزين تخطّت المليون ليرة، والوصول إلى حرم الجامهة بات يحسب له مئة ألف حسابٍ، خصوصًا للأساتذة الساكنين في الفرى البعيدة أو في طرابس والبقاع والجنوب.