الاحتقان اللبنانيّ والأوجه المشابهة لمرحلة 2008

صدى وادي التيم – لبنانيات /

يُلاحظ مراقبون سياسيون نوعاً من التشابه في الصورة العامة للأوضاع اللبنانية مع محطات العام 2008 التي سبقت أحداث السابع من أيار.

وتعود المقارنة القائمة إلى حجم الاحتقان الظاهر على سطح الساحة اللبنانية، ما لا يستثني المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية على حدّ سواء. وظهرت وقائع متعدّدة تدلّ على الغليان الحاصل في الأيام الماضية، بدءاً من الانسداد المستمرّ في استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، مروراً بالكباش المتصاعد حيال موضوع التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، ووصولاً إلى الاعتداءات المتنقلة على المؤسسات الاعلامية التي اتخذت طابعاً عنفياً مستنكراً. لم تكن السخونة المتراكمة التي سبقت “الشرارة الأولى” عام 2008 أقل عصفاً، من دون أن يعني ذلك إغداق المستطلعين في الترجيحات المتشائمة لناحية امكان حصول توترات أمنية. لكن، أي سياق للأحداث حصل سنة 2008 ما يتيح أوجه الشبه بين المرحلتين القائمتين على التشنجات؟

أولاً، انتهت ولاية رئيس الجمهورية الممدّد له اميل لحود بتاريخ 23 تشرين الثاني 2007، فإذا به يغادر القصر الرئاسي الساعة الثانية عشر منتصف ليل 24 تشرين الثاني قصر بعبدا. ولم تسلّم سلطة الرئاسة الأولى يومذاك بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بين الأفرقاء اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وعلى الرغم من الايجابيات التي لمستها قوى 14 آذار وقتذاك نتيجة انتهاء ولاية لحود، إلا أنها تخوفت من الفراغ الرئاسي والخطر الذي يستهدف لبنان في غياب رئيس للجمهورية. وانتهت المهلة الدستورية من دون التوصل إلى انتخاب رئيس جديد علماً أن الأكثرية النيابية المحسوبة على قوى 14 آذار استعدّت للانتقال إلى حقبة جديدة قوامها انتخاب رئيس جديد يُفتتح معه عهد آخر يحفظ استقلال البلاد ويعيد للمؤسسات دورها ويطلق آليات بناء الدولة. لكن، استمرار تعطيل انعقاد الجلسات من فريق “الممانعة” أدى إلى الحؤول من دون القدرة على انتخاب رئيس جديد سريعاً، ما أبقى الشغور قائماً في رئاسة الدولة ما طرح هواجس من ايطال تهميش الموقع المسيحي الأول بدستوريته ورمزيته.

ثانياً، اعتزمت الحكومة اللبنانية عام 2008 اتخاذ قرارات وضعتها في إطار استعادة دور الدولة ومؤسساتها بعدما صدر بيان أول عن مجلس الوزراء برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، أشار فيه إلى “اعتبار شبكة الاتصالات السلكية التي أقامها “الحزب ” غير شرعية وغير قانونية وتشكل اعتداء على سيادة الدولة والمال العام”. وكذلك، انبثق بيان آخر عن الحكومة اللبنانية قررت فيه “إقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت العميد وفيق شقير من منصبه وإعادته إلى ملاك الجيش”. وأدّت هذه القرارات إلى اعتراضات من “الحزب ” الذي اعتبر أنها تستهدف “الحزب” وسلاحه وحذّر الحكومة من لجوئه إلى “خطوات مقابلة تضع البلاد أمام وضع عصيب وقراءة مقدمات فوضى على صعيد البلاد”. ثالثاً، تزامنت هذه المرحلة مع استنكار “الحزب ” ما سمّاه “إنشاء تحالف 14 آذار الموالي للحكومة “ميليشيات مسلحة” بإسم شركات أمنية خاصة”. وهاجم “الحزب” حينذاك ما قرأ فيه “مظاهر للأمن الذاتي”، قائلاً إن “ظاهرها حماية شخصيات سياسية لكن حجمها وتسليحها يدلان على أن لها أهداف سياسية وبخاصة مواجهة ا ل م ق ا و م ة ”. رابعاً، برزت ملامح توترات شعبية ظاهرة في مناطق لبنانية متعددة وصدامات قائمة بين أنصار القوى السياسية المتنوعة خصوصاً في محافظتي الشمال والبقاع؛ قبل أن تتحول الصورة الى أحداث السابع من أيار انطلاقاً من من العاصمة اللبنانية بيروت.

راهناً، لا ترجّح اوساط سياسية سيادية عبر “النهار” في الضرورة أن تستعاد ظروف مرحلة أيار 2008 الآن رغم تشابه الاوضاع القائمة بين المرحلتين بشكل أو بآخر. لكن، تبدو التوقعات بتصعيد أمني متفاوتة بين من يرجح سيناريواً مماثلاً أو من لا يعتبره قريباً خصوصاً ان هناك أجواء معبّر عنها على نطاق قوى سيادية لا تستبعد أن يكون باستطاعة “الحزب ” تأمين بعض الأصوات النيابية للوصول الى مرشحه الرئاسي في المرحلة المقبلة، في مقابل عدم قدرته على استعادة ظروف أحداث أيار 2008 لاعتبارات الأوضاع الاقليمية وتغيّر الظروف الاقليمية والداخلية التي لم تعد من مصلحة “الحزب ” راهناً مقارنة مع ذلك الوقت. وهناك من لا يقلل من فرضية استمرار المراوحة الرئاسية القائمة وسط الأجواء “الباردة” المستمرة، حتى الوصول إلى تسوية رئاسية واسعة من دون استعادة أحداث 2008، لكن مع التشابه في محطة انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى