ميشال عون VS بري وجنبلاط وتوابعهما

ميشال عون VS بري وجنبلاط وتوابعهما

غسان سعود

هذه ليست مجرد انتخابات أخرى بالنسبة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري وحليفه الأول النائب وليد جنبلاط؛ هناك ما هو داخلي يتعلق بزعامتيهما نفسها وما هو خارجيّ يرتبط بكل ما يحيط بمكانتيهما السياسية.
وليد جنبلاط لم يعد وليد جنبلاط؛ لم يعد بوسعه اللعب على التناقضات منذ أكثر من خمسة أعوام ولم يعد أحد من الموظفين في وزارات الخارجية سواء الأميركية أو الفرنسية أو الألمانية بعد الروسية والسورية يهتم بسماع خرافاته الاستراتيجية ونصائحه الغبية. وليد جنبلاط لم يعد وليد جنبلاط؛ ودع الرجل الحياة السياسية يوم وضع صورة ميشال سليمان في صدر دارة المختارة، وهي بالمناسبة ما تزال هناك. سقط يوم سقط سليمان. كان الرجل المحتكر للتمثيل الدرزي يضع في كتلته ست كراسي مارونية وكرسيين أرثوذكسيين وكرسي كاثوليكي وكرسي سني، أما اليوم فهو مجرد “أحد زعماء الطائفة الدرزية”. حين خبط ميشال عون بيده على الطاولة وقال النسبية كان يفعل ما يستحيل تخيله؛ كان يطوي صفحة طويلة عريضة. وما حصل لا يتعلق بمصلحة التيار الوطني الحر إنما بالجبل كله؛ لقد خرج الجبل من مرحلة ودخل أخرى. وجنبلاط الذي لم يبقى له غير مقعد مسيحيّ واحد في الشوف يعلم أن أياماً سوداء تنتظر زعامته التي انكشفت للغرب والشرق وما عاد أحد يهتم بإرسال حقائب المال إليها. ومن يسمع صراخ وائل أبو فاعور في الفيديو الذي نشر على صفحتنا على فايسبوك يتاكد من حجم المأزق الذي يعانيه هؤلاء من إعادتهم إلى حجمهم الطبيعي.
أما نبيه بري الذي يصدر بين وقت وآخر بيانات توحي أنه قادر على الحل والربط في الملف السعوديّ – الإيراني أو الأميركي – الكوري أو الهنديّ – الباكستاني، فيعرف جيداً أن العصب والمال والمؤسسات والماكينة والأمن والسياسية والحل والربط والنفوذ السياسي صاروا جميعهم في مكان آخر، ويمكن في أية ثانية إنزاله عن المسرح وإعلاء آخر.
حاله هنا من حالة جنبلاط: تلاشت المعادلات الإقليمية التي ضاعفت من نفوذه.
ولا تقف المشكلة هنا، فهو يعلم أن الضغط المعيشي الذي تشهده مناطق نفوذه ما عاد يطاق، ولا عاد ينفع الترقيع بوظيفة من هنا وأخرى من هناك، في وقت تستعد هذه المناطق لعودة آلاف المقاتلين الذين سينضمون إلى آلاف العاطلين عن العمل، في ظل التراجع المخيف للأجور ومحاولة حزب الله حصر نفقاته. في وقت ارتفعت فاتورة التعليم والسكن والاستشفاء وتكلفة الحياة اليومية في هذه المناطق عشرات الأضعاف خلال بضعة سنوات فقط. علماً أن حزب الله نجح في إيقاف غزوة المال والإفساد لكنه لم يفعل شيء حتى الآن لإيقاف الغزو الثقافي لتحطيم كل الجدران؛ المجتمع المقاوم صار مجتمع استهلاكي مقاوم. يقاوم قبل الظهر ويطير إلى شرم الشيخ بعد الظهر. تضاعفت الاحتياجات هنا وما عاد يمكن القول للناس هاكم أوتوستراد الجنوب أو أوتوستراد الهرمل، وهاكم المدارس الرسمية في كل دسكرة جنوبية وهاكم المستشفيات الحكومية. انتهت صلاحية التمنين بهذه جميعها؛ الناس تريد معامل ومصانع وتصريف الإنتاج الزراعي والحيوانيّ وفرص عمل وأجوراً عالية. لم تعد تكلفة الحياة في قرى الجنوب البعيدة شيء وتكلفة الحياة في الضاحية أو بيروت شيء آخر؛ تساوت تكلفة الحياة. والناس يرون الليطاني الذي قاتلوا من أجله يقتلهم بسمه، دون مشروع إنتاجي واحد. الناس ترى ما تفعله شعوب العالم بأثارها وما تفعله دولتهم لقلعة بعلبك. الناس ترى ما تفعله حكومات العالم ببحيراتها وترى ما تفعله حكوماتهم ببحيرة القرعون. الناس ترى كيف يزدهر الجزء السوري من نهر العاصي وكيف تهمل الدولة جانبهم. الناس ترى كيف يوقف زعمائهم خطة الكهرباء لأن أزلامهم يديرون المولدات الكهربائية التي “تحرق سلافهم”. وإذا كان عنوان المقاومة ومحاربة التكفير وتدخل “السيّد” شخصياً يكفي لحماية ظهر بري اليوم فإن رئيس المجلس يعلم أن ما ينتظره في الأيام المقبلة ليس سهلاً أبداً. ثمة وضع جديد هنا، لا شيء يشبهه إلا الوضع المستجد في الجبل الجنبلاطيّ حيث تخرج الأجيال الجديدة من وراء جدران برلين ولا تعود أبداً. ومن كان في الحراك المدنيّ يشهد أن غالبية الشبان ألمندفعين أتوهم من الخندق الغميق و… الجبل.
أما بعد، فلا يبقى أمام جنبلاط وبري للحد من الخسائر وتعويم أنفسهم سياسياً سوى محاولة إعادة المسيحيين ربع قرن إلى الوراء لإعادة تنصيب من عينتهم الدبابات والمدافع وطائرات السوخوي نواباً عام 1991. وزير دفاع الاجتياح، ووزير داخلية غازي كنعان، وبقايا الفيلتمانية، وأيتام العسيري، وحزب الخوات والطائرات والنفايات السامة وذبح اللبنانيين بالليرة وإعدام الناس في صناديق السيارات والقتل على الهوية والاغتيال السياسي والمسرحيات ثم المسرحيات فالمسرحيات، ومداحي السلاطين، وأصحاب الكسارات وكل الآخرين.
لكن هذا كله لن ينفع؛ حين تحدث ميشال عون في أواخر الثمانينات عن بنية النظام التي يأمل بخلخلتها كان يعرف جيداً جداً عن ماذا يتحدث؛ هو إبن الأرض الضليع في التركيبة الطائفية الاجتماعية الاقتصادية الطبقية لهذا النظام. وهو حين تركهم يحورون ويدورون ليضطروا إلى ملاقاته غصباً عنهم عند النسبية كان يعرف ماذا يعد لهم، تماماً كما كان يعرف أن شعبه لن يخذله في هذه المعركة ولن يسمح لأحصنة طروادة أن يخرجوا من تنورين وجزين والمتن والأشرفية وكسروان وزحلة لحماية تركيبة بري – جنبلاط والدفاع عن منظومة الحكم التي أنهكت البلد وتحاول بواسطة هؤلاء الحفاظ على مكاسبها.
عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، ما خسره جنبلاط في الدامور ودير القمر وعاليه والبقاع الغربيّ لن يربحه في المتن وكسروان وجبيل والبترون وجزين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!