قائد الجيش.. ممنوع من السفر
صدى وادي التيم – لبنانيات /
طرق الفراغ أبواب مؤسّسات كثيرة وخلخل موازينها، ولم يستثنِ المؤسّسة العسكرية. وليس تفصيلاً عابراً أن يُحال رئيس الأركان في الجيش اللواء أمين العرم إلى التقاعد بلا تعيين خلف له، فيبقى موقعه شاغراً. وكانت محاولات رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط فشلت في إقناع رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل الذي “يمون” على وزير الدفاع بالتوقيع على قرار التمديد لأشهر مهامّ العرم، المحسوب على جنبلاط، بدل الوقوع في الفراغ.
بين جنبلاط وباسيل
تذرّع باسيل بأنّ تيّاره يعارض مبدأ التمديد من أساسه، ولطالما عارضه سابقاً. كان جنبلاط يدرك صعوبة الموقف في حال لم تُمدَّد مهامّ العرم، إذ سيبقى المنصب شاغراً حتى بتّ التعيينات في مجلس الوزراء. وهذا مستبعد لأنّ حكومة تصريف الأعمال لن تجرؤ على إقرار تعيينات من أيّ نوع. ولا تكمن الخطورة في شغور منصب رئيس الأركان الدرزي في المجلس العسكري فحسب، بل تتعدّاه إلى مسألة أنّه وحده دون سواه من يحلّ مكان قائد الجيش ويمارس صلاحيّاته متى كان خارج البلاد، التزاماً بقانون الدفاع الوطني. إذ تنصّ المادّة 21 من هذا القانون على أنّ رئيس الأركان ينوب عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهامّه وصلاحيّاته طوال فترة غيابه، أي أنّ الصلاحيّات محصورة برئيس الأركان. ولا يتطرّق القانون إلى مسألة الشغور أو الفراغ في المنصبين.
في الوضع الطبيعي يحلّ رئيس الأركان في موقع قائد الجيش لتغطية غيابه. وسبق أن تسلّم اللواء شوقي المصري، الذي عُيّن رئيساً للأركان عام 2005، مهامّ القيادة مدّة 9 أشهر في غياب قائد الجيش، ثمّ سلّمها إلى العماد جان قهوجي بعد تعيينه. لكنّنا اليوم أمام سابقة مع غياب رئيس الأركان، وهو ما يعني تعذّر سفر قائد الجيش لأيّ سبب كان. وإذا كان واقع الحال يقول إنّ قائد الجيش يتولّى مسؤوليّاته الضابط الأعلى رتبةً بصرف النظر عن طائفته، في حال غيابه لسبب ما، أو يُكلّف بمهامّه نوّاب رؤساء الأركان ويفوَّضون التوقيع كلّ حسب مهمّته، فهل يُترك البلد بلا رئيس جمهورية ولا قائد جيش؟
التضييق على عون
ستبرز المعضلة الكبرى في حال تقرّر انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، إذ لن تكون المسألة متيسّرة، وسيكون تعديل الدستور لهذه الغاية متعذّراً وحجّةً إضافيةً للقوى التي لا ترغب بانتخابه رئيساً. وإن حصل التوافق بشأن ترشيحه أو انتُخب رئيساً فإنّ الفراغ سيصيب رأس المؤسّسة العسكرية لأشهر عدّة، أقلّه إلى حين انتخاب رئيس ثمّ تكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة ونيلها الثقة في مجلس النواب. أي ستمضي شهور قد لا تكون قليلة، فهل يمكن أن تبقى المؤسّسة العسكرية بلا قائد أو في حال من تسيير الأعمال من قبل ضابط في المجلس العسكري كلّ تلك الفترة؟
تقول وجهة نظر ثانية إنّ تعيين نائب رئيس الأركان يمكن في حال التوافق السياسي. لكنّ الفترة قد تفوق عاماً، وهي المدّة الباقية من ولاية قائد الجيش جوزف عون الذي يترتّب عليه عدم مغادرة البلاد كلّ تلك الفترة، إذ سيصبح متعذّراً تسليم مهامّه إلى نائب رئيس الأركان في ظروف استثنائية كتلك التي يشهدها البلد وفي ظلّ التفلّت الأمني والمخاوف المتنقّلة من ملء الفراغ السياسي بأيّ حدث أمني هدفه التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية.
من وجهة سياسية تصبّ المسألة في إطار الجواب على سؤال: من الذي سيشغل منصب القائد في حال الغياب أو الشغور؟ وهو ما كان يسعى جنبلاط إلى تجنّبه بطلبه التمديد لمهامّ اللواء العرم المحسوب عليه سياسياً، لتُناط به صلاحيّات القائد في حال الشغور لأيّ سبب كان. لكنّ باسيل قطع الطريق على المسعى.
يشمل قطع الطريق على التمديد للعرم بعداً سياسياً يتمثّل في تلك العلاقة السيّئة بين باسيل وقائد الجيش التي جعلت رئيس التيار يضيّق الخناق رئاسياً على قائد الجيش، ولوجيستياً بعدم التمديد للعرم.
فوضى المهاترات
يشير مصدر عسكري رفيع إلى أنّ المفهوم العسكري وقانون المؤسّسة العسكرية والطبيعة تحتّم ملء الفراغ، وانطلاقاً من هذا لن يكون فراغ بوجود الضابط الأعلى رتبة، الذي يتولّى زمام الأمور في الحالات الاستثنائية. لكنّ لعبة الفراغ السياسي والمهاترات والفوضى متى انتشرت تصيب شظاياها كلّ المؤسّسات. وما يصيب المؤسسة العسكرية اليوم إنّما يعبّر عن فوضى سياسية تفرض عدم التمديد للعرم وإبعاده من وجهة سياسية إلى جانب العاملين القانوني والتقني.
المشكلة في لبنان أنّ كلّ شيء بات مباحاً ولو خارج القانون. وما يستعصي تحقيقه بالقانون يتمّ ترتيبه بالسياسة. لكنّ الواقع الراهن يقول إنّ خروج العرم ولّد فراغاً ومنع إحالة صلاحيات قائد الجيش إلى رئيس الأركان في حال غيابه، والعكس صحيح. فكيف ستكون الحال في غياب من يشغل المنصبين معاً؟ هل ترضى السلطة السياسية بأن تُناط المسؤوليات بنائب رئيس الأركان؟
المصدر: غوى حلاّل – اساس ميديا