بالتفاصيل: جردة السنة 2022 للجرائم في لبنان:تراجع ملحوظ ..باستثناء عمليات النشل

صدى وادي التيم – أمن وقضاء/

تتفاقم الأزمات في المجتمع اللبناني وتتعدد ويتداخل فيها الاقتصادي مع السياسي فالاجتماعي، ويضاعف من وتيرتها التدهور الاقتصادي المريع الذي تضرب تداعياته لبنان منذ سنة 2019 ،وتأخذ منحىً دراماتيكيًا لم يشهد اللبنانيون مثيلًا له منذ عشرات السنين.

 ومع مرور الوقت تتعقد الحياة السياسية في البلاد التي يفشل سياسيوها في انتخاب رئيس للجمهورية وفي تأمين انتظام الحياة السياسية في جميع المؤسسات، وبخاصة مؤسستي الحكومة والمجلس النيابي ،وبطبيعة الحال السلطة القضائية المشلولة، و”لا يبقى في الميدان إلا حديدان” القوى الأمنية التي تعاني هي الأخرى من أوضاع جد صعبة لجهة التحرك اللوجستي كما لجهة الظروف التي تكربج عمل العسكريين الذين يعانون الأمرّين، إن في معيشتهم أو في طبابتهم وطبابة عائلاتهم فضلاً عن تعليم أبنائهم. ونظرًا لارتباط العمل الأمني بشكل مباشر بمكافحة الجريمة والحد منها كما بالسلطة القضائية، فإن قراءة مؤشرات الواقع الاجتماعي المعاش تبدأ من خلال استبيان الجريمة فيه وتطورها، تراجعًا أو تزايدًا.

 وجريًا على عادتنا السنوية، فإننا سنسلط الضوء على الجريمة في لبنان من خلال مقارنةً احصائية نقيمها بين العامين المنصرمين ومقاربة بعضها مع الأعوام السابقة، وفي هذا السياق كان لافتًا جدًا أن جميع أرقام الجرائم، بإستثناء عمليات النشل، قد تراجعت بنسب مختلفة، وهي ذات دلالات من المفيد تفحصها والتمعن بها بغية تنوير ليس الرأي العام فحسب، بل المختصين والمعنيين من باحثين وقانونيين وقضاة وجمعيات ومؤسسات أهلية ،وبطبيعة الحال القوى الأمنية المعنية مباشرة بالجريمة.

القراءة التي تشمل الأشهر الأحد عشر من السنتين الماضيتين ( 2021 و 2022) قبل نهاية شهر كانون أول لهذا العام، تستند الى أرقام دقيقة صادرة عن قوى الأمن الداخلي التي تنظم قطعاتها المعنية محاضر رسمية بإستثناء تلك التي يحجم أصحابها عن التبليغ عنها، فكيف توزعت الجريمة وما هو راي المعنيين بها؟

1-   السرقة:

تعتبر جريمة السرقة الجريمة الأكثر حصولاً ،ليس في لبنان وحده، انما ايضًا في العالم وبخاصة الفقير منه؛ وفي هذا الاطار سجلت الأشهر المنصرمة من هذا العام وقوع 4392 عملية سرقة قابلها في العام الماضي وقوع 5345 عملية، أي بتراجع بلغ  953 عملية، ما توازي نسبته 17 بالمية تراجعًا. لكن في عودة سريعة للسنوات الماضية يتبين أن السرقة الموصوفة للعامين المنصرمين هي اضعاف اضعاف الأعوام الماضية ،وبخاصة اعوام 2018 و 2019 ، لكن سنة 2020 تعتبر محطة وسيطة بين فترتين زمنيتين؛ ففيها ارتفعت السرقات بنسبة أعلا من السنوات التي سبقتها حيث سجلت وقوع 2536  عملية بزيادة تفوق الألف عملية عن عام 2019 ، وأرقامها قريبة نسبيًا من أرقام 2021 و 2022 ومنذ ذلك الحين بدأت ترتفع السرقات بشكل كبير لتشكل ظاهرة اجتماعية مقلقة للناس ولللأمنيين كما للقضاة.

وفي هذا الإطار يقول السيد : ن . م .  أغلق منتزهه بعد تعرضه للسرقة عدة مرات وكان آخرها سرقة مولد للكهرباء لم “نستطيع شراء بديل له”، ونظرًا لإرتفاع اشتراك الكهرباء وتراجع العمل ومردوده قررنا تسكيره.

 ويضيف ما يخيفنا هو تكرر عمليات السرقة في مكان واحد وعجز القوى الامنية عن توقيف الفاعلين.

 أما ع . ش. الذي يملك قطعة أرض في مكان يفترض أنه آمن فقد تعرض للسرقة منذ ايام ولم يترك السارقون فيه أي مادة يستفيدون منها بيعًا أو استخدامًأ.

2-   سرقة السيارات:

أما سرقة السيارات فقد شهدت ارتفاعًا عن الاعوام السابقة للعام 2020 ولكنها تفاوتت في السنتين الماضيتين لتتراجع نسبيًا هذه السنة قياسًا مع سنة 2021؛ وسجلت الاحصاءات سرقة 1129 سنة 2022 بينما كانت سنة 2021 قد سجلت 1481 سرقة سيارة أي بتراجع بلغت نسبته المئوية 8.19 بالمئة تقريبًا. اما اللافت في هذه الجريمة هو زيادة سرقة السيارات في الجنوب هذه السنة عنها في السنة الماضية؛ فتبين أن العدد ارتفع من 88 سيارة العام الماضي الى 122 العام الحالي، وهي المنطقة الوحيدة التي ارتفعت فيها سرقة السيارات بينما انخفضت في جميع المحافظات.

3-   النشل:

الجريمة الوحيدة التي غردت خارج  السرب هي عمليات النشل التي عادةً ما تستهدف محافظ وهواتف المواطنين، ويستهدف النشالون ما تحتويه السيارات من أغراض ثمينة تكون موضوعة بجانب السائق، وينفذ هذه العمليات في غالب الأحيان، شخصين يستخدمان الدراجة الآلية في أماكن معظمها غير مزدحمة ليتمكنوا من الهرب.

 ففي الاحصائيات وقعت اربعماية عملية نشل سنة 2022 بينما وقع 378 عملية سنة 2021، أي بزيادة فاقت نسبتها المئوية الستة بالمائة. أما الأمر اللافت فهو وقوع 300 عملية في مدينة بيروت هذه السنة في حين وقع 252 عملية السنة الفائتة، بزيادة بلغت 48 عملية نشل الأمر الذي فسرته مصادر أمنية متابعة بأنه يعود الى تراجع تواجد القوى الأمنية في شوارع بيروت بشكل واسع ما يعطي بعض الأمان للنشالين.

 

 عياش: الحكم الذاتي للأحياء سبب من أسباب تراجع الجريمة

وفي هذا الاطار رأى الطبيب النفسي الدكتور احمد عياش أنه عند البؤس والجوع ليس المطلوب غير البقاء على الحياة، وجريمة القتل ليست شرطا نهائيا طالما النشل والسرقة يؤديان بالواجب ويؤمنان المطلوب.

واعتبر عياش ان النشل والسرقة هما بدايات الفوضى التي ستفتح ابوابها لجرائم القتل، انما هذا لا يعني ان جرحى الاشتباكات والتضارب في الشوارع لم يزداد عددهم، الا ان القوى الامنية لا تدخل في إحصائياتها غير اعداد القتلى ولا تحصي عدد النزاعات في الاحياء.

 وتابع عياش أن” النزاعات والتضارب بالايدي وبالعصي وبالسلاح الابيض ازدادوا حتما” ، مضيفا انه “من اسباب تراجع مستويات الجرائم ايضا يعود للحكم الذاتي للاحياء الذي بحماية البيوت من السرقات يمنعون وقوع الجرائم بطريقة غير مباشرة، لأن العيون ساهرة والجميع مستنفر واليد على السلاح الفردي من دون ان نتجاهل مسالة مهمة توقي وحرص وتنبه  الناس وتفاديها المرور باماكن او بأوقات خطرة عالية احتمالات المفاجآت المأساوية.

 ونوه الدكتور عياش  بدور الاجهزة الامنية اللبنانية التي ورغم قساوة شروط العيش ما زالت تقوم بواجباتها عند الحد المعقول والمطلوب ، مستنتجًا انه ربما كلّ تلك العوامل أسست لتراجع معدلات الجرائم في لبنان.

4-   القتل:

جرائم القتل الجنائي لم تتغير إذ قتل 171 شخصا هذا العام ،بينما كان قتل 174 العام الفائت، وهذه الارقام ارتفعت بشكل مطرد سنة 2020  واستمرت بوتيرتها الجديدة حيث ان السنوات السابقة 2018 و 2019 لم يتجاوز عدد القتلى المئة سنوياً ،ما يعني أن جريمة القتل ارتفعت بعد الأزمة الأخيرة بنسبة سبعين الى ثمانين بالمئة.

5-   الانتحار:

الظاهرة الوحيدة اللافتة بين ما قبل الازمة وما بعدها هي تراجع حوادث الانتحار؛ فقد سجل العام 2021 انتحار 135 شخصًا ليتراجع العدد العام الحالي الى 125، وهذه الارقام القريبة من بعضها في السنوات الاخيرة هي أقل مما سجلته السنوات الماضية بنسبة لا تقل عن العشرين بالمئة.

 وفي هذا السياق تقول المعالجة النفسية لما أمهز جوليان: كثيرة هي الأسباب التي تقف خلف تراجع حوادث الانتحار، ومن أبرزها لجوء نسبة كبيرة من المرضى النفسيين الى العلاج لدى الأطباء النفسيين ،بعكس ما كان شائعًا في السابق لجهة الاستحياء من زيارة الطبيب النفسي.

 وتضيف أمهز ان الناس اعتادت التعايش مع ظروفها الاقتصادية الاجتماعية التي استجدت عليها، وان السواد الأعظم من اللبنانيين يتشابهون في هذه الجزئية، بينما المترفون منهم هم قلة قليلة قد تجدهم في عدة أماكن ترفيهية تغلب عليها أمارات الترف.

 وتختم أمهز: طبعًا ظروف ما قبل انتفاضة تشرين 2019 قد تغيرت عن ما بعدها، حيث اصبح اللبناني أكثر جرأة في التعبير عن رأيه بحرية بوجه الذين تسببوا بأزمات بلاده حتى وإن كانوا من ” أهل بيته ” بالمفهوم السياسي، عدا عن أنه تبين للشعب اللبناني أن رسالة الانتحار المفترضة لم تعد تؤدي دروها تجاه من بيدهم زمام الأمور وتسببوا بمآسيهم.

إن مرتكبي هذه الجرائم بحسب مصادر امنية متابعة يتوزعون بين المقيمين وبين اللبنانيين بنسبة ستين بالمئة يرتكبها اللبنانيون ونحو اربعين بالمئة يقوم بها المقيمون في لبنان. وقد بلغ عدد الموقوفين لغاية 18/12/2022  في جميع الجرائم 5896 شخصًا بينهم 3375 شخصًا بجرائم السرقة الموصوفة، و 200 بجريمة سرقة السيارات و 12 بجريمة سلبها، و 140 بجريمة القتل، و 35 شخص بجريمة النشل. وتبين أن موقوفي سرقة السيارات وسلبها وجريمة القتل والنشل بلغوا 558 شخصًا بينهم 346 لبنانيًا و 161 سوريًا، و34 فلسطينيًا وسائر الموقوفين الآخرين توزعوا بين عدة جنسيات .

يبقى السؤال الأساس: هل سيشهد عالم الجريمة في لبنان تراجعًا جديًا بحيث يعود الى سابق عهده، أي الى ما قبل اندلاع الأزمة عام 2019 ، أم أن الأزمات المتفاقمة ستزيد من حجم المأساة وبالتالي من أعداد الجريمة بكل أصنافها؟

 محمد هاني شقير –  الحوار نيوز

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!