2023 قنبلة ديموغرافية على حافة الإنفجار

 

صدى وادي التيم – لبنانيات /

دق العام 2018 ناقوس الخطر عبر دراسة “مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر في لبنان” التي كشفت أرقاماً مخيفة عن البنية الديموغرافية للبنان وتحولاتها الكارثية، والدراسة نفذتها إدارة الإحصاء المركزي بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والإتحاد الأوروبي. لكن أحداً لم يسمع صدى الناقوس وصُمّت الآذان قصداً، وتفاقمت الأوضاع الديموغرافية وتشابكت حتى باتت على عتبة 2023 عقدة متفجرة تنذر بتشظيات تطال الكيان اللبناني وبنيته السكانية.

أبعد من الأزمة الاقتصادية والمالية وأعمق من المتغيرات السياسية، يشهد لبنان تحولاً مرعباً في بنيته السكانية يهدد بتفجيره من الداخل سيما أن لا علاج آنياً له. فلا التسويات السياسية بين الأحزاب المتخاصمة ولا المؤتمرات الدولية ولا شروط المؤسسات المالية العالمية قادرة على معالجة المسألة الديموغرافية في لبنان بعد أن باتت الأرقام تنذر بمستقبل مجهول. كنا نودّ لو ينتهي العام 2022 بنقطة أمل إيجابية ولكن استمرار الاهمال التام للموضوع الديموغرافي لا ينبئ بمستقبل أفضل على المدى المنظور.

فقر وهجرة وجوع

د. علي فاعور الباحث في شؤون السكان والحائز على دكتوراه دولة في العلوم الجغرافية وعميد سابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية وكلية السياحة والفنادق في الجامعة اللبنانية يشرح لـ”نداء الوطن” أخطار هذه التحولات.

منذ العام 2019، يقول د.فاعور، يشهد لبنان تحولات اقتصادية، اجتماعية وديموغرافية لا مثيل لها وقد وصلت الحال في آخر العام 2022 الى انهيار اقتصادي ومالي شامل مترافق مع فشل في إقرار خطة التعافي الاقتصادي والمالي، حتى أن التقارير الدولية لم تكن قاسية على أي بلد مر بأزمة كما هي على لبنان. فقد وصل البلد المنهك بحسب تقرير البنك الدولي الى أزمة لا مثيل لها مطلقاً في العالم من حيث تكوينها وإن كانت تصنف بين ثلاث اسوأ أزمات في العالم. فانهيار مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية ومؤسسات الإدارة العامة إضافة الى المؤسسات التعليمية والصحية المترافقة مع فلتان أمني وفوضى بدأت تظهر معالمها في بيروت وطرابلس وصيدا وصور والأطراف، مؤشرات لا تخطئ على أن لبنان قادم على وضع أصعب لا سيما مع زيادة انتشار الفقر بشكل خطير. ويؤكد د. علي فاعور أن الدراسة التي أجرتها الإسكوا حول نسبة الفقرالمتعدد الأبعاد في لبنان التي تصل الى 82% لم تشمل المخيمات والعشوائيات بل اقتصرت على أماكن سكن اللبنانيين وإذا ما شملت هذه الأماكن فإن نسبة الفقر في 2022 باتت تتجاوز 90% وهذا يعني ان ثلاثة ملايين و200 ألف لبناني صاروا على حافة الفقر من أصل 3،860،000 شخص وهو عدد اللبنانيين، وهذا ما حدا باليونيسف الى تصنيف لبنان كواحد من 20 بؤرة للجوع في العالم تماماً مثل بلدان القرن الأفريقي وافغانستان والصومال ونيجيريا…

أرقام الفقر المخيفة هذه تمهد للمشكلة الأصعب والأعمق في لبنان وهي التغيير الديموغرافي الذي يصيب بنيته السكانية. فبدءاً من العام 2019 بدأ لبنان يشهد موجة هجرة جديدة انخفضت في العام 2020 قليلاً نتيجة الجائحة لتعود وتشهد ارتفاعاً ملحوظاً في السنة التي تلتها ليرتفع العدد في 2022 الى 150000 مهاجر. وإذا تم احتساب مجموع السنوات الثلاث السابقة يتبين أن 10% من اللبنانيين قد هاجروا ليصل عدد الباقين في لبنان الى 3،500،000 وذلك في موازاة تزايد أعداد غير اللبنانيين وارتفاع أعداد المقيمين على أرض لبنان بطرق غير قانونية وكذلك المكتومين وغير المجنسين.

شيخوخة المسيحيين

من الأرقام المقلقة التي تظهرها الاحصاءات، تراجع النمو السكاني في لبنان وأن زيادة سكان لبنان إنما هي ناجمة فقط عن مرسوم التجنيس الذي حصل في العام 1994 اذ تضاعف عدد المجنسين من 210000 شخص نالوا الجنسية اللبنانية الى حوالى 450000 وهذا ما تؤكده خارطة السكان في لبنان التي تظهر أن الزيادة تتركز في مراكز عكار والضنية وطرابلس أي حيث كان العدد الأكبر من المجنسين.

في مقابل هذا النمو يُلاحظ بشكل واضح أن مناطق أخرى من لبنان لا تشهد أي زيادة في السكان خاصة بيروت الأولى ومناطق جبل لبنان، ويمكن القول بصريح العبارة أنّ المناطق المسيحية مثل المتن وجبيل وكسروان دخلت وفق الدراسات مرحلة الشيخوخة وصارت بمعظمها منتجعات لكبار السن لا سيما في المناطق الجبلية حسبما يصف د. فاعور. فقد انخفض عدد الأطفال في الأسرة الواحدة الى ما دون المعدل المطلوب او ما يعرف بمستوى الإحلال أو الخصوبة، ففي حين يجب أن يكون المعدل 4,1 لتأمين الاستمرارية والنمو وصل في بعض المناطق مثل جزين الى 3،3 وفي راشيا وكسروان وبيروت الى 3،4 وذلك وفق دراسة أجريت من قبل إدارة الإحصاء المركزي بين عامي 2018 و 2019 وهي أرقام شبيهة ببعض الدول الأوروبية، بينما النسبة في عكار 4،8 وفي صيدا 4 وبعلبك 4،2. وهذه الأرقام المتباينة تعطي الصورة الحقيقية لما وصلت إليه الحال في لبنان واتجاه بعض مناطقه نحو الشيخوخة، أما الزيادة السكانية البسيطة فتكاد تكون محصورة في أعداد المسلمين في مناطق عكار وشمال لبنان وبعض مناطق البقاع والجنوب وهي زيادة طفيفة لا يمكنها أن تعادل موجات هجرة الشباب الى الخارج التي تشمل كل الطوائف او بكلام أدقّ تهجيرالشباب أقتصادياً. ووفق التصنيفات الدولية فإن 34 دولة في العالم من أصل 234 يتناقص عدد سكانها ويحتل لبنان مراتب متقدمة في التناقص السكاني الذي وصل حد 0،88%.

توقعات كارثية:

اللبنانيون إلى تناقص

تشير جميع المعطيات السابقة أي الهجرة وعدم وجود نمو سكاني الى واقع واحد هو تناقص عدد اللبنانيين. ومع تصاعد الأزمة المعيشية في العام 2022 فإن الوضع السكاني في لبنان مرشح للمزيد من التغييرات لا سيما في الأسرة من حيث تراجع عدد الولادات إذ انخفض متوسط عدد أفراد الأسرة اللبنانية من 4,6 في إلى حدود 3,6 أشخاص نتيجة انخفاض الخصوبة العامة. وشهد عدد الصغار في السن تراجعاً بلغت نسبته 20،5% عام 2018. وهذا الواقع المؤسف بكل أرقامه هو الى تزايد حالياً مع إحجام الشباب عن الزواج بسبب الصعوبات المادية الجمة وتزايد نسبة الطلاق التي وصلت الى واحد من بين كل خمس زيجات نتيجة انعكاسات الأزمة المعيشية على الأزواج والأسر. وترافق تراجع الولادات مع زيادة في نسبة الكبار في السن وصلت الى 80% بحيث باتوا يشكلون حوالى 531000 من عدد سكان لبنان أي ما معدله 62،5% من السكان كمعدل وسطي فيما لم يكونوا سابقاً اي منذ حوالى نصف قرن إلا 12% فقط من السكان. وقد وصلت نسبة الكبار في السن في محافظة بيروت الى 90% والى 116% في محافظة جبل لبنان!

وإذا أردنا اختصار كل تلك الأرقام وتلخيصها يمكننا تسجيل ما يلي: في ظل تناقص عدد اللبنانيين وشيخوخة سكان لبنان مقارنة مع تزايد أعداد غير اللبنانيين لا سيما من فئة الشباب والأطفال وتزايد عدد الولادات في كنف اللاجئين نكون أمام قنبلة زمنية ديموغرافية تهدد بالانفجار في أية لحظة خاصة مع كلام يصدر بين الحين والآخر عن توطين اللاجئين. فالأمم المتحدة قدرت عدد المقيمين في لبنان حالياً بـ 6،850،000 شخص فيما يؤكد د. فاعور أن الرقم يصل الى ثمانية ملايين وهو أعلى رقم للاجئين في العالم نسبة الى مساحة أرضه وعدد سكانه. وقد ارتكزت مفوضية اللاجئين على أعداد اللاجئين المسجلين علماً أن غير المسجلين لا يمكن التكهن بأعدادهم. وهذه الأرقام يؤكدها لنداء الوطن خبير داتا يعمل في إحدى المنظمات غير الحكومية التي تعنى بتقديم المساعدات للاجئين إذ يقول: ذهلنا حين ظهر أمامنا على الشاشة رقم مليونين كعدد مثبت للاجئين ووضعنا تحته علامة استفهام كبيرة للإشارة الى التساؤل المبهم حول عدد غير المسجلين الذين يعيشون في معظم مناطق وقرى لبنان. الى هؤلاء يضاف كل المقيمين من دون أوراق شرعية من العمال الأجانب والأطفال الذين لا يملكون هويات ومكتومي القيد وغيرهم وغيرهم من المقيمين بشكل غير قانوني. نتيجة ذلك يمكن استخلاص حقيقة مخيفة واحدة وهي أن نصف المقيمين على أرض لبنان هم من غير اللبنانيين وبين 45 و 50 % فقط هم من اللبنانيين وهذا ما حول لبنان الى مخيم كبير وأحدث شرخاً كبيراً في بنيته السكانية. ويتساءل د. علي فاعور في دراسة أجراها في العام 2022: هل يمكنكم أن تتخيلوا ماذا سيحدث بعد عشر سنوات؟ فقد تم تحويل لبنان إلى خزان بشري ضخم يضم عدة ملايين من اللاجئين والنازحين والمكتومين والمهاجرين غير الشرعيين من مختلف الجنسيات. لقد أصبح الوضع كارثياً في لبنان بعد مضي أكثر من عشر سنوات على الأزمة السورية، وفي حين تشير كافة التقديرات إلى أن خطة إعمار سورية تحتاج ايضاً إلى فترة طويلة لا تقل عن عشر سنوات تؤكد الأمم المتحدة أن إعادة بناء سوريا قد يتطلب نصف قرن. وهنا يطرح السؤال البديهي: ماذا سيحل بلبنان إن استمر وجود اللاجئين فيه واستمرت هجرة شبابه وتناقص عدد سكانه؟ ماذا سيحدث عندما تنفجر الأزمات السكانية؟ لا شك أن هذا سيؤدي إلى إغراق لبنان بالفوضى عدا عن التداعيات الاقتصادية والأمنية بالغة التعقيد التي ستنجم عن ذلك والتي سوف تطال آثارها أوروبا والعالم.

فهل يمكن أن تهز هذه الأرقام ضمائر المسؤولين في لبنان ليعوا حجم الكارثة؟ أم أنّ التلهي بالمحاصصة سيعمي أعينهم عن حقيقة أنهم لن يكونوا قادرين على توريث مكاسبهم لجيل جديد من الأبناء بعد أن ساهموا في قطع نسل اللبنانيين؟

المصدر: زيزي إسطفان -“نداء الوطن”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!