لبنانيّون “فوق بعضون في المطاعم ” ليلة رأس السنة فيما غيرهم يعملون ولا يعيشون من رواتبهم!
لننظر معاً الى اللبنانيين الذين سيكونون “فوق بعضون” في المطاعم، وأماكن السّهر كافّة بعد أيام، وتحديداً في ليلة رأس السنة، حتى ولو تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء الـ 100 ألف ليرة.
فنسبة اللبنانييّن الموجوعين فعلياً من الأزمة الاقتصادية والمالية قليلة، إذا ما قاربنا هذا الملف من زاوية معيّنة.
فالموجوعون بصدق، هم أولئك الذين لا مساعدات يتلقّونها من أحد، أي لا من قريب مغترب، ولا من أي جهة أخرى. وهم الفئة التي لا أحزاب أو تيارات أو شخصيات سياسية “بظهرها”، والذين لا يوجد من يساعدهم على التعامُل مع صعوبات الحياة اليوميّة المُتصاعِدَة. بينما هناك شرائح لبنانية فقيرة بالفعل، ولكنّها تحصل على مساعدات شهرية، أو حتى أسبوعيّة (في بعض الأحيان)، سواء من أحزاب أو تيارات سياسية تنتمي إليها، أو من شخصيات سياسية تعمل لصالحها… وهو ما يمكّنها من الصّمود مهما طال زمن الأزمة التي يمرّ بها لبنان حالياً.
أما الفئات الموجوعة “حتى الثّمالة”، فهي مجموعات الذين قد لا يكونون عاطلين عن العمل، والذين قد يعملون في أكثر من مكان، فيما لا يمكّنهم ما يجنونه من الحصول على نسبة الطعام اللازم، أو العلاجات الضرورية، والاستشفاء اللازم، وظروف الحياة المقبولة، التي يحقّ لكلّ إنسان بها. وحتى إن هذه الفئة من الناس عاجزة عن الحصول على الكثير من الحاجات، التي رغم كونها ضمن فئة الكماليات، إلا أن وجودها في كل منزل يشكّل ضرورة قصوى في بعض الظروف، والأحيان.
وبالاستناد الى خبرتنا مع اليوميات اللبنانية “المُنهارة” منذ ثلاث سنوات، والتي تُظهر القدرة على تحقيق مواسم سياحية صيفيّة أو شتوية “باهرة”، قائمة على “تفويل” مطاعم، وفنادق، ومراكز سياحية… بموازاة انهيار اللّيرة، وبما يتجاوز الحركة التي تعود الى المغتربين، والى بعض أنواع السيّاح، في كثير من الأحيان، فإننا نلمس لَمْس اليد أن الفئات اللبنانية الأكثر فقراً، أي تلك “المقطوعة من شجرة” حتى ولو كانت تعمل وتجني المال، هي قليلة جدّاً، وهي التي لا يشعر أحد بوجودها. وهي الفئة التي لا يتحدّث أي حزب أو تيار سياسي عنها، لكونها لا تمتّ إليه بصِلَة.
فهل من مجال للعمل على إطار من الدعم لتلك الفئة، لتمكينها من الصّمود ريثما تنتهي أزمنة العذاب الطويل؟ وهل من إمكانية لفعل ذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي، من مُنطَلَق حقوق الإنسان، لا سيّما أن عدد تلك الفئة (اللبنانية) هي أقلّ بكثير من أعداد النازحين السوريين في لبنان، الذين يكلّفون العالم أكثر ممّا سيكلّفه مساعدة الشرائح الأكثر ضعفاً في بلدنا؟
وقُلنا ما قلناه في الأسطر السابقة من خارج أي عنصرية، ومن مُنطلَق الدّفاع عن حقوق أضعف الفئات، في كل مكان.
أشارت الباحثة والأستاذة الجامعية النائب نجاة عون الى أن “عدد الناس الذين ما عادوا قادرين على الصّمود والاستمرار بات مرتفعاً. ولكن الأكيد هو أن ما سيُساعد تلك الفئة من الناس هو الابتعاد عن سياسات “الترقيع”، والإسراع الى فرض الإصلاحات، والى بَدْء التصرّف والعمل كدولة حقيقية في لبنان”.
ورأت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” أنه “لا يمكن تأمين الطعام بموازاة ترك الناس من دون كهرباء، ومن دون مياه نظيفة، ومن دون مقوّمات الطبابة إذا مرضوا. ومن هنا ضرورة بناء الدولة بحلول مُستدامة، وبمنطق الخروج من تلك (الحلول) الموقّتة”.
ولفتت عون الى أن “من الحلول المُستدامة، محاسبة أولئك الذين أخذوا الأموال، واستدانوا على إسم اللبنانيين، ولم يوفّروا أبسط حقوق الإنسان في لبنان بالمقابل. كما أنهم لم ينفّذوا المشاريع التي كان يتوجّب عليهم أن ينفّذوها لتوفير حياة أفضل للناس”.
وتابعت:”لا أعتقد أن لبنان سيكون من نماذج الدول الفقيرة والمُتعَبَة، وذات الأوضاع الحياتية والمعيشية الصّعبة، الى الأبد. فهو ليس بلداً فقيراً أصلاً، بل على العكس من ذلك تماماً. فلبنان بلد غني جدّاً، ولكنه منهوب. وفور إزاحة أولئك الذين يسرقون الدولة عن السلطة، سيبدأ بناء الدولة في شكل سليم”.
وشدّدت عون على أن “أكثر ما يُثبت أن لبنان بلد غني، هو أن كثيراً من البلديات قادرة على أن تساعد الناس ضمن نطاقها الجغرافي. وبالتالي، لا مشكلة لإعادة النّهوض بلبنان مجدّداً، وبسرعة، إذا توفّر أصحاب الضمير في البلد. ولكن الهمّ الأساسي هو القدرة على النّجاح باستبعاد الفاسدين الذين نهبوا الدولة، والذين غطّوا أنفسهم وأعمالهم بالقضاء، وذلك بأقصى مجهود بذلوه لتحقيق هذا الهدف”.
وختمت:”لا بدّ من النجاح في تحقيق استقلالية القضاء في لبنان. فالمحاسبة الصحيحة حاجة ملحّة لبناء دولة حقيقية. وبحال النّجاح في هذا الإطار، وفي تركيب نظام جديد ومُتكامل العناصر، تقف استقلالية القضاء على رأسه، فإنه لا مجال للخوف من دخول البلد بنفق مُظلِم في تلك الحالة”.