مصطلحات جديدة دخلت قاموس اللبنانيين في 2022… حين سمعتُ صفير أمي من آخر السوبرماركت

صدى وادي التيم – لبنانيات /
لم يكن اللبناني في قمة مجده بالطبع عندما هبّت رياح الأزمات وبدأت تغلق أبواب آماله، الباب تلو الآخر. هو قدر هو حظ أو هو من صنعه، يا ليت التساؤلات توصل إلى الدرب السعيد. فلم يبقَ من السعادة إلا حامل الإسم. “تعوّدنا وتأقلمنا”، كلمات تسمعها في كل صبحية أو غداء أو عشاء. حياة تبدّلت 360 درجة في بلد كان الجميع يتوقّعون انهياره رغم صموده المترنح حتى فاجأنا في ليلة لا قمر فيها.
كلام تسمع وشوشاته على وجوهٍ لم ترَ البسمة إلا عندما ترى الـ”fresh” أو الدولار. أول المصطلحات التي بدأت تخرق جدار حياة اللبناني. “معك fresh بتعيش أو بتاكل حشيش”. أمثال مستحدثة، أطروحات عن الـ”fresh” ومنافعه صحياً ونفسياً… ومالياً. هو الزميل الذي كسح السوق في وجه ليرتنا التي كانت بخير، “الله يرحمها”.
واقع الحياة الذي يعيشه اللبناني صار مساراً مكرّساً في كل بيت وشارع وحيّ. لم يعد يختلف الغني عن الفقير بالممارسات. التوفير، الكلمة الثانية التي احتلّت السوق اللبناني: التوفير (التقنين) في المال، التوفير في الشراء، التوفير في الطعام، التوفير باللباس والتوفير والتوفير… لطالما أُشبع اللبناني فخراً واعتزازاً بكرمه وحسن ضيافته: طاولات لا تستثني صنفاً من صحن الحمص الشهير إلى “صدر” الكنافة الأشهر من نار على علم.
ولكن الزمن غدّار و”هيك بدن يعيشونا” و”رزق الله ع إيام زمان”. بالتعابير قبل الأفعال، دخل التوفير على يوميات الشعب حتى وصل إلى مراحله القصوى وامتلأت الجوارير بالعملة الخضراء: ورقة المئة ألف ليرة حيث يسهل تكديسها ويسهل صرفها بالوقت نفسه، إلا أن التوفير ضرورة ورؤية الأوراق الخضراء تريح النفوس!
التوفير و”التصفير”، خط منفصل عند دخول السوبرماركت في ظل الأزمة الحالية. همّ جديد لم يكن ينقص اللبناني لـ”تِكمل معو”. تجربة شخصية سمِعتُ فيها صفير أمّي من أول السوبرماركت إلى آخره! في أيّام عزّه وقمّة حضوره، كانت التجربة مع السوبرماركت مريرة فكيف ببلد لم يبقَ فيه من يراقب ومن يعاقب. رحلة تُحسب لها فتتحضّر نفسياً لتتلقّى الصدمات. الزيارة بمفردك ستكون أقل خطراً على صحّتك من وجود أهلك وخصوصاً الأمّ. “يا لطيف”، “يه يه”، “أوووووووففف”، “كتير هلقد”… تعابير وتمتمات بتوقيع الأمّهات والآباء يشاركون بالمعزوفة. هذه من اليوميات التي تغيّرت بالفعل على اللبناني. عالم ثانٍ بين البضائع التي ملّت الوقوف على الرفوف ولسعتها الصُفيرات، كابوسها الوحيد ألا تتحوّل إلى تُحفٍ مُغبّرة!
من الرحلة الاستكشافية إلى “حلم” تحوّل إلى “حقيقة” تظهر عليك وتشاهدها على أسطح الأبنية حديثاً. ألواح مستلقية على كراسٍ حديديّة حاضرة لكي تتحمّل الشمس من أجل إنارة “لمبتك”. هو حق بطبيعة الحال لكنّه في لبنان حلم، حلم الكهرباء. لم يترك سياسيو لبنان والمسؤولون عن هذا القطاع إلا خيار اللجوء إلى شمس النهار لاستخدامها وإنهاء الأعمال.
بالفعل هي عادة غيّرت في العديد من البيوت اللبنانية بقناعة أن ربّنا أعطانا الشمس للاستفادة منها “نكاية بهالسياسيين”. عامل جديد دخل إلى يوميّات اللبنانيين. ليس الكهرباء الدائمة إنّما التعامل مع الطاقة الشمسية وكيفية استخدامها. أخبار ومعلومات من المعنيّين بالمصلحة (تركيب وتجهيز) وغير المعنيّين. لصاحب الدكّان نظرية، للعاطل عن العمل نظرية، للّحّام نظرية، للأقارب نظرية ولوالدتي ووالدي نظرية… “نظريات على مد عينك والنظر”: إياك استخدام الأدوات الكهربائية إلا بعزّها (أي الشمس)، “كل شي إلا البرّاد”، “أوعى تسخّن ماي”، “ريحوا البطاريات”… كلمات جديدة وعبارات كانت غائبة كلياً عن بيوتنا اللبنانية. عادات فرضت دورها ومكانتها والمسار واحد: “تعوّدنا وتأقلمنا”.
ماذا تغيّر؟ نظام حياتنا. التيار الكهربائي موجود وهذه النعمة الأكبر. أسلوب جديد في العيش ونظام الطاقة الشمسية مداره. كل نشاطاتك مرتبطة بهذا النظام. في المنزل، آثار دواليب “الهوفر” ظاهرة لكثرة التشفيط “ما الشمس شارقة” وغسّالة “الأوتوماتيك” تعن وتعن… مغامرات منزلية قبل غياب الشمس.
“بكرا بتفرج”
تلفت الدكتورة في علم الاجتماع التربوي مي مارون، في حديث لـ”النهار العربي”، إلى أن لبنان منذ تاريخ نشأته والغزوات التي عاناها من شعوب كثيرة، أفضت إلى تأقلم شعبه بطريقة سريعة نتيجة هذه المراحل. وطبيعة العمل الذي كان سائداً منذ القدم وهي الأعمال التجارية، كانت عاملاً مهمّاً في رسم هذا التأقلم. حتى في لبنان الحديث الحالي، يعيش اللبناني في ظل أزمات كثيرة إلا أنه يتأقلم. وهذا يعني، وفق مارون، أن اللبنانيين لديهم قدرة قويّة على التعايش مع ظروفهم رغم المعاناة والمآسي.
اللبناني، مثله مثل كل شعوب منطقة المتوسّط، مشهور بالمرح والمزاح. ومع علمه بأن التغيير في وضعه شبه مستبعد وهو غير قادر على المواجهة، يحوّل مأساته وأزماته إلى نهفة بطريقة تحايلية هرباً منها. ففي كل أزمة تفرض نفسها على يومياته، يلجأ اللبناني تلقائياً إلى ابتسامة؛ وهذا التصرّف جزء من طبعه بحسب مارون.
تعتبر مارون أن تأقلم اللبناني مع هذا الواقع المزري الذي يعيشه ليس أمراً صحياً أبداً في الوقت الذي تصل المشاكل إلى عائلته وصحة أفرادها والمجتمع حوله بالعموم، فيجب على اللبناني أن يتحرّك ويرفض هذا الواقع المفروض والأحداث الخطيرة التي تسيطر عليه من هجرة الشباب، أزمة المستشفيات، الأزمة الاقتصادية…
اللبناني، ملك الأمثال الشعبية. عادة لم تتغيّر رغم كل الأحداث وظروفها. جوابه على كل ما يعيشه: “بكرا بتفرج”. وفق مارون، مرّت ظروف أصعب على لبنان وفي كل أزمة كان اللبناني يردّد عبارة “بكرا بتفرج”، ولكن ما نعيشه حالياً صعب جداً والخطر داهم وجديّ.
ترى مارون أن العادات التي كانت سائدة في الماضي ستتغيّر حتماً، من زيارة المريض في المستشفى إلى طاولات نهار الأحد العامرة. ففي هذا الوقت الذي نمر به، الحجج كثيرة: “ما تتعذب بالهدية”، “ما في بنزين والمواصلات صعبة”، حتى أن الأشخاص يطلبون الاكتفاء باتصال لأنهم يميلون في هذه الظروف إلى “التوفير” على بعضهم. ومع اقتراب عيدي الميلاد ورأس السنة، تغيّرت المعايدات من الزيارات اليومية إلى اتصال، حتى أن البعض بات يكتفي برسالة عبر “الواتساب”. وفق مارون، ستطال هذه التغيّرات جوانب كثيرة من حياتنا. وما كان عاملاً إضافياً هو تزامن فيروس كورونا والإنفلونزا مع الأزمة التي أراحت الناس من عبء الواجبات فصارت الحجة لديها جاهزة: “كان معي كورونا ما قدرت إجي، مكرّب”…
تشير مارون إلى أن هذه الأزمة تنعكس سلباً على الأمور الحياتية الأساسية للشعب اللبناني من التعليم إلى الزواج والبطالة، وفق تعبيرها “رح نصير شعب ختيار”. الأزمة كبيرة في البلد إذا لم يتغيّر الوضع والكارثة آتية خصوصاً إذا انتشرت الأمّية لدى الشباب التي ستجر حتماً إلى الانحراف والجريمة.
واقع نودّع فيه عام 2022. في الحقيقة، إن ضوء النفق الموجود في آخره الأمل، مفقود. على ما أظن، هذا النفق في لبنان!
المصدر: شادي طنوس -النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى