تزويج القاصرات بالمغرب.. ما سر إخفاق القوانين في القضاء على الظاهرة؟

صدى وادي التيم – من الصحافة العالمية:
قبل سنوات عدة زوجت وهي ابنة 12 عاما، لأن الأعراف والتقاليد كانت تقتضي تزويج البنات في سن مبكرة، لكنها نجت من مصير المئات ضحايا “تزويج القاصرات”.
تقول “فاطمة الزهراء” إبنة مدينة “مراكش” بالمغرب، إنها حين تزوجت لم تكن تعرف أي فكرة عن المسؤولية أو الزواج، وكانت تخشى تبعات الخطوة التي لم يكن لها أي قرار في القبول أو الرفض أو حتى اختيار الزوج.
تضيف في حديثها لـ”سبوتنيك”، أنها تجنبت المصير الأسوأ نظرا “لأن الزوج كان متفتحا بعض الشيء وأتاح لها استكمال دراستها حيث كانت في المرحلة الإعدادية، حتى أتمت دراستها الجامعية”.
تتابع” كانت شخصيتي قوية وربما كانت الظروف ملائمة لاستكمال تعليمي وتقرير مصيري فيما بعد، حيث صححت الوضع الخاطئ الذي لم يكن لي يد فيه، وانفصلت وقررت أن أبدأ حياة جديدة، وهو الأمر الذي لم يتح للمئات من الفتيات ضحايا الزواج في هذا السن”.
توضح “في هذه المرحلة يمكن للفتاة أن تقبل على الانتحار لأنها تشعر بأنها تغتصب، إضافة إلى الأزمات النفسية التي تلاحقها من جميع الاتجاهات، كما أنها لا يمكن أن تصبح طبيعية بعد ما تمر به، إلا أذا كانت شخصيتها قوية واستطاعت استكمال حياتها كما تريد ليس كما يريد الأهل أو الزوج”.

دعوات لتغيير القوانين

دعوات عدة ومتكررة من العديد من جمعيات المجتمع المدني، تدفع إلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة، التي تخوّل لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، استنادا إلى مجموعة من الشروط والمعطيات، حيث تنص المقترحات على ضرورة إلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة بالفصل 19.
حسب الفصل 19 من مدونة الأسرة المغربية المتبناة منذ 2004، “يحظر زواج الفتيات اللائي تقل أعمارهن عن 18 سنة، إلا أن مادتين في الفصل ذاته تتيحان للقاضي فرصة القيام باستثناءات وعدم الالتزام بهذه القاعدة”.
وجاء في المادة 20 من المدونة: “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة، دون سن الأهلية، المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر، أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي”.
مدينة فاس، المغرب - سبوتنيك عربي, 1920, 13.12.2022

دراسة حكومية: ارتفاع معدل وفيات أطفال الأمهات القاصرات بالمغرب بنسبة 50%
حسب الأرقام الرسمية فإن تزويج القاصرات ارتفع مؤخرا بعد تراجعه حيث كان في عام 2017، 26 ألف حالة، وفي 2020، تراجعت لتلامس 12 ألف حالة، بينما سنة 2021، شهدت ارتفاعا متجددا لتصل حالات تزويج القاصرات نحو 19 ألفاً.

دراسة ميدانية

من ناحيته قال عبد الإله الخضري رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن “دراسة ميدانية قام بها المركز المغربي لحقوق الإنسان قبل بضع سنوات، اتضح من خالها أن زواج القاصرات قضية ثقافية مرتبطة بنمط تفكير وبأعراف تقليدية ضاربة جذورها في تاريخ شرائح عريضة من سكان المناطق النائية المهمشة، حيث تقام احتفالات موسمية للاحتفاء بالزيجات، مثل موسم إملشيل، الذي لن تشهد فيه من العرائس سوى القاصرات”.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”:

“دوافع تزويج القاصرات متشعبة ومعقدة، لكن كلها مرتبطة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي لهذه الفئة”.

ولفت إلى أن “الدولة المغربية لم تفلح في تأهيل تلك المناطق اقتصاديا واجتماعيا، وتوفير فرص التعليم والتأطير والإدماج في برامج التنمية، لفائدة الساكنة، خاصة الفتاة القروية هناك، فإن الظاهرة ستستمر وستستفحل أكثر، رغم تحديد السن القانونية للزواج في سن 18، لأن الأسباب الكامنة وراء ظاهرة زواج القاصرات كما سلف ذكرها لازالت قائمة، ومنع الأسر من تزويج طفلاتهم”.

تراجع ملموس

ولفت إلى انخفاض ملموس في الوقت الراهن متابعا:” حاليا أصبحنا نلمس انخفاضا في حالات زواج القاصرات التي يتم توثيقها، ويعزى هذا الانخفاض بالدرجة الأولى إلى ارتقاء الوعي لدى الأسر ولدى الفتيات، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي عليهن بالدرجة الأولى، وأصبحت الفتاة تطالب بالدراسة”.

موقف رسمي

في وقت سابق أعلن وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي عن “مساندته” للأصوات التي تنادي بتجريم زواج القاصرات، في إطار توجه المشرع المغربي نحو مراجعة مدونة الأسرة تفعيلا للتوجيهات الملكية.
ودعا وهبي في جوابه على سؤال برلماني ضمن جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية بمجلس النواب، أواخر نوفمبر /تشرين الثاني الماضي، إلى “إلغاء الإذن القضائي لتزويج القاصرات”.
وتابع وهبي: “أنا مع تجريم زواج القاصرات، ومع إلغاء الإذن الذي يُعطى من طرف القاضي، لأن القاصر يجب ألا تتزوج إلا بعد بلوغها 18 عاما.. هذه قناعتي المطلقة”.

ثغرات قانونية

يشير الباحثون والمهتمون بالقضية إلى أن الفصل 19 من مدونة الأسرة لم يكن حاسما، وأن الثغرات التي وضعت في مواده أتاحت استمرار عملية “تزويج القاصرات”، وأنها كانت السبب في التحايل على القانون.
حسب الفصل 19 من مدونة الأسرة المغربية المتبناة منذ 2004، “يحظر زواج الفتيات اللائي تقل أعمارهن عن 18 سنة، إلا أن مادتين في الفصل ذاته تتيحان للقاضي فرصة القيام باستثناءات وعدم الالتزام بهذه القاعدة”.
وجاء في المادة 20 من المدونة: “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة، دون سن الأهلية، المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر، أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي”.
وجاءت المادة 21 لتنظم هذا الاستثناء وتجعله بيد الولي الشرعي للقاصر (الأهل)، وهو ما فتح الباب للتحايل وأعاق عملية القضاء الجذري الظاهرة، حسب المنسق الوطني لمنظمة “ماتقيش ولدي” (لا تقترب من ابني)، محمد الطيب بوشيبة.
وقال بوشيبة، إن “الإشكالية الكبرى في تواطؤ الأهل لأسباب كثيرة، إما اقتصادية أو أيدولوجية، ما يعني أن الأمر يتطلب تغيير العقليات، الأمر الذي يتطلب الكثير من الوقت”.

جهد مضاعف

وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن عملية التغيير لا يمكن أن تشمل سجن الأهل على قيامهم بتزويج ابنتهم، خاصة أن الأمر يدخل في الموروث والعادات المتوارثة في بعض المناطق، لكن يمكن العمل بشكل شامل من أجل القضاء عليها عبر جميع الآليات بما فيها منظمات المجتمع المدني والتعليم.
وأوضح إلى أن العديد من الأزمات الناتجة عن زواج القاصرات دقت ناقوس الخطر، ومنها انتحار الطفلة، أمينة الفيلالي، في عام 2012، الأمر الذي دفع جمعيات المجتمع المدني إلى العمل من أجل مواجهة هذه المخاطر.
هو ما دق ناقوس الخطر حول هذه الظاهرة، وجعل جمعيات حقوقية تعنى بالطفل والأسرة والنساء تهتم بالموضوع وتحاول التحسيس بخطورة تزويج القاصرات، ولا سيما من مغتصبها.
ولفت الحقوقي المغربي إلى أن الجديد في تصريح الوزير هو تأكيده على أحقية الطفل الذي يولد إثر علاقة غير شرعية في النفقة وحتى الفتاة التي تتعرض للاغتصاب، موضحا “لن يجبرها أحد من هنا وصاعدا على الزواج بمغتصبها”، وفق تعبيره.

القوانين غير كافية

وفي تصريحات سابقة قالت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن تزويج القاصرات يعدّ ظاهرة مركّبة، وإن القوانين وحدها لا تكفي للحد منها.
وشددت أبو عياش في لقاء قبل أيام قدم فيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان دراسة حول المبررات القضائية المعتمدة لتزويج القاصرات، على أن هناك حاجة ماسة إلى وضع مفهوم موحد للمصلحة الفضلى للطفل، حتى يكون تمثّله موحدا بين جميع القضاة، حسب” هسبريس”.
المصدر: سبوتنيك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!