الأستاذ الجامعي الذي تحول الى ناطور للبناية
صدى وادي البتيم – لبنانيات:
كتب د. نسيب حطيط.
قبل أيام زارني في الجامعة احد الزملاء وقدم استقالته من التعليم الجامعي..والحزن والغصة تغلّف ورقة استقالته وكلماته الضعيفة….
بعد اكثر من عشر سنوات في التعليم الجامعي وشهادة دكتوراة ..وجد نفسه هامشيا في مجتمعه ..ودون كرامة او تقدير لعلمه..فهو يتقاضى مبلغ 60 الف ليرة عن الساعة..ويقبضها بعد سنة اوسنتين ويتحمل نفقات التنقل التي تزيد عن ما يقبضه وبدون ضمان صحي..
حاولت إقناعه بالتراجع .وان الازمة ستمر ان شاء الله وستعود الأمور الى مسارها الحسن ..فاصر وبحدة قائلا..
قررت ان اعمل ناطورا للبناية حيث اسكن؟
فسالته ..لماذا .؟
فقال :يوم امس قدم الناطور استقالته وابلغنا انه لا يستطيع الاستمرار بالراتب القديم (مع العلم ان سكنه والكهرباء والماء على حساب سكان البناية) وطلب راتب ستة ملايين ليرة ؟؟
وبما انني سادفع له ..ما يساوي ما اقبضه من الجامعة ..فطلبت من الجيران التمهل ..ودرست الموضوع طوال الليل فوجدت ان المناسب والأكثر ربحا لي ان اعمل ناطورا للبناية …فاقبض 6 ملايين(دون ضريبة) واخذ الكهرباء والماء والسكن مجانا ..وارسل عائلتي الى الضيعة ..واوفر اجرة النقل (3 أيام في الأسبوع حضوريا ) مما يوفر مليونين ونصف فيصبح مجموع راتبي 8.5 ملايين ..ولا اعود مضطرا لشراء بدلة صيفية وشتوية تليق بالتعليم (توفير 200 دولار ما يساوي 8ملايين فيصبح الراتب 9 ملايين ليرة..
حاولت إقناعه بضرورة التضحية وحماية الجامعة الوطنية ..فكان رده ان اولادي أولى بان اقدم لهم .حتى لا يموتوا جوعا..
قبل مغادرته ..ادار وجهه ونظر الي قائلا..انا على استعداد لاعطاء الدروس (اونلاين مجانا) لحفظ الجامعة واستقبال الطلاب (تطوعا) في غرفة الناطور….
اجبته سيبقى اسمك على برنامج الدروس…. ولن امحوه…”
انتهى الخبر… ومعه بدأت تنتهي وتضمحل الجامعة اللبنانية، إن لم تقم السلطة بحلول جذرية لأزمتها الوجودية.