طلال أبوغزالة: لبنان لن يكون دولة نفطية والنظام العالمي انتهى والحرب سترسم النظام الجديد…
صدى وادي التيم – من الصحافة اللبنانية:
في عمّان تستقر مؤسسة طلال أبو غزالة العالمية، لكن صاحب المؤسسة لا يستقر؛ من بلدٍ إلى آخر ومن مؤتمر إلى آخر، المحيطون به يتعبون من فرط نشاطه، ينادونه “المعلم” ويستحق اللقب لأنه بعد أن تعلّم وتعلّم كثيراً في المدرسة والجامعة وفي مدرسة الحياة؛ بات مُعلّماً للأجيال الجديدة خصوصاً بعدما اخترق عالم المعرفة والتكنولوجيا.
من يافا في فلسطين، التي هجرها أو هُجّر منها طفلاً إلى لبنان حيث درس وتخرّج، إلى الأردن حيث مؤسّسته الأكبر فإلى عوالم لا محدودة، هذا الحوار المشوّق مع الشخص الذي يقدّم قصّة نجاح ملهمة ومسيرة نضال يومي لا يتعب ولا ييأس. وهو يرأس عشرات اللجان والمؤسسات ويحمل عشرات الأوسمة والميداليات.
• مع دخولك الـ85 من العمر وقبل 3 أشهر تحديداً، أعلنتَ نحو 20 وصيّة للشباب، هل تشعر اليوم بأنك ما زلت شاباً، أم أنت من خلال الشباب تُجدّد شبابك، أم أنت ما زلت تؤمن بالشباب بالعالم العربي؟
– موضوع مهم وجميل، لكن اسمح لي بأن أصحّح شيئاً في المقدمة؛ أنا ما زلت تلميذاً أتعلم كل يوم، وأفتخر بأنني أتعلم لأن الإنسان يحتاج إلى أن يتعلم كما يحتاج إلى الغذاء، إن لم يُغَّذِ فكره فهو جائع فكرياً كما من لا يغذي جسده. ولكن حقيقةً، ما أريد أن أبثّه في الشباب دائماً أن عملية التعليم لا تنتهي وأنا أستمتع كثيراً بمحادثة الشباب خصوصاً في تخرّجهم؛ وأقول لهم: أنتم الآن تخرّجتم، تعلمتم وقدّمتم الامتحانات ونجحتم، الآن سوف تنتقلون إلى الحياة العملية والتعلم الآخر الأهم حيثُ سَتُفحصون ومن الفحوصات ستتعلمون، أنت الآن في حياتك العملية كل شيء تعمله هو اختبار لك ومن الاختبار تتعلم؛ بعكس الجامعة.
حظيتُ بصديق بداية حياتي كان سفير أميركا في الكويت حيث كنت أعيش، قال لي “أنت تلميذ دائم”، ففكّرت في الجملة وسألته عن معنى كلامه؛ فقال لي: رأيتك تتعلم من كلّ شيء فوراً، وتُغيّر بناءً عليه.
يجب أن نكون قادرين على أن نتغيّر ونتعلم ونتقبّل التغيير، الشباب لا خوف عليهم، المستقبل أفضل من الحاضر، وأنا أتوقع لهذه الأمة العربية كلها – وأنا قومي عربي وأؤمن بكل عربي وأفتخر به – وأتمنى أن تدرك أنها أمة لها تاريخ وحضارة.
شارل ديغول كان يقول إن لديه على طاولته كل كتب التاريخ، وعلى الحائط كل خرائط العالم، حيث هي برأيه تغيّر التاريخ –الجغرافيا والتاريخ – وتقرر المستقبل. وأريد دائماً من شبابنا – وأتمنى منكم حيث إنكم صحيفة رائدة بكل المعايير ولكم دور في تغيير الدُنيا – أن نركز على أن المستقبل من صنعهم، وليس أن نقول إن الدُنيا تعيش في خراب ولا أمل، هذه أسوأ جملة أسمعها، الظروف السيّئة التي مررتُ أنا بها هي التي صنعتني وأعطتني فرصة أن أتغيّر وأن أغيّر. لذلك أنا أقول إن الشباب لا يحتاجون إلى نصيحتي، يحتاجون إلى أن يدركوا أن بيدهم أن يصنعوا مستقبلهم.
• هم بحاجة لكلّ ما تقدّمه لهم من أنواع العلوم والفرص.
– شرف لي أن أخدمهم، وأعتبر نفسي خادماً لدى الشباب. الشباب يحبّونني بعاطفة، وعندما أرى هذه العاطفة أتأثر جداً.
• هم بحاجة لأن يروا نماذج النجاح أمامهم وسط كل هذه الإحباطات التي يعيشونها.
– نعم، أحسنت.
• أنت تحيّرنا، هل أنت متفائل أم متشائم؟ لأنك تتحدث عن الحروب والكوارث التي ستصيب العالم. فكيف لرجل متفائل بالمستقبل أن يبشّر بالكوارث والحروب؟
– لأنني متفائل. دعني ألخص الموضوع وهذه فرصة مهمة لأنني أعرف أثركم الإعلامي والتثقيفي. نحن في عالم بدون نظام، انتهى النظام العالمي وهذه فترة صعبة في التاريخ، كل تاريخ العالم هنالك أمة تنظم العالم مثل اليونان أو العرب وكل الحضارات التي مرّت على الدنيا، الآن لا يوجد، هنالك صراع بين كل الدول، نوع من الفوضى، هذه لن تنتهي إلا إذا وُضع لها حد ونظام جديد، وهذا لن يكون إلا بحرب، أنا أعرف تماماً وأصرّح بأنني حاولتُ بناءً على أحد أحد الطرفين الصيني أو الأميركي أن أجمع وليس بمبادرة مني، ورفض الطلب للتباحث وحل مشاكل العالم، أنا أريد الحرب لأنها ستنهي هذا الوضع، لأنها إن لم تنهه فهنالك مشكلة أصعب من الوضع الذي نعيشه الآن وهي المناخ، كلّفتني الأمم المتحدة في التسعينيات وأصدرت تقريراً في عام 1999 ولديّ نسخة، يتحدث عن كيف نضع رقابة على التحوّل المناخي، وليست هنالك إرادة، وكل القمم الـ26 التي عقدت بسبب أننا في عالم ليس فيه من يقرّر أو جهة أو مجلس، الأمم المتحدة معطلة ومنظمات الأمم المتحدة كلها معطلة، إذن أنا أريد الحرب لأنه بعد الحرب سيجلس الأطراف على نفس الطاولة – كل حروب الدنيا الثنائية أو الإقليمية أو الدولية انتهت بالجلوس على نفس الطاولة، وهكذا انتهت الحرب العالمية الأولى والثانية – أريد هذه الحرب لأنني أريد أن يوضع نظام عالمي جديد وهذا النظام الجديد يستطيع أن يفرض أصولاً وديموقراطية.
• هل النظام المقبل سيكون قابلاً للحياة وأفضل من النظام الحالي، أم ستكون تداعياته أسوأ؟
– لن تكون أسوأ من الوضع الحالي، نحن وصلنا إلى مرحلةٍ المناخ فيها مثلاً هو التحدي الأكبر للبشرية منذ خلقت. إن لم تُحلّ مشكلة المناخ فهنالك كارثة، ولن تُحلّ بالوضع الحالي إن لم يكن هنالك نظام واحد يفرض على الجميع. ألا يكفي كذبهم على الناس، لا تستطيع أن تفرض إجراءات في بلدك، والدولة الأخرى ليس لديها إجراءات لأن التلوّث في الهواء، ولا تستطيع أن تسدّ الهواء عن الدولة المجاورة.
• وهل تتنازل أميركا عن الأحادية في العالم؟ ألا ترى أنها أوقعت روسيا في حرب أوكرانيا لإضعافها وإضعاف أوروبا من جهة أخرى؟
– كلامك صحيح في ما يخص التفكير الأميركي، ربما! لكن النتيجة ليست كذلك أبداً، النتيجة أن الاتحاد الأوروبي تخلخل ونحن أمام وضع فريد من نوعه، وروسيا لن تتخلخل، روسيا من الدول القليلة على الكرة الأرضية التي لديها اكتفاء ذاتي، حين تغلق حدودها سيموت العالم، لا توجد قوة تستطيع أن تقضي على روسيا أو أميركا أو الصين، هذه الدول أصبحت مستقلة عن العالم. إذن ما هو الموضوع؟ الموضوع أن روسيا هي التي بدأت وبدأت على حق لأنها وجدت أن أميركا تخطط في أوروبا ضدها، وأنا أضمن لك أن الخسائر الروسية لا شيء، روسيا هي مصنع أسلحة أبدي، خسروا عدداً بسيطاً من الطائرات والمدافع، لكنها في الحرب العالمية خسرت 29 مليون جندي! يجب ألّا يفكر الشخص بالمعايير العادية بأن لا يضحّي بالمواطنين أو الجنود، يجب أن يضحّي بكل شيء، لكن فعلاً الحرب التي حصلت هي بداية للحرب العالمية واستفزاز، وستنتقل من أوروبا. أوروبا الآن تناقش أميركا بأن تتوقف. إذا حاولت أميركا أن تفرض وضعاً في أوكرانيا – مثلاً أن تقيم قاعدة عسكرية أو ما شابه، أو إذا قامت الصين بأي استفزاز على حدود أوكرانيا لمنع أميركا من الوصول، وأنا أتوقع ذلك قريباً، فستقع الحرب وستكون خاطفة، والنتيجة: مجلس يضع سياسات واتفاقيات جديدة، أميركا لن ترضى أن تتنازل عن الهيمنة والصين لا ترضى أن تتنازل عن صعودها، فنحن في اتجاهين متضاربين. ما سيحصل هو أن نجلس ونصوغ نظاماً جديداً لكل شيء – للإنترنت والعملة والمناخ ولكل شيء، ويقوم الاثنان بضبطه كمجلس إدارة يدير كل فروع الشركة وكل شركاتها وكل نشاطاتها، وبالتالي سندخل في عالم منظم جديد أحادي من حيث الإدارة ولكنه ثنائي من حيث الملكية.
• لنذهب إلى مواضيع أخرى غير السياسة. في بداية حديثك قلت إنك قومي عربي، تفاخر بقوميتك العربية وتقول إن القومية العربية لم تمت والأمة قادرة على أن تنهض، من هنا ننطلق، أنت الفلسطيني، كيف لا تزال تؤمن بعروبة والعرب باعوك وأهلك وقضيّتك وأمدّوا الشعب الفلسطيني ببعض المال لإسكاته فقط، أيّ عروبة هذه؟
– العروبة ما تشعر به وما أشعر به. عندما أجلس معك لا أعرف جنسيتك ولكن أعرف أنك عربي ودمك مثلي وكل عربي في الأمة العربية من السعودية إلى ليبيا، أصله من اليمن، وأصله واحد، نحن كلنا أصلنا واحد ودمنا واحد وجيناتنا واحدة، نحن الآن نمر بمرحلة استخدمت فيها كل الوسائل لما تتحدث عنه، مع ذلك يجب ألّا ننسى أن هنالك وقفات رائعة لدول ولعرب في كل الأمة العربية، يمكن أن تتفق معي أو لا تتفق وأنا صادق وصريح وأقول إن رزقي على الله. سوريا لماذا ضُرِبت؟ أليس لأنها عربية.
وأكثر من ذلك، أنا على اتصال وتواصل مع الدول التي يُذكر أنها أقامت علاقات مع إسرائيل، كنتُ في مصر في مكتبة لبيع الكتب ودخل شخصان يريدان شراء كتب، لا يستطيعان التحدث مع البائع لأنني أتحدث معه، فقلت له أن ينهي ما يريدانه ويكمل معي فأخبرني أنه لا يريد أن يبيعهما، أرني أين التطبيع في مصر، هي اضطرار سياسي تطبيقاً لظروف دولية ولكن كل عربي في قلبه…
قال لي الملك سلمان في 1976، حين كان رئيس لجنة فلسطين شخصياً-: “نحن بالنسبة لنا فلسطين كالرياض”، هذا الشعور في القلب لا علاقة له بالموقف السياسي الذي هو مكره عليه، لماذا أنسى عدوّي، أنا ليس لي عدوّ إلا العدوّ الصهيوني، هو يريد أن يحوّلني لأكره من يتعاون معه بمن فيهم أميركا، أميركا ليست خصمي بل العدوّ هذا لأني إذا قمت بتشتيت عقلي وتفكيري وأضعت بوصلتي فستضيع مني…
• ألا تعتقد أن مشروع القومية العربية تراجع إلى حد كبير مع المد الإسلامي ومع الحركات الإسلامية وزيادة التشدد والأصولية؟
– هنالك جدل دولي حول من اخترع الأصولية!
• هنا نتهم الآخرين ونبرئ انفسنا. ولكن في واقعنا العربي نشطت الأصولية كثيراً؟
– من اخترعها ومن دعمها ومن موّلها، لسنا نحن العرب. عملية الإسلام الإرهابي ليست عملية ذاتية، هي صناعة خارجية فُرضت على المنطقة، نحن نعرف تاريخها وأنها صُنعت في أفغانستان لمحاربة روسيا، هذه بدايتها، لا نلام أننا خضعنا لهذا المرض الذي دخل فينا. هؤلاء خرجوا عن الإسلام وأصبحوا أعداءً له لأنهم يأتمرون بأوامر العدوّ.
• الآن بعد سيطرة الإسلام السياسي على كثير من الدول العربية، هل هنالك مجال لتنهض قومية عربية ومن سينهض بها؟ لأننا نرى تراجعها في كل الأماكن، حتى الأحزاب العلمانية تراجع دورها.
– أولاً، أنا لا أقول بسيطرة السياسات الإسلامية ولا في أي دولة، أخبرني عن دولة إسلامية موجودة حالياً!
• أريد أن أسألك عن عالم المعرفة وسؤالين آخرين عن لبنان. اقتحمت باكراً عالم المعرفة والتكنولوجيا، وتتحدّث باستمرار عن انتهاء الثورة الصناعية وحلول ثورة المعرفة، وهذا أمر لا شك فيه، ولكن كيف اقتحمت هذا العالم وما الذي دفعك إليه من بلدان لم تسلك هذا الطريق؟
– هذا سؤال مهم جداً، لذلك أقول إنني أريد من كل شاب وكل طفل أن يكون تلميذاً.
سمعت عن برنامج في بريطانيا يقوم بدراسة شيء اسمه digital data processor، هذا البرنامج كان أول اختراع في مجال التكنولوجيا، ولم يكن شيئاً عملياً وليس شيئاً يمكن امتلاكه والتنقل به لأنه أكبر من حجم غرفة، عقلي قال لي إن هذا ليس إلّا بداية واختباراً مثلما يختبرون الأكل والأدوية والأسلحة، فتابعتُ هذا الاختبار وقررت أن أكون تلميذه وسرت فيه بأكبر الأشواط، من أول من قابلوا وتحاوروا مع بيل غيتس، أنا، وكنتُ أول من ترأس فرق تكنولوجيا المعلومات في الأمم المتحدة، ليس لأنني مكلف من أيّ دولة بل لأني أثبتّ معرفتي في هذا المجال.
كيف أصبحنا أكبر شركة في العالم بحقوق الملكية الفكرية؟ شركات عظمى وكبرى في كل العالم، لا أستطيع مناطحة هذه الشركات، فقلت في نفسي: أبدأُ صغيراً وأقلّد واحدة منها في بلد وأعمل مثلها في كل بلد، هذا ميّزني وأعطاني قوّة. واستفدت من كوني في بلدٍ فارق الوقت بينه وبين بلد آخر كبير وهذا أعطاني ميزة بأن يتعامل معي البلد الآخر في الوقت الذي يريده، ولكوني استعملت تقنيتي مع العمّال، نحن أول شركة وأغنى شركة اليوم في تقنية المعلومات في الملكية الفكرية. نحن تميّزنا على المنافسين – المنافسين لا يزالون يتعاملون مع الزبائن بالطريقة التقليدية، زبوني في أيّ بلد في الدنيا لديه المفتاح لدخول حسابه لديّ ويرى المعلومات التي يريدها ويترك التعليمات التي يريدها وأنا نائم. هذه أعطتنا قوّة – دائماً فكر في الشيء الجديد، وبهذا الأسلوب تنتصر وتتقدم.
أنا اليوم سأخبرك عن مشروع جديد واختراع جديد، لبنان يعاني من الكتب المدرسية، لا يوجد ورق ولا توجد موازنة لطباعة كتب، ومن العيب أن نطبع كتباً، نحن الآن في صدد اختراع جديد، جهاز كتب إلكتروني (tablet) به الكتب والمواد الدراسية.
• هنالك Tablet في كل العالم، فما الاختراع؟
– الاختراع هو أنه فقط للدراسة، هذه مشكلة عند العائلات أنهم لا يريدون إعطاء الأطفال الجهاز، فهذا الجهاز لا يُستعمل إلا للدراسة، لا يستطيع أن يتحدث أو يرسل رسائل أو يدخل مواقع، هو فقط حقيبة إلكترونية والميزة التي فيه هو أنه رخيص. أنا أريد أن أنزله بالسوق بتكلفته، 50 دولاراً ولكل سنوات الدراسة، تضع موادّ السنة الدراسية وتستطيع أن تحذفها وتضع مواد السنة الدراسية الجديدة، هذه الفكرة أتت من لبنان من الحاجة، وقصدي أن أقول إن الحاجة أم الاختراع.
• هذا من المصنع الذي سينشأ في لبنان؟
– هذا سينتج من لبنان وللبنان.
• الفكرة جميلة ومهمّة، لكن البعض يرى أن لبنان بات بلداً رخيصاً لذا ستنشئ فيه مصنعاً؟
– بالعكس، أتيت لأعمل شيئاً رخيصاً، وأساعد لبنان واللبنانيين.
• خلال زيارتك وزير الاقتصاد اللبناني قلت إن لبنان لن يصبح دولة نفطية، أعطيتنا نظرة تشاؤمية حيال المستقبل الذي فرحنا، ما تفسيرك لما قلته؟
– صديقك من صدَقَك لا من صدَّقك، أنا أتحدّاك أن تعطيني اتفاقية واحدة التزم بها العدوّ الصهيوني.
• برأيك لن يلتزم؟
– لن يلتزم، هذا ضدّ دينه وضدّ تفكيره.
• ولكن شركة توتال تقدّم ضمانات؟
– شركة توتال تعمل لمصلحتهم، لم تتحدّث معك ولن تتحدّث معك.
إسرائيل ستقول ما ذنبي أنا، وتوتال لن تتحدّث معك لأن لديها أوامر بأن لا تتحدّث معك ولن تخالف.
• هذا تصريح خطير.
– هذا واجبي أن أقوله لأنني أعرف، أنا أعرف ما أقول، ليس هنالك أمل بأن يكون هنالك تعاون في التنفيذ، ماذا يعمل؟ سيقول لك تفضّل، ولكن كيف؟ هل سترسل زورق صيد السمك؟ تريد بواخر استكشاف بحري وشركات إنتاج وشركات شحن، دعها تأتِ وهو لن يسمح لها بأن تأتي.
أنا خوفي أن ننام على الحرير ولا نجد أيّ شيء، ولذلك قلت يجب أن نضع خططنا على أساس إذا أتى فهو نعمة ولكن لا يجوز أن أتأمّل في شيء لن يحصل، لذلك عليّ أن أؤمّن وضعي الغذائي والدوائي.
• سمعتك تقول بأن على لبنان فقط وكل بلد أن يؤمن غذاءه ودواءه وهذه من ضمن فكرتك أن العولمة انتهت وعملياً على كل بلد أن يؤمن حاجاته، ولكن كيف للدول الفقيرة أن تكتفي بذاتها؟
– على الدول الفقيرة أن تؤمّن والدول الفقيرة هي التي تستطيع أن تؤمّن، كيف ستؤمن غذاءك؟ بالعاطلين من العمل الذين نعاني منهم، شغّلهم بالزراعة وستنتج كل ما تحتاج إليه. الدول الفقيرة هي الغنيّة، الدول الغنية ليست غنية. الإنتاج المحلي وإن كلف أكثر، فإنه يوفر العملة الصعبة، ويؤمن فرص العمل، وبالتالي يفيد الاقتصاد، ويحول دون الأزمات والحصار. سأعطيك مثالاً على مستواي الصغير، لديّ في البيت ألف متر فقط كحديقة، ولكن بدل أن أزرعها عشباً وزهوراً، أزرع فيها غذاءً، 28 صنفاً من الخضار، وآكل منها يومياً.
• تقول إن الأزمة المالية في لبنان مصطنعة ونتيجة تواطؤ جهات عدّة.
– أتهم 3 جهات، أقول دائماً: المصارف، مصرف لبنان والحكومات. أعطني في الدنيا كلها مصرفاً مركزياً لا يخضع للدولة، وحاكم البنك المركزي لا يخضع للدولة، في لبنان فقط؟ من يعينه ومن يعزله ومن يراقبه ويحاسبه ويحاكمه؟! هذا الوضع لا يجوز، وشجّعني على رفع دعوى على المحافظ وعلى البنك.
• هل تأمل بالنتيجة؟
– نعم، قل لي لماذا؟ وأوجّه الكلام لإخواني في لبنان من المودعين.
الأموال لا تتبخر ولا تذوب، أنت أخذت أموالي وأصبحت عندك، وضعتها في بنك، أصبحت عند البنك، نقلتها إلى سويسرا فأصبحت في سويسرا، استثمرتها فأصبحت في عقار، الأموال موجودة ولا أحد سيقول لك إنها ضاعت وطارت حتى ينسيك القضيّة، هذا كذب. الأموال موجودة واستردادها واجب، والذي لا يردّ ويدّعي ولا نستطيع أن نصل له فليتفضل مقابلها أن يقبع بالسجن لعدة سنوات.
• يعزّي بعض الأشخاص أنفسهم ويقولون إن طلال أبو غزالة بعظمته لم يتوقع الأزمة فكيف لنا نحن اللبنانيين أن نتوقعها؟
– لا أحد كان يتوقع الأزمة. عندما يكون شيء حصل خارج إرادتك. هي عملية مستمرّة بطيئة مخفيّة! عملية تحايل، ورفعت دعوى على البنوك نتيجة لتحايلها وسأقوم بتحصيل أموالي. الذي يسمعني أو يقرأني ليطمئنّ أنّني سأقوم بتحصيلها لآخر يوم ولآخر فلس.
• د. طلال أبو غزالة، الفلسطيني الأردني العربي، المصري أكثر من المصريين، اللبناني أكثر من كثير من اللبنانيين، شكراً لك ونأمل أن يكون اللقاء الثاني في مكاتب “النهار” في بيروت.
– شرف كبير لي. أقرأ صحيفة “النهار” دائماً، وأتعلم منها ومعجب بهذا الإبداع في الإعلام وأتشرف بأن أكون معك في لبنان وأقول لك إنني طوال حياتي أخدم لبنان ولكن الآن أكثر، الناس يستغربون بسبب الخراب ويسألونني: ماذا تفعل؟ هل تصرف أموالك وتستثمر في لبنان وهو في خراب؟ فأقول لهم: لا فهذا وقتي، المطلوب مني عندما أكون قادراً أن أقدم واجباً ردّاً على فضل عليّ، لست أساعد ولكن لبنان هو المتفضّل عليّ وأحاول بقدر ما أستطيع أن أساهم لردّ فضل لبنان عليّ.
غسان حجار – النهار العربي والدولي