علي طليس الذي خدعنا: تشويه سمعة بريتال وطلاب لبنان
انطلت الخدعة على أبناء ضيعته، وراح العديد منهم يعلقون لافتات موقعة من هذه الشخصية أو تلك، يباركون المخترع الصغير الذي سيمحو العار الذي تلحقه عصابة الشر بقريتهم، وينتشلهم من الوصمة الاجتماعية البغيضة.
أصغر مخترع!
مما لا شك فيه أن طليس “المبدع الذي حفر اسمه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بعد نيله 3 شهادات سُجَّلت ودُوِنت في موسوعة غينيس”، فائق الذكاء. فلو لم يكن ذكياً لما تمكن من خداع من انطلت عليهم ادعاءاته بأنه التلميذ الخارق الذكاء.
رغم تعثره المدرسي في قريته، كتلميذ لا يحضر إلى الثانوية إلا لماماً، وغالباً ليس لحضور الحصص، بل للجلوس في “ديوانية” الأساتذة، ما قام به لا ينمّ عن أنه شخص يشبه أقرانه الطلاب، بل متفوق عليهم. لكنه لا يشبههم بأنهم يجتهدون لتحصيل شهادة الثانوية العامة، ويطمحون لدخول الجامعة، والتحصيل العلمي. فهو اختصر المسافة كلها وانتقل من أنه تلميذ في المرحلة الثانوية ونصّب نفسه جامعياً محاضراً في جامعات العالم. أي لم تعد تقتصر شهرته وكفاءته على أنه “أصغر مهندس في العالم وأصغر مخترع ينال براءة اختراع عن مشروع متكامل نظريًا وعمليًّا، وأصغر دكتور محاضر في الجامعة”، كم كتب له النائب الموسوي مهنئاً.
تلميذ ثانوي
لكن ذكاء طليس في إيجاد حرفة تركيب وتحوير الصور على نظام الفوتوشوب، لم يشوه سمعة بلدته، التي تضم أساتذة ومثقفين وأناس خيّرين وحفنة قليلة من عصابات الشر، كما يقول أحد أساتذة البلدة، بل سمعة طلاب لبنان كلهم. وصحيح أن أبناء بلدته هللوا جميعاً له، وهي من عاداتهم في مثل هذه المناسبات (عندما ينجح تلميذ بعلامات متفوقة يصبح حديث البلدة الراغبة بطرد صيت الشر عنها)، إلا أن أبناء بلدته، قبل غيرهم، سيصابون بخيبة كبيرة، بعد افتضاح أمره. وهذا يدفعهم للتشبث بإنجازات طليس الزائفة حتى لو عاد العالم كله وأكد أن ما أشاعه هذا الفتى المغرور، مجرد حركات صبيانية، لم يجرؤ أي تلميذ من زملائه على القيام بها.
أحد أساتذة قريته شبّه طليس بثانوية بريتال الرسمية، التي درس فيها. فهذه الثانوية، التي جهزت بوسائل العلم الحديث، لتكون من أفضل ثانويات المنطقة، بدعم من كوريا الجنوبية، تحولت إلى مجرد مدرسة منسية لا تجذب حتى أبناء البلدة، جعلها من أفشل الثانويات، وفقد الطلاب الثقة بها، وباتت تضم حالياً نحو سبعين طالباً رغم أنها معدة لاستقبال ألف طالب. هلل لها أبناء البلدة عندما مدتها كوريا الجنوبية بأفضل التقنيات، وعادوا وهجروها بسبب مستواها العلمي الضعيف.
توريط المدرسة
ويشرح الأستاذ حال طليس وتعثره المدرسي. فهو من التلامذة المتأخرين في علمهم لكن شخصيته المشاغبة وحب النميمة جعلته محبباً للأساتذة. وقد تورط أحد المدراء في إنجاح طليس ورفعه من صفه رغم رسوبه، وقد شفق عليه بسبب المشاكل العائلية التي يعاني منها. وقد ورط المدير المدرسة كلها وسمعتها، لأن طليس كان في سجلات المدرسة راسباً بعدما حصل على معدل 6 على عشرين، بينما دونه في السجلات التي ترسل إلى الوزارة بعلامات أرفع.
ويقول أحد أبناء البلدة أن تأخر طليس الدراسي مرده إلى أنه لا يحضر إلى المدرسة بانتظام بسبب مشاكله العائلية. لكنه منذ صغره يبدو أكثر ذكاء من أقرانه. ويدافع عنه بالقول: رغم أنه لا يواظب على الحضور إلى المدرسة، كان ناجحاً ويحصل الشهادات، لأنه متفوق أو أكثر ذكاءً من زملائه الطلاب.
عملياً لم يورط طليس بلدته والوسائل الإعلامية التي راحت تستصرحه فحسب، بل الجيل المقبل من الطلاب المتفوقين. فغالباً ما يسمع في لبنان عن طلاب مجتهدين ومتفوقين في دراستهم. طلاب نجحوا في جامعاتهم وحصلوا على مناصب علمية وأكاديمية في لبنان والعالم. لكن مزحة طليس الثقيلة ستترك بصمتها في تشويه سمعة الطلاب اللبنانيين، المتفوقين عن حق وجدارة.