السلطة ورشوة الانتخابات.. التعيينات أكبر شاهد

 
 
باقٍ مِن الزمن أحد عشر يوماً على الانتخابات النيابية، لكن الاستحقاق يدخل موضع الشبهة أكثر فأكثر. فالسلطة مصرّة على تقديم أسوأ نموذج عن ذهنية إدارة الحكم، من خلال استخدام كل الوسائل للقبض على الانتخابات وتفريغها من معناها الديموقراطي، مستخدمة كل الشعارات الزائفة والوهمية، وكل أنواع الرشاوى، لاستدراج الناخبين إلى إعادة رموزها عبر صناديق الاقتراع، وجعل الناس تحت رحمتها من جديد. هكذا تنقل السلطة الاستحقاق، عن سابق تصور وتصميم، من محطة ديموقراطية للتغيير نحو الأحسن سياسياً واقتصادياً وحياتياً ومعيشياً وإداريأً، إلى تاريخ مشؤوم لانتاج سقف دستوري يحمي تجاوزاتها وما ارتكبته وما سترتكبه من موبقات بحق البلد وناسه. 

و”الفضل” في كل هذه المعاصي يعود إلى النافذين في السلطة الذين لم يتركوا وسيلةً إلّا واستخدموها للقبض على الانتخابات وتفريغِها من أيّ مضمون، بدءاً من القانون الانتخابي الأعرج إلى التضييق على المنافسين وتسخير الوزارات كمراكز انتخابية، وصولاً إلى استخدام الرشاوى الانتخابية، لكن ليس من جيوبهم المليئة بالمال العام المنتهب، بل عبر موارد الدولة، وكل ذلك يثبت أن السلطة ماضية في تسخير أجهزة الدولة في معاركها الانتخابية، أو بمعنى أدق، ماضية في تشويه الاستحقاق الدستوري وإخراجه عن معناها.

قبل أقل من أسبوعين على الانتخابات النيابية استفاقت حكومة الستة عشر وزيراً مرشحاً على التعيينات. نعم التعيينات وبشكل غب الطلب وتفوح منه رائحة المحاصصة والسمسرة والتناتش، فحشرت في جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المقررة غدا الخميس في قصر بعبدا حزمة من البنود (من 44 إلى 59) المتعلقة بالتوظيف والتعاقد!! في وزارات الثقافة والخارجية والتربية والصحة والداخلية وغيرها. 

والتعيينات المذكورة هنا ليست تلك التي لا يستقيم عمل الدولة بخلوها أو ثمة ظروف اضطرارية لانجازها بأسرع وقت وفيما تبقى من عمر الحكومة، بل تعيينات التي لا تعكس سوى ذهنية تناتش مواقع الدولة للأزلام والمحسوبين وتقدمها كرشوة انتخابية.. وعلى عينك يا هيئة الإشراف.

ما الذي يمنع السلطة من تأجيل هذه التعيينات كونها غير ضرورية إلى ما بعد الانتخابات؟ ولإبعاد شبهة استغلال المواقع بشكل يخالف الشفافية والحيادية؟ 

لكن الأنكى من كلّ ذلك، أنّ سلطة الـ 16 وزيراً مرشحاً تتبرّأ من هذه الممارسات، تلاحق خصومها وترّهب أنصارهم باسم القانون، فيما هي تدوس على القانون والنظام، وتترك لماكيناتها الانتخابية الترويج لصورة ملائكية زائفة، مدعومة بأعلى المواقع الرسمية والأمنية والإدارية في الدولة!؟

قبل أيام أبدى الرئيس نبيه بري امتعاضه من “مظاهر صرف النفوذ” من قبل مرشحين يملكون مواقع في الدولة أو تربطهم علاقات بأجهزة رسمية ويستخدمون هذا النفوذ لاغراض انتخابية، وتحدث رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عن “توظيفات مشبوهة وزبائنيّة مفرطة” في الطريق إلى الانتخابات. وإذا كان كل من الأستاذ والحكيم، وهما من هما في التركيبة السياسية والسلطوية، يشتكي التعسف والاستغلال والتجاوز، فماذا يقول المعارضون أو المستقلون، ولمن يبثّوا شكواهم؟!

الواقع، والحقيقة المرّة والساطعة، أن السلطة تريد الإفادة من من مقومات الإدارات والمواقع والنفوذ حتى الرمق الأخير.. أو قُل حتى تفليس الدولة وإفشالها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!