هل تقفل محافظة لبنان الجنوبي أبوابها قريباً؟
صدى وادي التيم-لبنانيات/
صورة قاتمة عن مؤسسات الدولة وتفكّكها الى حدّ التلاشي التدريجي، رسمها محافظ الجنوب منصور ضو بحسرة وخيبة أمل. فمحافظة الجنوب التي تعتبر أول محافظة الكترونية في لبنان، تفتقد اليوم كلّ مقوّمات العمل، ما يدفعها للاتجاه نحو الإقفال القسري، ما سينعكس سلباً على أداء البلديات المحلية إدارياً، ويزيد من معاناة المواطنين، في أسوأ أزمة يعيشها لبنان.
“لم يعد لدينا القدرة على الإستمرار بالعمل في ظلّ الأزمة المعيشية والإقتصادية الصعبة”، خلاصة دردشة صباحية بين المحافظ ضو وإعلاميي صيدا في مكتبه في السراي الحكومي بعد انقطاع فرضته “كورونا” منذ العام 2020.
واكتسبت الدردشة غير الرسمية أهمية، لكونها تشبه الإنذار الأخير، لما آلت اليه أوضاع المؤسسات الرسمية في ظل تفاقم الأزمات وتداعياتها على سير العمل، سواء في محافظة الجنوب أو الإدارات الأخرى، مما يعيق إنجاز المعاملات ويزيد الأعباء على المواطنين.
“أمّ المشاكل” التي تعيق إنتظام العمل هي انقطاع التيار الكهربائي، إذ لا تستفيد دوائر السراي وإداراتها الرسمية من خط الخدمات، وسط عجز عن تأمين المازوت لتشغيل المولدّ، ناهيك عن مستلزمات العمل من أوراق وحبر وإيصالات وصولاً الى النظافة.
عتب المحافظ ضو كبير: الموازنة العامة شحيحة الى حد العجز، نسبة 97% تصرف على رواتب للموظفين و3% للخدمات، بينما الموازنة الشهرية ما زالت نحو 600 الف ليرة لبنانية، لا تؤمّن أي شيء حتى تنكة المازوت لتشغيل المولد، ما ينذر بالإقفال القريب.
والمحافظ ضو، الخبير في شؤون الإدارية والوافد من التفتيش المركزي، والطامح منذ توليه سدّة المسؤولية في المحافظة الى تطويرها لتواكب عصر الحداثة، يحزنه أن يرى العكس تماماً، تتحطّم الآمال لما وصلت إليه الإدارات الرسمية (التي له سلطة الوصاية عليها) من حالة التردّي الكبير، وما يرافقها من شكاوى المواطنين وتذمّرهم من غياب أبسط مقوّمات العمل حتى وصل الأمر إلى مبادرات فردية ومن أصحاب المعاملات لتأمين النقص، سواء في الحبر أو الطابعة أو الأوراق لإنجازها من دون انتظار أو تأخر.
وبغضب لا يخلو من ألم، يقول المحافظ ضو: “أنا أمثّل رأس الدولة ولا يمكن أن أستجدي المساعدات، وفي الوقت نفسه لن أقبل بتحويل الإدارات دكّانة، ولن أكون شاهد زور أبداً أو أغضّ الطرف عن السمسرة والرشاوى، إستنفدت كل علاقاتي وصداقاتي لتأمين سير العمل خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولكن للأسف وصلنا اليوم إلى مكان لا قدرة لي على الإستمرار، وصلنا إلى تحت الخط الاحمر. أسهل عليّ الاقفال وعدم الإستجداء، والمحافظة التي شهدت عصراً ذهبياً من العام 2014 حتى 2019 وكانت أول محافظة الكترونية، باتت غير قادرة على تأمين النظافة، حيث تنتشر النفايات مع الروائح الكريهة وأعقاب السجائر وعبوات المياه الفارغة والأوراق في باحاتها على نحو مقزّز”.
إذاً، هي مرحلة يأس وإحباط تُصيب موظفي الدولة بالصميم، رواتبهم غير كافية وبعضهم يتقاضى مليون و200 ألف، فكيف يُطلب منهم العمل مع قلقهم وخوفهم على مصيرهم ومستقبل أولادهم أو تفعيل خلية الكوارث لمواكبة وباء الـ”كوليرا”، وقد نجحنا بتجاوز جائحة “كورونا” بشقّ الأنفس، فـ”إصدار القرارات سهل من داخل المكاتب وخلف الطاولات ولكن التطبيق على الأرض يبدو صعباً، إذا لم يكن مستحيلاً”، يقول المحافظ ضو.
هذا الواقع الصعب دفع إلى المداورة في العمل أو فتح الدوائر يومين أو ثلاثة وفق الحاجة، حتى بدا مشهد السراي متناقضاً، مهجوراً حيناً ومزدحماً حيناً آخر، وفي بعض الأحيان الإعتذار بأدب وخجل بسبب عدم التمكّن من إنجاز المعاملات وسط إنتظار التيار الكهربائي، مقابل غضب المواطنين.
مشهد متناقض يرسم صورة قاتمة لمؤسسات الدولة التي تستمر باللحم الحيّ، بخلاف ما يتمناه المحافظ والموظفون الذين يتوقّعون أن يلتقيهم أيضاً لمناقشة الصعوبات بعد الإنذار الأخير، ليبقى السؤال هل تقفل المحافظة أبوابها قريباً؟