بالأرقام : أسعار المونة بأعلى مستوياتها… “يا مكدوس مين يشتريك؟”

صدى وادي التيم-لبنانيات/

على أبواب الخريف، يبدأ الناس بالتموين لموسم الشتاء، كعادة متوارَثة لدى جميع الفئات المجتمعية، ولا سيما الفئات الفقيرة، التي لطالما وجدت في منتجات المونة ملجأً لأن أسعارها كانت رخيصة، ومكوّنة من مزروعات بمعظمها يزرعها المنتجون أنفسهم، أي يوفّرون كلفة شرائها أيضاً.

هذا العام، مع تزامن موسم إنتاج المونة ومع انطلاق العام الدراسي الذي قصم ظهور أهالي الطلاب، ووصول سعر صرف الدولار إلى حدّ الـ38 ألف ليرة، تغيّرت المونة استهلاكاً وإنتاجاً، وتتفاوت الأسعار طبعاً ما بين منطقة وأخرى، وفقاً لأسعار الموردين. بالتالي، المونة التي كان يُعرف عنها أنّها “موجودة في كل بيت لبناني”، قد يغيب معظم منتجاتها وعلى رأسها المكدوس والكشك والزعتر، مع العلم بأنّها الأكثر استهلاكاً.

وفيما تتطابق آراء بعض منتجي المونة حول تراجع استهلاك الناس لهذه المنتجات، وهو تطابق متوقَّع، تقول أم كريم، سيّدة تعمل في إنتاج المونة وبيعها، من قرية حولا الجنوبية، إنّ “الناس لا يشترون سوى الأساسيات من المونة، بينما كانت فاتورة المونة مشكّلة”. فأسعار المواد الأساسية لتحضير المونة ارتفعت ارتفاعاً قياسياً، إلى جانب ارتفاع “الكارثة” المتمثلة بارتفاع كلفة الكهرباء والمياه والغاز، المواد الحيوية الأساسية للإنتاج، التي حلّقت أسعارها.

“سترتفع أسعار المكدوس هذا العام”، تؤكّد أم كريم. فكلّ ما يخص إنتاجه ارتفع، من الجوز الذي يراوح الكيلو منه ما بين 250 و350 ألف ليرة (بحسب النوعية)، إلى الزيت الذي يراوح سعر الـ5 ليترات منه ما بين 450 إلى 500 ألف ليرة، إلى الأدوات المستخدَمة لسلق الباذنجان، إلى الغاز الذي رُفع الدعم عنه ويتغيّر سعره كل يوم، إذ لا يتوفّر الحطب للجميع، فالمتر منه ما بين 100 و120 دولاراً ويكفي لحوالي يومين إلى أسبوع في الحدّ الأقصى بحسب استهلاكه للإنتاج. إضافة إلى المياه التي تُشترى النقلة منها بـ500 ألف ليرة، أو بزيادة الفاتورة على عدّاد كهرباء المولِّد. كذلك تُسعّر المراطبين بالدولار، فالأصغر منها الذي يتّسع لـ900 غ، سعره 15 ألف ليرة.

بالتالي، فإنّ “كلفة المكدوس هذا العام مرتفعة، وستنعكس حتماً على سعر الكيلو منه”، وفق أم كريم. أمّا باقي المكوّنات من باذنجان وثوم وفليفلة، فهي مكوّنات “مقدور عليها”. لذلك، “قد يصل سعر كيلو المكدوس أقلّه ما بين 250 إلى 300 ألف ليرة”، بحسب أم كريم، وبطبيعة الحال، سيتراجع مبيعه واستهلاكه.

بالانتقال إلى الكشك، الذي يُطهى كوجبة غداء لدى بعض العائلات، فيراوح سعر الكيلو منه ما بين 400 إلى 500 ألف ليرة، بحسب مكوّناته، لدى أم كريم. إذ ارتفع سعر اللبن ارتفاعاً كبيراً، فـ”سطل” اللبن الـ5 كيلوغرام، كان العام الماضي بـ50 ألف ليرة، وأصبح هذا العام بـ150 ألف ليرة، وكيلو البرغل للكشك أصبح بـ35 ألف ليرة بدلاً من 15 ألف ليرة، إلى جانب مصروف الغاز والماء. كما أصبحت المطاحن تتقاضى بدل طحن الكشك ما بين 10 و20 ألف ليرة للكيلو.

وقد يُحرم جزء غير قليل من اللبنانيين من ثنائي “الزعتر والزيت” الشهير و المفترَض أنه الأرخص، إذ يراوح سعر كيلو الزعتر بالسمسم والسماق ما بين 350 إلى 400 ألف ليرة. فتاجر الزعتر والسمسم والسماق، الذي يورّد للمنتجين، يسعّر بالدولار، فكلفة اليد العاملة وتشغيل الآلات والكهرباء بالدولار.

ويبلغ سعر كيلو البرغل المجروش 50 ألف ليرة. كما ارتفع سعر جرش البرغل إلى 25 ألف ليرة للمدّ (أي ما يعادل حوالي 10 كيلو من البرغل)، ومعه الزعتر، في ظل غياب الكهرباء، واعتماد أصحاب المطاحن هذه على مولدات الاشتراك. كذلك ارتفع سعر كيلو الفريك، مع زيادة كلفة جرشه ليصبح حوالي 250 ألف ليرة.

هذه المنتجات هي الأكثر طلباً حالياً، لكونها أساسية، وفق أم كريم. إضافة إلى مربّى البندورة الأساسي للطهو، والذي وصل سعر الـ900 غ منه إلى 250 ألف ليرة.

كذلك، ارتفع سعر المربّيات كثيراً، فهي تحتاج إلى الغاز بنسبة كبيرة، وتأتي بعدها أسعار الفاكهة والسكر التي ارتفعت. وتراوح أسعارها ما بين 100 و150 ألف ليرة لمرطبان الـ900 غ، (وقد يصل إلى 250 ألف ليرة إذا ما زيد عليه مكسرّات وسمسم). لكن الناس لا يعيرون هذه “الكماليات” اهتماماً حالياً في مونتهم.

كذلك وصل سعر كيلو الملوخية إلى ما بين 350 إلى 500 ألف ليرة، إذ ارتفع سعرها بسبب الشح في المياه، واضطرار مزارعيها إلى شراء الماء.

“للمرة الأولى في حياتي لن أنتج المكدوس”، هذا ما تورده فاديا طنّوس، منتجة مونة من قرية مغدوشة، فكلفته عالية جداً وسيكون من الصعب بيعه، واستهلاك الناس تغيّر تجاه المونة.

فأسعار الجوز والزيت “بتكسر الجيبة”، وكيلو الجوز بـ8 دولارات، وسعر الـ5 ليتر من الزيت بحوالي 380 ألف ليرة، و”لو أعددت المكدوس، لكان عليّ بيع الكيلو منه أقلّه بـ150 ألف ليرة، وهو سعر لا يمكن لكلّ الناس دفعه”.

لذلك، تنتج فاديا هذا العام منتجات المونة التي يمكن للناس شراؤها، لتحريك المبيع لديها. فمثلاً لم يتوقّف مبيع المربيات لديها، إذ تراوح أسعار المرطبان الـ900 غرام ما بين 60 إلى 150 ألف ليرة. وفيما تعدّ كميات كبيرة من الكشك وتصرّفها كلّها، لكون “بيع الكشك لديّ مثل الملح”، توجّهت إلى مزارعين مستورين يبيعون اللبن ليسترزقوا لأنّ سعر اللبن ارتفع كثيراً. وتبيع الكشك حالياً بـ280 ألف ليرة الكيلو، بينما يُباع في البقاع بسعر ما بين 400 و600 ألف ليرة.

وتروي فاديا أنّه في مغدوشة يُباع كيلو الزعتر المخلوط بـ400 ألف ليرة، بينما تبيعه هي بـ350 ألف ليرة.

وهل بدأ الناس يشترون؟ تؤكّد فاديا أنّهم “قليلون جداً”. فرغم أنّ الأسعار التي توفّرها فاديا أرخص من أسعار السوق، تراجع الاستهلاك لدى الناس.

كذلك، لم تنتج فاديا مربّى البندورة، إذ لا يمكن بيع المرطبان منه بسعر أقلّ من 150 ألف ليرة، ومع ضيق الأوضاع المادّية، تفضّل السيّدات شراء المصنّع المكوّن من النشاء والصبغ من السوق بـ70 ألف على المنتَجة يدوياً وذات النوعية الجيدة، بحسب فاديا.

 

المصدر:”النهار”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!