باحث لبناني يبتكر كاميرا لاسلكية تعمل تحت الماء دون بطارية
صدى وادي التيم-لبنانيات/
تغطي المحيطات مساحة تزيد على 360 مليون كيلومتر مربع من سطح الأرض البالغ مساحته 510 ملايين كيلومتر مربع. ورغم تلك المساحة الشاسعة التي تُغطيها تلك المسطحات الهائلة، إلّا أن أكثر من 95٪ من مساحة المحيطات لم تُستكشف بعد.
وتُعد عملية التصوير تحت الماء مفتاحاً رئيسياً لفهم البيئات البحرية وكشف تنوعها. إذ يُتيح التصوير اكتشاف أنواع بحرية جديدة، وفهم تأثير تغير المناخ، وإنتاج الغذاء العالمي، وحتى تربية الأحياء المائية التي تُعد قطاع الغذاء الأكثر نمواً في العالم.
ورغم تقدم تقنيات التصوير بشكل عام، إلّا أن هناك عائقاً كبيراً للتصوير والمراقبة تحت الماء. فالكاميرات الحالية يجب ربطها أما بالسفن أو الطائرات دون طيار، حيث تستهلك طاقة كبيرة، وتتطلب تغيير البطاريات بشكل مستمر، كما يلزم أيضاً انتشالها لتفريغ محتواها. وهي أمور من شأنها أن تُصعب عمليات التصوير والمراقبة تحت الماء.
كما أن التكلفة العالية لتشغيل كاميرا تعمل تحت الماء لفترة طويلة، عن طريق ربطها بسفينة أبحاث أو إرسال سفينة لإعادة شحن بطارياتها، تمثل تحدياً هائلًا يمنع عمليات الاستكشاف تحت سطح البحر على نطاق واسع.
تكلفة زهيدة
غير أن الباحثين في معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، تمكنوا من التغلب على تلك العوائق عن طريق تصميم كاميرا جديدة دون بطارية، وتستطيع نقل الصور لاسلكياً.
الفريق العلمي الذي يقوده الباحث اللبناني بمعهد “ماساتشوستس” فاضل أديب تمكّن من تصميم تلك الكاميرا، وتجربتها في البيئات البحرية بتكلفة زهيدة لا تزيد عن 100 دولار، بحسب ما ذكره أديب في تصريحات خاصة لـ”الشرق”.
وبحسب الورقة العلمية المنشورة في دورية “نيتشر كومينكيشن” تعمل الكاميرا الجديدة عن طريق حصاد الموجات الصوتية. أيّ أنها تحول الطاقة الميكانيكية من الموجات الصوتية التي تنتقل عبر الماء إلى طاقة كهربائية تشغل معدات التصوير والاتصالات الخاصة بها.
وبعد التقاط بيانات الصورة وتشفيرها، تستخدم الكاميرا أيضاً موجات صوتية لنقل البيانات إلى جهاز استقبال يعيد بناء الصورة.
أكثر دقة
وقال أديب لـ”الشرق” إن الكاميرا تستهلك طاقة أقل بحوالي 100 ألف مرة عن كاميرا الهاتف المحمول. كما أنها تستطيع التقاط الصور الملونة حتى في البيئات المظلمة تحت الماء.
ونظراً لأنها لا تحتاج إلى مصدر طاقة خارجي، يمكن أن تعمل الكاميرا لأسابيع متتالية قبل استرجاعها، مما يتيح للعلماء البحث في الأجزاء النائية من المحيط بحثاً عن أنواع جديدة.
ويمكن استخدام الكاميرا أيضاً لالتقاط صور لتلوث المحيطات أو مراقبة صحة ونمو الأسماك التي يتم تربيتها في مزارع تربية الأحياء المائية.
أحد أكثر تطبيقات هذه الكاميرا إثارة تأتي في سياق مراقبة المناخ. فحين يبني العلماء النماذج المناخية لا تتواجد البيانات من أكثر من 95% من المحيط.
وأوضح أديب في حديثه لـ”الشرق”: “يمكن أن تساعدنا هذه التكنولوجيا في بناء نماذج مناخية أكثر دقة وفهماً أفضل لكيفية تأثير تغير المناخ على العالم تحت الماء”.
ولتصميم تلك الكاميرا التي تعمل بشكل مستقل لفترات طويلة، احتاج الباحثون إلى جهاز يمكنه حصاد الطاقة تحت الماء من تلقاء نفسه.
لذا، صمم الباحثون محول للطاقة من مواد كهروضغطية (الكهرباء الانضغاطية)، وهي مواد قادرة على توليد جهد كهربي حين تتعرض لقوة ميكانيكية.
كيف تعمل الكاميرا اللاسلكية؟
وفي حالة الكاميرا المُصممة حديثاً، فحين تصطدم موجة صوتية بُمحول الطاقة، تهتز جزيئات المادة الكهروضغطية لتحول تلك الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية. تتولد الموجات الصوتية في البيئات البحرية من مصادر عدة، كالسفن العابرة، أو الحياة البحرية.
ينجم عن تلك العملية توليد كمية صغيرة جدًا من الطاقة “هنا جاء التحدي الكبير.. فالكاميرات تحتاج لطاقات كبيرة لتشغيلها” يقول أديب. فحتى مع تخزين الطاقة المحصودة داخل المحول الكهربي لا تزال الكمية صغيرة للغاية.
لذا، وللحفاظ على استهلاك الطاقة عند أدنى مستوى ممكن، استخدم الباحثون مستشعرات تصوير تم تصميمها خصيصاً للاستخدام منخفض الطاقة للغاية.
لكن تلك المستشعرات لا تلتقط سوى الصور ذات التدرج الرمادي. ونظراً لأن معظم البيئات تحت الماء تفتقر إلى مصدر الضوء، فقد احتاج الباحثون أيضاً إلى تطوير “فلاش” منخفض الطاقة. وقال أديب: “هنا جاءت الخطوة الجديدة”.
ووفقاً لـ”أديب”، قام الباحثون باستخدام مصابيح “LED” لها ألوان حمراء وخضراء وزرقاء. ينبعث منها الضوء بالتتابع، وتقوم مستشعرات بالتقاط الصورة أثناء الانبعاث الضوئي ثم يجرى معالجة الصور الملتقطة أصلاً بالأبيض والأسود بغرض توفير الطاقة.
وأضاف الباحث اللبناني: “تطلب الأمر قدراً لا بأس به من الإبداع لمعرفة كيفية القيام بذلك”، مضيفاً: “فالضوء الملون باللون الأحمر والأخضر والأزرق ينعكس في الجزء الأبيض من كل صورة. وعندما يتم دمج بيانات الصورة في مرحلة ما بعد المعالجة، يمكن إعادة بناء الصورة الملونة”.
وتابع: “تحتوي الكاميرا على مستشعر إرسال مبتكر يعكس عملية حصاد الطاقة، ثم نحصد الطاقة من الصوت، ونقوم بعد ذلك بتحميل الصوت نفسه بالبيانات ونرسله إلى المستقبل”.
فبمجرد التقاط بيانات الصورة، يتم تشفيرها على هيئة بتات (1 و0) وإرسالها إلى جهاز استقبال بت واحد في كل مرة باستخدام عملية تسمى التشتت الخلفي تحت الماء، ويقوم جهاز الاستقبال بنقل الموجات الصوتية عبر الماء إلى الكاميرا، والتي تعمل كمرآة لتعكس تلك الموجات.
وبالتالي، تعكس الكاميرا إما موجة عائدة إلى جهاز الاستقبال أو تغيير مرآتها لتمتص الموجة حتى لا تنعكس مرة أخرى.
ويستشعر ميكروفون بجوار جهاز الإرسال إذا انعكست إشارة من الكاميرا، إذا استقبلت إشارة، فهذه هي “بت 1″، وإذا لم تكن هناك إشارة، فهذه هي “بت 0″، ويستخدم النظام هذه المعلومات الثنائية لإعادة بناء الصورة ومعالجتها.
هذه العملية برمتها، ونظراً لأنها تتطلب فقط مفتاحاً واحداً لتحويل الجهاز من حالة غير عاكسة للإشارة إلى حالة عاكسة لها، تستهلك قدر قليل من الطاقة، أقل بكثير من أقل من أنظمة الاتصالات العادية تحت الماء.
استخدامات متنوعة
واختبر الباحثون الكاميرا في عدّة بيئات تحت الماء. في إحداها، التقطوا صوراً ملونة لزجاجات بلاستيكية تطفو في بركة نيو هامبشاير. كما تمكنوا من التقاط صور عالية الجودة لحيوان نجم البحر الإفريقي بحيث كانت الدرنات الصغيرة على طول ذراعيه مرئية بوضوح. كان الجهاز فعالاً أيضاً في التصوير المتكرر لنباتات تم زرعها للتجربة تحت الماء في بيئة مظلمة على مدار أسبوع لمراقبة نموه.
الآن بعد أن أظهروا نموذجاً أولياً عملياً، يخطط الباحثون لتحسين الجهاز بحيث يكون عملياً للاستخدام في إعدادات العالم الحقيقي. ويأمل الباحثون في زيادة ذاكرة الكاميرا حتى تتمكن من التقاط الصور في الوقت الفعلي، أو حتى تصوير فيديو تحت الماء.
يريدون أيضاً توسيع نطاق نقل البيانات، فوفقاً لـ”أديب”: “نجحنا في نقل البيانات على بعد 100 متراً من جهاز الاستقبال بعد نشر الدراسة”، مشيراً إلى ضرورة تحسين تلك المسافة لاستخدام الكاميرا في العالم الحقيقي.
وبشكل عام، يمكن لتلك الكاميرا أن تستخدم في العديد من التطبيقات مثل علوم المحيطات، وعلم الآثار البحرية، والروبوتات، والتطبيقات العسكرية، وحتى أثناء الكوارث الطبيعية.