عودة حرفة مكانس القش إلى الواجهة بعد أفول لسنوات

صدى وادي التيم-لبنانيات/

عند تخوم فلسطين المحتلة، وتحديداً في بلدة دير سريان الجنوبية، عاود حسن سعد العمل بمهنة صناعة مكانس القش، التي كان قد تخلى عنها قبل 20 عاماً، بعد افول نجمها وانكفاء الاهالي عن شرائها، غير ان الازمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان قبل ثلاث سنوات، أعادت ابو حسين ابن الـ58 ربيعاً الى حرفته التي تعلمها في سن الثالثة عشرة من عمره، على يد احد كبار المهنة آنذاك.

وقد يكون ابو حسين واحداً من عشرات عادوا الى حرف الاجداد مجدداً، لمواجهة ازمتهم المعيشية، فوفق أبو حسين نفسه «فإن مكانس القش بدأت تسلك طريقها نحو السوق وارتفع الطلب عليها»، فهو يبيع يومياً بحدود الـ20 مكنسة، يصل سعر الواحدة منها إلى الـ50 ألفاً، ما يمكنه من توفير متطلبات الحياة، يكفي انها مهنة غير متعبة كل ما تحتاجه هو مقص وقطاعة وخيطان وقش والكثير من حنكة ومهارة ابو حسين في هندسة عيدان القش وتشذيبها، لاخراج مكنسة يدوية تضاهي عشرات المرات مكنسة الآلة، على حد وصف ابو حسين نفسه.

أمام منزله في دير سريان، يفلش ابو حسين القش الذي يأتي به من حقل الذرة الحمراء الذي عاد ليزرعه لهذه الغاية، فقش المكانس هو من هذه النبته، وبعد تنظيفه ونقعه بالمياه ليلة كاملة، يبدأ ابو حسين مهمة ترتيب عيدان القش معاً وفق هندسة خاصة يتقنها بدقة، فهو تعلم كيف يصنع مكنسة القش جيداً، «ولو هذه المهنة اليوم كانت اوضاعي معدومة»، يردد الرجل الذي يمضي اكثر من سبع ساعات يومياً بصناعة المكانس، تستغرق الواحدة منها بين هندسة وتشذيب وخياطة قرابة العشر دقائق، ليتم بعدها وضعها تحت اشعة الشمس لثلاثة ايام لتكسب لوناً ومتانة، كما يقول ابو حسين، الذي يجزم ان «حِرَف الاجداد ستكون سند العائلات في الظروف الصعبة، وانه لولا عودتي الى هذه المهنة كنا سنواجه اوضاعاً مأسوية».

مع ظهور الآله الحديثة، أفل نجم حرف الاجداد التي كانت دينامو حياتهم الاقتصادية، فاختفى المنجد، الاسكافي، الكوّى، المبيِّض، صانع مكانس القش وغيرها الكثير من حرف رافقت الاجداد سنين طويلة قبل ان تختفي، اولاً بسبب حضور الآلة وثانياً بسبب غياب دعمها، وبين الاثنين طارت الحرف القديمة التي كانت ستشكل بوابة سياحية على التراث القديم.

غير ان ابو حسين خطف الانظار مجدداً الى حرفته، فقلة من جيل اليوم تعرفها، وربما شكل جلوسه الطويل على مشارف الطريق في بلدته نقطة جذب غير مسبوقة لحرفته، التي تستوقف كل المارين لالتقاط صورة او لشراء مكنسة عادة ما تكون بأحجام وأشكال متعددة، وهذا ما يؤكده ابو حسين الذي يرى ان الحرف اليوم ستكون السند الاقتصادي للعائلات، أضف انها ستكون ارخص من البضائع المستوردة. عادة ما يردد «مصائب قوم عند قوم فوائد، فلولا الازمة الراهنة لما فكرت بضخ الروح في حرفتي التي غادرتها لاكثر من 15 عاماً، وأكثر»، يقول: «أحمد الله انني امتهن حرفة اعانتني في هذه الظروف»، من هنا يحفز ابو حسين كل الشباب لتعلم حرفة ومهنة يجدها عوناً له في هذه الظروف، غير انه يأسف ان لا احد يسعى لتعلم حرفة المكانس رغم عدم صعوبتها ويعيد السبب الى ان شباب اليوم شباب الهواتف وليس شباب الكد والتعب.

لا ينكر ابو حسين الخمسيني اننا «دخلنا زمن الحرف التراثية»، ولا يخفي انه «بفضلها يصمد في مواجهة الغلاء». مؤكداً ان هذه الصناعة الحرفية هي السهل الممتنع، تحتاج الى «شوية صبر ودقة في العمل»، يؤمن ان «الحرف على طريق العودة، لان لا سلاح مضاد للازمة الاقتصادية غيرها».

على مر السنوات الماضية، أفل نجم الحرف التراثية، قلة تواظب عليها، في الجنوب يوجد اثنان يعملان في هذه الحرفة وابو حسين احدهما، بابتسامة صغيرة يقول: «أعادتني صناعة المكانس الى عصر ما قبل التطور، الى زمن كانت المكنسة احد اركان المنزل، وأكثر يقول: «كنت اظن أن الاقبال سيكون محدوداً على مكنسة القش، التي تنافسها مكنسة البلاستيك، غير انني تفاجأت بحجم الطلب عليها، فربة المنزل باتت تعتبرها ست البيت»، على حد وصفه.

إستطاعت مكانس ابو حسين ان تغزو القرى اقله في دير سريان والطيبة والجوار، وارتفع الطلب عليها بشكل لافت، والسبب يعود وفق ابو حسين الى متانتها وانها تدوم فترة اطول بمرتين من مكانس السوق، وهذا سر الاقبال عليها، بل يجزم ابو حسين أن ربات المنازل وجدنَ مكانس القش اهم من مكانس البلاستيك «بتنظف أكثر» وفق قوله.

إذا، عادت حرفة مكانس القش الى الواجهة، ومعها عاد السؤال هل ستظهر حرف جديدة اخرى بسبب تدهور الظروف المعيشية، على ما يبدو فإن عصر الحرف بدأ يعود وهو ما لن يكون فقط اقتصادياً بل ايضا سياحياً، فكثر توّاقون لهذا الزمن الجميل لانه كما يصفه ابو حسين زمن الطيبة والالفة والمحبة التي نفتقدها اليوم.

المصدر:رمال جوني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى