تكلفة الولادة في لبنان خيالية.. وحلم الإنجاب تحوّل إلى كابوس!
صدى وادي التيم-لبنانيات/
أرجأ عدد من اللبنانيين مسألة الإنجاب في الأعوام الثلاثة الأخيرة بسبب الأزمات المتلاحقة في البلاد، بانتظار “تحسّن الأوضاع”، لكنّهم وجدوا أنفسهم اليوم نادمين على خيار “العقم الإختياري”، وشعروا بأنّه كان بإمكانهم أن “يزمطوا” في وقت سابق، لأنّ الفرج لم يأتِ، بل على العكس سارت الأمور نحو الأسوأ.
“منذ 3 سنوات وأنا أرجئ فكرة الإنجاب لأنّني لا أستطيع تغطية تكاليف الحمل والولادة والطفل، فأنا معلمة وراتبي بالكاد يُغطّي بعض المصاريف الأساسية، وزوجي يتنقّل بعمله كثيرًا، لكننّي هذا العام وجدت نفسي مرغمةً على “خوض هذه المعركة” بتكاليفها الباهظة، لأنّني دخلت عامي الـ39 وخفت من فكرة الكبر وعدم الإنجاب، ما جعلني أشعر بالندم كوني أرجأت المسألة عندما كانت التكاليف أقل، وأضعت بعض السنوات وأنا أحلم بالأمومة”، بهذه الكلمات تسرد ليلى ما مرّت به، مؤكدّةً أنّ تجربتها تشبه تجارب عدد من اللبنانيين الذين أخّروا هذا الحلم.
وعن تكاليف الولادة، تقول ليلى لـ”هنا لبنان”: “سألت عن التكلفة في مستشفى قريبة من منزلي، يولّد فيها الطبيب النسائي الذي كان يتابعني خلال مرحلة الحمل، كان المبلغ المطلوب 650$ أي حوالي 20 مليون ليرة لبنانية (كان الدولار يساوي 30 ألف ليرة)، 500$ للطبيب و150$ للمستشفى، لكنّي عدت ولجأت إلى طبيبة تعرفها صديقتي، وولدتني مقابل 200$ لها في نفس المستشفى”.
طلب الطبيب مبلغًا بـ”الدولار الفريش” تستغربه ليلى كونه لم يكن يجري سابقًا، كما تتعجّب منه عبير التي طلب منها طبيبها مبلغ 300$ لجيبه أثناء ولادتها، رغم أنّ لديها تأمين بنسبة 100%، هذا عدا عن مبلغ 200$ دفعته مقابل إجراء المستشفى بعض الفحوصات لها ولطفلتها لم يشملها التأمين أيضًا، وفق ما تقول لـ”هنا لبنان”.
الولادة قد تكلّف 20 مليون وأكثر:
وللتأكّد أكثر من “خيالية” الأرقام، كانت لـ “هنا لبنان” جولة على عدد من المستشفيات في مناطق عدة، للسؤال عن التكلفة، فوجدنا أنّ الولادة الطبيعية تكلّف الأم بالحدّ الأدنى 10 مليون ليرة لبنانية، فيما تُكلّف الولادة القيصرية بالحدّ الأدنى 17 مليون ليرة لبنانية، وذلك من دون تحضير وحدات دم، ما يعني أنّ العملية قد تصل تُكلّف أكثر أحياناً! (هذه الأرقام وفق سعر صرف 34 ألف ليرة للدولار الواحد).
علمًا أنّ بعض المستشفيات تعمد إلى إضافة الكثير من التقديمات الاستشفائية على الفاتورة النهائية، ما يعني أنّ الفاتورة دائمًا ما تكون “حرزانة”.
هذا عدا عن فحصية الطبيب التي تبلغ 500 ألف ليرة بالحد الأدنى، وعن تكاليف ما بعد الولادة: من حليب الأطفال (120 ألف ليرة سعر علبة حليب الأطفال الجدد لأسبوع واحد)، والحفاضات التي أرخصها بات يُكلّف بحدود الـ180 ألف ليرة، ولقاحات الأطفال التي أصبحت تُباع فقط بالدولار، والأدوية..
أمّا عن عدد الولادات، فتراجع بشكل كبير مع بدء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان منذ عام 2019، وبحسب أرقام المديرية العامة للأحوال الشخصية، سجّل عام 2019، 86,584 ولادة، فيما سجّل عام 2020، 74,049 ولادة، في حين سجّل العام 2021 68,130 ولادة.
أمّا العام الحالي، فـ”لا أرقام ومعطيات جديدة بعد”، بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين.
ماذا عن زراعة أطفال الأنابيب؟
كلّ ما سبق قد تتمنّى نور لو أنّه حدث معها، فهي لا تستطيع الإنجاب دون اللجوء إلى عملية زراعة أطفال الأنابيب، وبعد مرور أكثر من 4 سنوات على زواجها والمرور في محاولة عملية تلقيح لم تنجح، قرّرت الخضوع لهذه العملية.
تقول نور ابنة السادسة والعشرين لـ”هنا لبنان”، إنّها “محظوظة لأنّ عملية الزراعة هذه يُغطّيها القطاع العام الذي يعمل فيه زوجها، لأن تكلفتها بين 2000$ و 4000$، وهو مبلغ من المستحيل تأمينه، غير أنّ تكلفة إبر ما قبل العملية كلّفتني ماديًا خلال شهر واحد 50 مليون ليرة لبنانية، وكلّفتني نفسيًا الكثير لأنني لم أستطع تأمينها بسهولة بسبب فقدانها ولجوئي إلى الدين لتأمين بعض التكاليف”.
وتلفت إلى أنّ “الإبر لم تأخذ جميعها مفعولها المطلوب، ما جعلني أتساءل أنا وطبيبتي عن مدى صحّتها وما إن كانت فاسدة، كوني أمّنت كل مجموعة من مصادر مختلفة، ثلاثة منها كان مصدرها من تركيا، وكانت أرخص ثمناً من التي اشتريتها من لبنان!”، وتضيف: “في حال نجحت العملية فستنتظرني مبالغ أكبر بكثير”.
أمام هذا الواقع اللاذع، يبدو أنّ “تأجيل” فكرة الإنجاب قد يتحوّل إلى “إلغاء”، فالمثل الذي يقول “الولد بيجي وبتجي رزقته معه”، لم يعد يصلح قوله في لبنان!
المصدر: بشرى الوجه لـ “هنا لبنان”