حقائق تفضحُ ما تفعله تل أبيب بشأن لبنان.. هل اقتربت “المعركة” حقاً؟
صدى وادي التيم – لبنانيات:
بات محسوماً دخول ملف ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل مرحلة ضاغطة بكافة المقاييس، وذلك مع حلول شهر أيلول الذي كان من المُفترض أن يسبقه اتفاقٌ ضمني على الترسيم في ظلّ الوساطة الأميركيّة المُستمرّة.
حتى الآن، يبدو واضحاً أن العدو الإسرائيلي يُمارس أسلوب “جس النبض”، فتارة تطرح وسائل الإعلام الإسرائيلية عناوين إيجابية لتسوية مرتقبة، وتارة أخرى تلجأ إلى بثّ تفاصيلَ عن طروحاتٍ للترسيم، غير مدعومة بأي تأكيدٍ رسمي إسرائيلي أو أميركي. هنا، يكمنُ الالتباس الكبير عن النيّة الإسرائيلية للوصول إلى اتفاق، في حين أن الحديث عن تأجيل استخراج الغاز من حقل “كاريش” حتى شهر تشرين الأول ما زال كلاماً إعلامياً ولم يصدر عن شركة “إنرجيان” الملتزمة استخراج الغاز من “كاريش”، ولا حتى عن وزارة الطاقة الإسرائيلية.
ما يُمكن قوله في الوقت الراهن هو أن إسرائيل تُمارس حرباً نفسيّة متصاعدة، وذلك عبر إشاعةِ تفاصيل ومعطياتٍ تصبّ في إطار لعبة الإعلام لا أكثر ولا أقل.
وما يتأكد في اللحظة الحالية، هو أنّ كل الأمور ما زالت مرتبطة بكلامٍ فقط، فلا شيء يمكن جزمهُ من قبل أي طرف. ففي لبنان، القراءة مستمرة لما تبثه وسائل الإعلام الإسرائيلية من تقارير، إلا أنه لا تسليم بمضمونها أو حيثياتها. وفي هذا الإطار، يبرز موقفٌ واحد: نحنُ بانتظار عودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، والطرح الذي سيحمله ستتم مناقشته حصراً بمنأى عن أي كلامٍ إعلامي آخر.
في المعلومات المتوافرة حتى الآن، فإنّ عودة هوكشتاين إلى لبنان ما زالت مؤجلة كما أنه لم يجرِ تحديدها بعد، في حين اعتبرت مصادر متابعة لملف التفاوض أن الزيارة يجب أن تكون قريبة كي تعكسَ وجود نية إسرائيلية حقيقية لإتمام الترسيم.
المُماطلة الإسرائيلية.. ما هي آفاقها؟
منذ أكثر من أسبوعين، برزت على ساحة الترسيم نصوص اقتراحات عديدة “غير مؤكدة”، أبرزها أن إسرائيل ستمنح لبنان المساحة المرتبطة بالخط 23 والاحتفاظ بالمنطقة المتنازع عليها كاملاً بين الخطين 1 و 23 بما يشمل حقل قانا. في المقابل، اشترطت اسرائيل، بحسب تقارير وسائل الإعلام هناك، أن يدفع لبنان لإسرائيل ثمن المنطقة المتداخلة، أي أنه يجب أن يقدم المال لتل أبيب لقاء ثلث حقل قانا من أجل الحصول عليه كاملاً.
مقابل ذلك، فإنّ إسرائيل راهنت أيضاً على اكتسابِ منطقة الـ”B1″ المُتحفظ عليها عبر تعديل نقطة انطلاقة الحدود البحرية من رأس الناقورة باتجاه الشمال. وبذلك، فإن الإسرائيلي بإمكانه تحقيق مكاسب أمنية وجغرافية عبر الحصول على نفق الناقورة في حال تحقق التعديل المزعوم، وبالتالي ضمان الساحل الفلسطيني أمنياً بشكل كامل.
ومؤخراً، زعمت قناة الـ”12” الإسرائيلية وجود اقتراح آخرَ يشير إلى أنه سيتمّ إعادة تعيين الحدود البحرية بحيث سيتمّ بناء منصتين للغاز، الأولى في لبنان فيما الثانية ستكونُ في الجانب الإسرائيلي.
وزعمَت القناة أن “جزءاً من المنصة اللبنانية سيكونُ موجوداً داخل البقعة البحرية الإسرائيلية، على أن يتمّ تقاسم الأرباح المالية نتيجة ذلك بين لبنان وإسرائيل”، وأضافت: “ستكون المسافة الفاصلة بين كلّ منصة نحو 5 كيلومترات، وبذلك سيتحقق توازنُ الرّعب الذي سيمنع مختلف الأطراف من مهاجمة المنصة الإسرائيلية”.
عملياً، فإن هذين الاقتراحين يكشفان عن نية إسرائيليّة لقضمِ مساحات لبنانيّة قد ترتبط بثلث حقل قانا التي تُراهن إسرائيل على انتزاعه لصالحها في حال لم يدفع لبنان ثمنه كما زعمَت التقارير الإسرائيلية.
وبمعزل عن أي سيناريو مطروح، فإن ما يتوجب حصوله هو رفض الدولة تماماً لأيّ مطلبٍ ينتقص من سيادتها شكلاً ومضموناً، باعتبار أن المحاولات الإسرائيلية لضرب الحقوق اللبنانية، قائمة وبقوة.
ما يُمكن قوله وسط كل ذلك هو أنّ المُماطلة الإسرائيلية بارزة من خلال إشاعة معطيات مُتضاربة عن الترسيم، والخوف الأكبر هو أن يستمرّ هذا الأمرُ حتى منتصف أيلول المقبل، التاريخ المُرتقب لاستخراج الغاز من حقل “كاريش”. وعند هذا الأمر، تبرز مخاوف من أن تستغل إسرائيل الانتظار اللبناني لنتائج الوساطة الأميركية، وتقوم بسحب الغاز قبل حدوث أي اتفاقٍ عملي وواقعي. وبهذا، ستكونُ تل أبيب قد حققت ما تريده عبر تأجيل أي مواجهة، في حين أنّ تبريرها قد يكون وفق التالي: لم ننسَ الترسيم وندرس الاقتراحات، والتنازل عن استخراج الغاز ليس قائماً. إلا أنه في المقابل، يُطرح السؤال التالي: هل سيقبل “الحزب” بكل ذلك؟ ما هي نظرته لتلك المماطلة وآفاقها؟
رغم أسلوب المماطلة الذي تعتمده تل أبيب، يبدو واضحاً أن “الحزب” يترقّب الرد الأميركي ويستعدّ للانخراط في أي معركة مُحتملة. الأمرُ هذا بات معروفاً، ولكن النقطة الأساسية التي تحتاجُ للإجابة: هل يعتبرُ “الحزب” النقاش الإسرائيلي بشأن ترسيم الحدود هو مماطلة أم واقعٌ عادي يقترن بملفٍ مهم أمنياً واستراتيجياً؟
في هذا الإطار، تقولُ مصادر مقربة من “الحزب إنّ “ما يعني الحزب حصراً هو الورقة التي سيحملها هوكشتاين عند عودته إلى لبنان”، مشيرة إلى أنه “طالما تأخر الوسيط الأميركي بالعودة، فإن الحزب يرى الأمور قد دخلت في إطار المماطلة، وبالتالي فإن الانتظار لن يدومَ طويلاً”.
المصادرُ عينها تكشف إن “يوم العاشر من أيلول قد يكونُ النهار الذي تنتهي فيه فترة الانتظار، على أن تبدأ بعد ذلك الخطوات العملانية”، وذلك في إشارةٍ إلى إمكانية حصولِ ضربة عسكرية غير معروفة المكان والزمان.
مع ذلك، فقد شدّدت المصادر على أن كل ما يتم تناوله عبر الإعلام الإسرائيلي “لا يعني الحزب”، موضحة أن “الأخير ينتظرُ الطرح الإسرائيلي، والمهلة باتت تضيق كثيراً”.
وفي خضمّ هذا المشهد، تبرزُ ثغرة أساسية ترتبطُ بأنّ لبنان لم ينتزع مطلبه الأساس بالتنقيب عن النفط في أي بقعة من أراضيه، سواء حصل ترسيم الحدود الجنوبية من عدمه. إزاء ذلك، تقول وجهة نظر لمراقبين إنه إذا كانت إسرائيل تتجنب فعلاً أي صدامٍ عسكري مع لبنان، فإنّ النقطة الأولى التي يجب التشديد عليها مع الأميركيين هي إعطاء الضوء الأخضر للبنان بالبدء عن التنقيب في أي بقعة يريدها ومن دون أي عوائق. عندها، فإن معطيات أي معركة قد تتراجع طالما أن لبنان استطاع أخذ أول مطلبٍ يريده، وبالتالي فإن تسوية ملف الحدود البحرية الجنوبية ستعود لتُطبخ على نارٍ هادئة.
وتعليقاً على هذا الأمر، تشيرُ المصادر المقربة من “الحزب” إلى أنّ “أي طرحٍ من هذا القبيل يستحق النقاش”، مشيرة إلى أنه “قد لا يكون هناك مانع لدى الحزب بخطوة السماح للبنان بالتنقيب عن النفط والغاز في الحقول غير الخلافية قبل تسوية ملف الحدود البحرية الجنوبية”. وأضافت: “فليسمح الأميركيون لشركة توتال الفرنسية بالتنقيب في لبنان، وعندها سيأخذُ الأمر منحى مختلفاً، علماً أننا قادرون على حماية حقوقنا في أي توقيتٍ وزمان”.
في مقابل ذلك، تقول وجهة نظرٍ أخرى إنّ حصول لبنان على حق التنقيب يمكن أن يؤجّل ملف ترسيم الحدود الجنوبية. ففي حال استطاع لبنان إنشاء منصات للغاز، عندها ستصبح أوراق قوته أصعب، وبالتالي التهديد الذي يطاله سيزدادُ بشكل كبير، وهذا ما تُراهن عليه إسرائيل. وبمعنى آخر، إذا أصبحت للبنان منصات خاصة بالغاز، ستقوم إسرائيل بشنّ أي هجومٍ عليها في حال تعرضت منصاتها لأي ضربة عسكرية من قبل “الحزب”، ولهذا فإن الخسائر ستكون أعمق على لبنان.
وفي حال جرى التركيز في آخر طرحٍ روّجت له وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن سيناريو وجهة النظر الثانية سيتبين حُكماً، إذ أن إسرائيل باتت من الآن تطرح معادلة جديدة للرّدع وهي: منصة مقابل منصة، وهذا ما على “الحزب” إدراكه تماماً.
إلا أنه وسط ذلك، هناك ثغرة لا يمكن إغفالها وهي أن لبنان ليس لديه شركة خاصة للتنقيب، وبالتالي فإن من سيتولى تلك العملية هي شركة توتال الفرنسية بحُكم الواقع. وبذلك، فإن أي ضربة لأي منصة في لبنان، يعني ضربة لشركة “توتال”، وهذا أمرٌ لن يقبل به الفرنسيون والأميركيون.
إذاً، فإن إسرائيل ستُصاب بانتكاسة على هذا الصعيد، فالمنصة الخاصة بلبنان ستكون مُحصنة بغطاء دولي، في حين أن المنصات الإسرائيلية ستكون تحت ضربات “الحزب” في أي لحظة من دون أي عوائق.
لهذا، فإن أي مبادرة لمعركة قد تتجلى في الوقت الراهن من دون أي تأجيل، أي أن توقيتها وهدفها سيرتبطان بسلة متكاملة للحقوق، لأنه في وقتٍ لاحق ستكون الشروط أصعب بشكل كبير. وخلاصة القول هي إنّه الأفضل للبنان أن يحسم أمر الحدود في الوقت الراهن باعتبار أن الخسائر الاسرائيلية ستكون أكبر الآن. وعليه، فإن الرهان يكمن في أن يحصل لبنان على كافة حقوقه بشكل كامل مُتكامل من دون أيّ نقصان وبعيداً عن التجزئة التي تضرّ ولا تنفع أبداً، لا عسكرياً ولا سياسياً.