عن المعنى الحقيقي للتنمر
المشكلة هنا، أن الجدل في مواقع التواصل، ركز على قضايا ثانوية على هامش المهرجان نفسه، بمساهمة فاعلة من النجوم المشاركين فيه. ولعل أكثر ما يثير السخط تجاه الجدل الذي خلقه نجوم المهرجان، هو شعور بعضهم بـ”التنمر” إثر ردود أفعال الجمهور، على حضور الفنانين على السجادة الحمراء، والانتقادات الساخرة التي طاولت أزياءهم، وبالتحديد مجموعة “الميم” التي طاولت بشكل خاص الممثلة دينا الشربيني.
وتصدرت الشربيني الكلمات الأكثر بحثاً في نطاق مصر بمحرك البحث “غوغل”، وتحول اسمها إلى “تريند” في “تويتر” ضمن مصر ودول أخرى مثل لبنان أيضاً، ورغم أن الشربيني، الضحية الأكبر للتعليقات العنيفة، لم تعلق على ردود الأفعال مكتفية بإغلاق التعليقات على صفحتها الخاصة في “إنستغرام” ومن دون بكائيات خالية من المعنى، تصدر فنانون آخرين المشهد بلغة دفاعية، وكأنهم يخشون أن تصل التعليقات الحادة إليهم، اليوم أو في المستقبل.
وكانت الممثلة السورية كندة علوش طرفاً بارزاً في النقاش، بتغريدة انتشرت على نطاق واسع، قالت فيها أن “التنمر ليس قسراً على الأطفال، فالهجوم السخيف والمؤذي الموجه ضد الفنانة دينا الشربيني وفنانات كثيرات غيرها هو أبشع أنواع التنمر.. إن لم يعجبك فستان هذه الفنانة أو تلك فعبّر عن رأيك بأدب، أما السخرية من الشكل بسبب زاوية تصوير سيئة أو فقدان الوزن أو زيادته أو..إلخ، فهو فعل عنصري لا إنساني”.
كما كتبت الممثلة ياسمين رئيس على حسابها في “إنستغرام: “صباح الخير ويا ريت الناس تهدى شوية عشان خلاص والله أنا تعبت نفسياً مش عارفة المفروض الواحد يتشتم ويسكت يعني”، قبل أن تعلن أنها أقفلت التعليقات في صفحتها في “أنستغرام” لأنها “مش قادرة على استقبال أي طاقات سلبية في تعليقات الناس على حاجات زي أن الناس جعانة وأنتم فرحانين أو الناس ماتت وأنتم بتحتفلوا، أو افرحوا افرحوا بكرة ترقصم فى جهنم، كفاية حرام عليكم كفاية، هو احنا إيه بالنسبالكم؟ مبنحسش مش بشر زيكم!!”
ويجب القول أن استخدام مصطلح “التنمر”، يأتي بعد الحملة الكبيرة التي قادتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، تحت هاشتاغ #أنا_ضد_التنمر، لكن مساواة أولئك المشاهير انتقادات الجمهور لهم، مهما كانت قاسية، بالتنمر الحقيقي الذي يتعرض له الأطفال في المدارس، يبقى أمراً غير مبرر، يظهر عدم فهمهم للأثر النفسي والاجتماعي الذي يحدثه التنمر ضد الأطفال، فضلاً عن أنه تهويل من قضية لا تستحق كل ذلك الاهتمام. وكأن الفنانين المصريين يستعيرون من الدولة حساسيتها ضد الكلام، بغرض ضبط الرأي العام ضدهم، وهو ما يتعذر، لأنه ببساطة جزء من لعبة الفن، ومن يتأفف منها عليه تركها بمميزاتها وعيوبها، لا أن يطمح إلى تأديب جمهوره!
والحال أن غضب الفنانين وردّة فعلهم تبدو طفولية بعض الشيء، وذلك ببساطة لأن واحدة من ضرائب الشهرة هو التعرض المستمر للرأي العام، بكل ما فيه من تربص وحِدّة وسخرية. حياة الشخصيات العامة دائماً ما تكون تحت الأضواء، وهو ما يعرض المشاهير إلى طيف واسع من الانتقادات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من أكثرها محافظة إلى أكثرها تحرراً. وغالباً ما تكون لغة التعليق قاسية وساخرة من دون تحفظ. فلماذا إذن يتعامل الفنانون مثل الأطفال، وكأنهم يريدون ضبطاً لانفعالات الجمهور وتعليقاتهم؟
هذه الحالة تصبح أكثر خصوصية في الوقت الحالي، بعدما صارت يوميات الفنانين متاحة للجميع في مواقع التواصل الاجتماعي وبأيدي الفنانين أنفسهم لا بتلصص الباباراتزي، أو بحصار الصحافة الفنية. وبالتالي، يجد الفنان نفسه في مواجهة يومية مع متابعيه، مع كل مقطع فيديو ينشره في “فايسبوك” أو كل صورة سيلفي يشاركها في “إنستغرام”!