ازدياد في عدد جرائم الابتزاز الإلكتروني: قوى الأمن بالمرصاد وجمعيّات تتابع تأهيل الضحايا
صدى وادي التيم-لبنانيات/
مع اتّساع النطاق الرقمي في العالم وسرعة تطوّر الإنترنت، انتشر التحرّش والابتزاز بواسطة الوسائل الإلكترونية. وتشير آخر الإحصاءات في لبنان عام 2020، إلى أنّ 76% من ضحايا الابتزاز الإلكتروني هنّ من النساء، و12% منهنّ في سن المراهقة. وتتعدّد أسباب هذه الأزمة، فيما يُعدّ الحجر المنزلي نتيجة جائحة كورونا وزيادة الحاجة لاستخدام الإنترنت في تلك الفترة، أبرز الأسباب لتفاقمها.
ليلى، ابنة الـ 23 عامًا (اسم مستعار) وقعت، قبل ثلاث سنوات، ضحية ابتزاز جنسي إلكتروني من قبل شخص مجهول إثر نشوء علاقة عاطفية معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. تطوّرت الأمور تدريجيًا، وصولًا إلى مرحلة إرسال صور حميمية، “في لحظة ضعف”، على حدّ تعبيرها.
وتشير إلى أنّه، بعد مُدّة قصيرة، بدأ المبتز بتهديدها بنشر الصور، في حال لم يحصل على مبلغ من المال، مضيفةً: “في هذه اللحظة، شعرت بحجم الورطة التي أوقعت نفسي بها، وانتابني شعور بالخوف الشديد”.
وتلفت ليلى إلى أنها كانت أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الرضوخ للابتزاز والدخول في دوّامة من الطلبات المتكرّرة، أو اللجوء إلى الجهات المختصّة. قرّرت أن تُخبر شقيقتها الكبرى بالأمر، فساندتها شقيقتها ودعمتها لتقدّم شكوى إلى القضاء المختص. تمّ تحويل الملف إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية في وحدة الشرطة القضائية. تمكّنت عناصر المكتب من تحديد هوية المُبتز ومكان تواجده، وتوقيفه خلال أسبوع. اعترف الموقوف بما نُسِب إليه وقد ضُبط الهاتف الذي كان بحوزته وفيه الصور كافة، وتمّ تحويله إلى القضاء المختص.
قوى الأمن بالمرصاد
في هذا السياق، يؤكّد مصدر أمني متابع لقضايا الجرائم الإلكترونية أنّ “قوى الأمن الداخلي لا توفّر جهدًا في مكافحة هذه الجرائم وكشف الفاعلين والمتورّطين وتوقيفهم”، مشيرًا إلى أنّ “قوى الأمن، بما تملك من معدّات، تمكّنت من رفع منسوب الثقة لدى المواطنين، وبالتعاون معهم، يمكن معالجة كل المشاكل في هذا المجال”.
ويدعو المصدر الأمني جميع المواطنين، والنساء على وجه الخصوص، باعتبارهنّ من الفئات الأكثر عرضة للابتزاز، إلى “عدم أخذ صور فوتوغرافية أو تصوير أنفسهم عبر الفيديو بشكل غير لائق تحت أيّ ظرف من الظروف، أو قبول دعوة أشخاص أو حسابات مجهولة، كي لا يقعوا ضحية ويتمّ استغلالهم من قبل الآخرين”.
وردًّا على سؤال حول أولى الخطوات الواجب اتخاذها من قبل الضحية في حال وقوعها في فخ الابتزاز، يؤكد المصدر على ضرورة “الإبلاغ فورًا عن هذه الحالات عبر صفحات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي على تطبيق “فيسبوك” (lebsif) أو من خلال خدمة “بلّغ” على موقعها الإلكتروني، http://isf.gov.lb/en/report، أو تقديم شكوى لدى النيابة العامة الاستئنافية المختصّة”، مشيرًا إلى أنه “يمكن طلب المساعدة عبر الاتصال بمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية في وحدة الشرطة القضائية على الرقم: 293293/01”.
ويحذّر المصدر من خطورة الرضوخ للابتزاز، معتبرًا أنّ “بعض الضحايا يتردّدن في الإبلاغ خوفًا من الفضيحة، وهنا تكمن أهمية عدم الاستجابة والخضوع للجاني، وإنما اللجوء إلى الخط الساخن لكي تتمكّن الأجهزة الأمنية من تعقّب الفاعل، وتقديم شكوى إذا اقتضى الأمر”.
دعم نفسي وقانوني
ونتيجة الأثر النفسي الذي يقع على الضحية، تبرز الحاجة إلى تقديم المساعدة والدعم النفسي لها. وفي هذا الإطار، تشير المساعِدة الاجتماعية في جمعيّة “كفى” سيلين الكك إلى أنّ “الضحية تعتبر نفسها شريكة في جريمة الابتزاز. لذلك، فور تواصلها مع الجمعيّة، نعمل على معالجة هذا المفهوم الخاطئ لديها، بمساعدة اختصاصيين نفسيّين واجتماعيين، ونُفسّر للنساء أو للمراهقات أنّهن ضحايا، ونُقدّم لهنّ الدعم النفسي المطلوب، من خلال اختصاصيين، لاستعادة الثقة والاستعداد للمواجهة”.
وتوضّح الكك أنّ “الضحايا عادةً يخفن من الفضيحة، وهنا من الضروري الإشارة إلى أنّ الجمعيّة تتدّخل مع الضحايا بشكل فردي وبسريّة تامة”، داعيةً كل النساء والمراهقات إلى اللجوء إلى الجمعيّات التي تُقدّم خدمات للنساء في مواجهة العنف كجمعيّة “كفى”، خصوصًا أنّ الابتزاز الجنسي الإلكتروني هو أحد انواع هذا العنف.
من جهة أخرى، تلفت المديرة التنفيذية في “الهيئة الوطنية لشؤون المرأة” ميشلين مسعد إلى أنّ “الهيئة الوطنية تابعة لرئاسة مجلس الوزراء وهي تعمل على صعيد الاستراتيجيات وخطط العمل وتنفيذ المشاريع على الصعيد الوطني”، مشيرةً إلى أنّ “متابعة الضحايا نفسيًا تتمّ عبر الجمعيّات الأهلية، ونحن على تنسيق وثيق معها ومع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي”.
جولات توعويّة
وعن أهميّة التوعية في الحدّ من الجرائم الإلكترونية، وبالتحديد الابتزاز الجنسي، تُشير مسعد إلى أنه “في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، وضمن مشروع مناهضة العنف ضدّ المرأة ومناهضة الابتزاز الالكتروني، قمنا بإعداد فيديو توعوي ونشره عبر وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي، وقد فاز بجائزة أفضل فيلم توعوي في مسابقة اختيار أفضل 5 أفلام توعويّة، في مجال مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات، في المؤتمر الـ 45 لقادة الشرطة والأمن العرب في تونس في 8/12/2021”.
وتلفت مسعد إلى “أننا نقوم بسلسلة من الجولات على المدارس الثانوية الرسمية ضمن مشروع “فتيات متمكّنات وقادرات: التعليم للجميع”، وحتى الآن، وصلنا إلى 3000 طالبة. وخلال هذه الجولات التوعويّة، نقوم بعرض مقاطع فيديو توعويّة حول الابتزاز الإلكتروني”.
وتؤكّد أنّ “هدفنا من الجلسات مع الطالبات هو التوعية على كل أشكال العنف، ومنها الابتزاز الإلكتروني، وطرق الوقاية منها والتعريف على آليات الحماية المتوفرة التي تؤمّنها الدولة اللبنانية من خلال وزارة التربية عبر الخط الساخن 01772000”.
بدورها، تُشدّد الكك على أنّ “التوعية أمر أساسي كونه يشكّل نوعًا من الوقاية، ونحن في الجمعيّة خضعنا لتدريبات حول الابتزاز الإلكتروني وكيف يمكن للنساء حماية أنفسهن من خلال خاصيّة السريّة، ويمكن مساعدة الفتيات من خلال الاختصاصيين الذين يقومون بإرشادهنّ حول كيفية حماية الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وما هي الحالات التي من الممكن أن يتعرّضن فيها للابتزاز، وهنا تكمن أهمية لجوء النساء للجمعيّات”.
في السياق نفسه، يتطرّق المصدر الأمني إلى مسألة المراهقات، مُشدّدًا على أهمية دور الأهل في هذا المجال، وضرورة الحفاظ على التواصل الدائم بين الأهل والأبناء، لكي لا تخاف الضحية من الفضيحة في حال تعرّضت لمثل هكذا حوادث.
ختامًا، تُعتبر مكافحة العنف الواقع على النساء والفتيات عبر الإنترنت، مشروعًا طويل الأمد، ولا يمكن أن يختصره توقيف الأشخاص، وضبط الحسابات فقط. ومع أنّ هذا النجاح يُشكّل مصدر ثقة للمستخدِمين، إنما لا بدّ لمن له علم بهذه الجرائم أن يُبادر إلى الإخبار عنها، كما أنّ على الضحية التعاون مع قوى الأمن، ومع الموثوقين في هذا المجال، لأنّ السكوت عن أيّ تهديد أو ابتزاز والخضوع لأيّ استغلال مادي أو معنوي، سيُشّجعان أيّ مبتز على الاستمرار في جريمته.