هذا ما سيحصل في حال “دولرة البنزين”

 

 

 

صدى وادي التيم-لبنانيات/

كثُر الكلام في الآونة الأخيرة حول تداعيات اتخاذ قرار “دولرة” البنزين ورفع الدعم عن هذه المادة الأساسية، ما أثار جدلًا واسعًا بين مؤيّدٍ ومعارضٍ لهكذا خطوة، فيما الثابت بحسب إجماع الاقتصاديين أنّ تداعياتها ستكون خطيرة على الاقتصاد الوطني وستؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية أكثر فأكثر. وفي حين استبعد ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا إمكانية إقدام مصرف لبنان على وقف دفع الدولارات إلى الشركات النفطيّة على سعر صيرفة، لما سيكون لهذا القرار من تداعيات على المواطنين، أشار عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس إلى أنّ قرار رفع الدعم الكامل عن مادة البنزين لم يُتخذ ولا يزال قيد الدراسة والبحث. 

وفي هذا الخصوص، أوضح أبو شقرا في حديثٍ لموقع “العهد الإخباري” أنَّ سعر صفيحة البنزين اليوم أصبح حوالي 700 ألف ليرة لبنانية، وذلك على الرغم من أنَّ مصرف لبنان يدفع للشركات النفطية دولارات على سعر صيرفة 24900 ليرة، إلاّ أنَّ ارتفاع النفط عالميًا أوصل الصفيحة إلى ما هي عليه اليوم. 

وسأل أبو شقرا: “إذا أردنا أن نحسبها على سعر صرف السوق، أين يصبح سعرها؟، وهل تستطيع الدولة أن تتحمل تداعيات هذا الأمر وهذا الارتفاع؟”، مؤكدًا أنَّ الدولة لا تستطيع أن تتحمل تبعات هذا الموضوع. 

وأشار إلى أنَّ الكلام عن “دولرة” المحروقات وتحديدًا البنزين كلامٌ سياسي، معتبرًا أنَّه “طالما الناس “نائمة” سيبقى الدولار يرتفع وأسعار المحروقات ترتفع، وقد مرَّ على الأزمة 4 سنوات ولا حلّ لارتفاع سعر صرف الدولار”. 

وختم أبو شقرا قائلًا: “إذا بدأنا من اليوم باحتساب سعر البنزين وفق سعر دولار السوق السوداء، ولدينا 3 آلاف محطة محروقات تريد جمع دولارات من السوق، فكم سيصبح سعر الصرف؟”. 

من ناحيته، لفت عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس إلى أنَّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان قد طلب من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاستمرار بدعم البنزين على أساس سعر منصة صيرفة لشهرين إضافيين، ولكن مصرف لبنان أخبر وزارة الطاقة مؤخرًا أنَّه غير قادر على استكمال تأمين الدولار من خلال منصة صيرفة لدعم القطاع. 

وكشف البراكس في حديث لموقع “العهد” أنَّ هناك تواصلًا بين مصرف لبنان ووزارة الطاقة ورئيس الحكومة والشركات المستوردة لوضع الآلية المناسبة حتى يُصار إلى اتخاذ القرار، موضحًا أنَّه لم يتم التوصل حتى الآن إلى قرار للتنفيذ، وإنما هناك خطة لم يُتخذ القرار بعد بشأنها. 

وأكَّد البراكس أنَّ “توقّف العمل بمنصة صيرفة يعني أنَّ البنزين سيُستورد بالدولار حسب سعر السوق حكمًا، وهناك فرق بين سعر صيرفة وسعر السوق بحدود 4 آلاف أو 4100 ليرة، وهذا الفرق حُكمًا سيُضاف على سعر صفيحة البنزين، ما يعني زيادة سعرها بحدود 100 ألف ليرة”. 

وبيَّن أنَّ “الشركات ستلجأ إلى بيع البنزين إلى المحطات بالدولار، كما هو الحال بالمازوت، وبالتالي ستلجأ المحطات إلى التسعير بالدولار بحسب السوق السوداء، وهذا ما يجري دراسته الآن”. 

وسأل البراكس “لماذا كلّ السلع الأخرى تُسعّر بالدولار ولا يُسعّر البنزين بالدولار؟، وعندها المستهلك يصبح عنده الخيار إمّا أن يدفع بالدولار أو بالليرة على سعر السوق حتى يبقى البنزين متوفرًا بالمحطات”، وأكَّد مجددًا أنّ كلّ ما يُحكى الآن هو دراسات ومشاورات ولم يُتخذ القرار حتى اللحظة.

من جهته، كشف الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي أنَّه “حصل اليوم اتفاق بين رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان على وقف إعطاء دولارات للشركات المستوردة للنفط، وطُلب منهم تأمين الدولارات”، مبيّنًا أنَّ هذا يعني بالتأكيد أنّهم سيلجأون إلى السوق السوداء. 

جباعي لفت في حديث لموقع “العهد” إلى أنَّه جرى اتخاذ هذا القرار لعدّة أسباب أبرزها “ارتفاع أسعار النفط عالميًا وقيمة المستوردات صارت ضعف ما كانت عليه قبل الحرب الروسية – الأوكرانية، ما يعني أنّ كلفة الدولار صارت مضاعفة وهذا يفوق طاقة المصرف المركزي الذي لا يمتلك أصلًا فوق الاحتياط الإلزامي، حيث كان يلجأ إلى السوق السوداء لتجميع الدولارات ووضعهم على منصة الصيرفة”. 

وتابع جباعي: “مصرف لبنان لم يعد يمتلك الدولارات، فالمبالغ التي جمعها أخيرًا مليار و190 مليون دولار أنفقهم على منصة صيرفة بأسبوعين تقريبًا. وبالتالي فإنّ حجم الدولارات المتوفرة في المصرف المركزي لا تكفي لدعم البنزين، وإلاّ فسيضطر مصرف لبنان إلى اللجوء للسوق السوداء لتأمين الدولارات، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع إضافي بسعر صرف الدولار بشكل كبير جدًا”. 

وأكَّد الخبير الاقتصادي أنَّ لهذا القرار انعكاسات، أبرزها أنَّ “سعر صفيحة البنزين اليوم 27 دولارًا لكن تحتسب على أساس 24600 ليرة أو 24700 ليرة، حسب سعر صيرفة. فإذا صارت على سعر صرف الدولار في السوق السوداء 29 ألفًا، يعني سيرتفع سعر الصفيحة بنحو 110 أو 120 ألف ليرة، ما يعني أنّها ستصل إلى حوالي 820 ألف ليرة”.

وأشار إلى أنَّ “الأمر لا يقتصر على ارتفاع سعر صفيحة البنزين، فإذا اتخذ مصرف لبنان هكذا قرار، فإنّ الشركات المستوردة للنفط ستشتري ما تحتاجه من دولارات من السوق السوداء لاستيراد البنزين بمعدل ما بين 15 – 16 مليون دولار يوميًا وخاصة مع قدوم المغتربين حيث سيزداد استهلاك البنزين خلال أشهر 6 و 7 و 8 و 9”. 

وأضاف جباعي: “المغتربون سيستأجرون السيارات وبالتالي سيكون الطلب على البنزين أكبر، كما أنّ شركات النفط ستكون مضطرّة لتأمين كميّات أكبر، بما يجعل حاجتهم إلى 20 مليون دولار يوميًا، وهذا الأمر لوحده سيؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى أرقام قياسية”.  

وأردف قائلًا: “بالتالي سيرتفع سعر صفيحة البنزين لأنّه سيحتسب على أساس سعر السوق السوداء، وكذلك المازوت والغاز وكل الأمور الأخرى المتعلقة بالمحروقات (مواد غذائية وغيرها)، وهذا سيأخذنا إلى تضخم عالٍ جدًّا”. 

وتابع: “ما تقدّم يعني مزيدًا من انهيار القدرة الشرائية للمواطنين، وكلّ من يتقاضى بالليرة اللبنانية لن يعود قادرًا على شراء البنزين، وبالتالي فإنّ الموظف الذي يتقاضى 10 ملايين ليرة سيدفع نصفهم للبنزين، أمّا لو كان يتقاضى 3 ملايين أو 4 ملايين وحتى لو5 ملايين فلن يستطيع أن يزوّد سيارته بالبنزين للذهاب إلى عمله”.  

وبيَّن أنَّه “من هنا سنواجه كارثة اجتماعية وانفجارًا اجتماعيًا كبيرًا جدًا في حال تم اتخاذ هذا القرار، ومن ثم سنصل إلى حلقة مفرغة؛ بمعنى أنَّ ارتفاع سعر البنزين سيؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار لأنّ الطلب سيزداد على البنزين، وارتفاع سعر الدولار سيؤدي إلى ارتفاع سعر البنزين، مما قد يوصلنا إلى أرقام قياسية لأسعار الدولار والبنزين”. 

ورأى جباعي أنَّه “إذا اتخذ مصرف لبنان هذا القرار، فإنّ سعر صفيحة البنزين سيتخطى المليون ليرة لأنَّ سعر الدولار لن يبقى على 28 ألفًا بل سيصل إلى 37 ألفًا وربما 40 ألفًا”. 

وأضاف: “إذا لم يضبط سعر صرف الدولار ولم تكن هناك آلية جديدة لتحسين الأجور لن تكون هناك إمكانية لحلّ المشكلة الاجتماعية في البلد”، مؤكدًا أنَّه لا إمكانية لإيجاد حل للأجور في المرحلة الحالية. 

كما لفت جباعي إلى أنَّه “اليوم ليس أمام لبنان سوى مدخل واحد للحل وهو النفط والغاز، وإذا لم يذهب لبنان إلى استخراج الغاز والنفط من البحر وهي ثروة تُقدّر بمئات المليارات من الدولارات فلن يكون هناك إمكانية لمعالجة الأزمات المالية والإقتصادية ولا الاجتماعية”، مشيرًا إلى أنَّه “إذا بدأ لبنان التنقيب واستخراج الغاز والنفط وجاءت الشركات النفطية يعني صار هناك “فريش دولار”، عندها يمكن للحكومة اللبنانية أن تعمل على تحسين الأجور”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى