الرملة البيضاء تجتاحها المجارير.. و12 شاطئاً تُحظّر فيها السباحة

صدى وادي التيم – لبنانيات /

ترتفع قيمة تعرفة ارتياد الشواطئ والمسابح واشتراكاتها في المناطق اللبنانية كافة، على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار. فوصل متوسّط ارتياد أي مسبح إلى ما بين 200 و300 ألف ليرة لبنانية، عدا عن مصاريف الطعام والشراب وغيرهما، في العاصمة بيروت ومحيطها القريب. ولم يعد لمعظم سكان المدينة متنّفس بعد انعدام قدرتهم الشرائية، سوى الشاطئ العام الوحيد المجاني في الرملة البيضاء.

مجارير الفساد
وشاطئ الرملة البيضاء تتجلى فيه خلاصة الفساد اللبناني: ظهور مستنقعات من مياه المجارير على طوله، حيث يجلس روّاده ويسبحون.

مصدر مستنقعات الصرف الصحي على هذا الشاطئ، هو أنابيب مياه المطر التي تصب على رموله لا في عمق البحر، إضافة إلى أنابيب الصرف الصحي المركبّة على جوانب الشاطئ. وهذا ما كشفه رئيس جمعية “نحن” محمد أيوب، وهو المتابع لملف التعديات على الأملاك البحرية في لبنان.
ويوضح أيوب لـ”المدن” أن المستنقعات الملوّثة التي نراها بأم العين على أطراف الشاطئ وتصدر روائح كريهة، سببها قيام كثرة من أصحاب النفوذ بتمديد مجارير الصرف الصحي لبناياتهم ومؤسساتهم وتوجيهها إلى الشاطئ. وذلك بغية التوفير المالي، مما يؤدي إلى تكوّن هذه المستقعات على طول الشاطئ خلال فصل الصيف. علمًا أنها لا تظهر في موسم الشتاء نظرًا لتدفق الأمطار الغزيرة واختلاطها بمياه الصرف الصحي.

ويطالب أيوب محافظ بيروت القاضي مروان عبود بقمع هذه المخالفات ووضع حد للتعديات على الشبكة، ويعتبر أن مجلس الإنماء والإعمار شريك مع المتعهدين الحصريين في حلقة فساد كبيرة أدت إلى حصول هذا التلوّث. وهو يشير إلى سبب آخر ساهم في تكوّن مياه الصرف الصحي على شاطئ الرملة البيضاء: تكليف مجلس الإنماء والإعمار متعهد حصري للقيام بمشروع PS1 وPS2 لربطه بشبكة تكرير مياه الصرف الصحي في منطقة الأوزاعي. لكن المتعهد لم ينه عمله بحجة أنه لم يحصل على مستحقاته المالية. وبالتالي ضاعت سدى الأموال التي رصدت لانشاء شبكة تصريف “مجارير لبنان”، وتقدّر بنحو 1.5 مليار دولار، من دون أي نتيجة تُذكر ليس في مشروع الأوزاعي فحسب، بل في كافة محطات تكرير مياه الصرف الصحي التي يبلغ عددها 24 للبنان كله، فلم يتم تفعيلها حتى هذه اللحظة، وبالتالي ستظل المجارير تصل إلى مياهنا وشواطئنا.

يأس على الغارب
على بعد أمتار قليلة من مستنقع يحتوي كل أنواع سموم الصرف الصحي، يستلقي خالد.ع مدركًا خطورة الأمر على صحّته، فيقول بحسرة: “من ظل على قيد الحياة في لبنان رغم كل المصائب التي حلّت عليه، لن يميته مجرور هنا أو مستنقع هناك”، مشيرًا إلى أن “لا خيار لديّ سوى هذا الشاطئ لممارسة رياضة السباحة. فهو الشاطئ القريب من منازل أهل المدينة. ويصل إليه الناس في 5 دقائق على الدراجة النارية. وفي أسوأ الأحوال 10 دقائق عن أبعد نقطة عنه في العاصمة”.

علي.ش وهو أحد روّاد هذا المسبح الشعبي، يتأمل من بعيد مشهد أبنائه الأربعة الذين يلعبون ويسبحون على الشاطئ بفرح، ويعتبر أن المشهد يكفيه ليعوّض مشقات الحياة. ولدى الإشارة إلى تلوّث الشاطئ وتداعياته الصحية عليه وعلى أولاده، بدا متصالحًا مع هذا الواقع وعالمًا به، فاستطرد قائلًا: “المبلغ الذي يتطلبه مني المسبح النظيف أستطيع إطعام به عائلتي لأيام”. وأمل أن تعمل الحكومة على إزالة المجارير و”تأمين هذا المتنفّس الوحيد لنا في ظل الأوضاع الخانقة التي تعصف بنا”.
وعلى مقربة من بقعة المجارير على الشاطئ، يدخّن وليد.ل النرجيلة، فيشير إلى أنه عاطل عن العمل وفقد الأمل بإيجاد فرصة الحصول على حياة كريمة في هذا البلد، متسائلًا بسخرية: “حتى لو وجدت فرصة عمل، هل يسمح لي الراتب بالذهاب إلى مسابح خاصة نظيفة؟! وهل عليًّ أن أنعزل وأتقوقع داخل منزلي وأصاب بأمراض نفسية كي أحمي نفسي من أمراض تلوّث الشاطئ؟!”.

أمراض مزمنة وخطيرة
المكان الذي يفترض أن يكون ملاذًا صيفيًّا ترفيهيًّا لأبناء بيروت في عطلة نهاية الأسبوع، تحوّل بيئة أمراض مزمنة جرّاء فيضان مستنقعات المجارير التي تفوح منها روائح السموم والتلوّث، مهدّدة صحة أبناء العاصمة، ممن لا حول لهم ولا قوة في ظل انهيار ليرتهم وتدهور معيشتهم وانعدام خياراتهم.
“الشاطئ ملوّث وغير صالح للسباحة بسبب الكميات الهائلة للبكتيريا”، يؤكد أستاذ الوبائيات وطب المجتمع في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور سليم أديب، ويشير عبر “المدن” إلى أن المجارير تؤدي إلى أمراض تتوزع بين الآنيّة والخطيرة والمزمنة، نتيجة احتوائها على مواد سامّة تفتك بالأعضاء. ومن هذه الأمراض، الجلديّة والهضميّة، وأمراض العينين والأذنين، إضافة إلى الأمراض المتناقلة مائيًّا كالتهاب الكبد الفيروسي، والالتهاب الرئوي الحاد، والتيفوئيد، وكذلك الأمراض الجلدية التي ترتبط بما تحتويه المجارير من مواد كيمياوية تسبّب حساسيّات جلدية وأمراض، كالفانجي والأكزيما. وهذه تُحدث بقعًا بيضاء على الجلد لا تزول لفترات طويلة.
ويذكر د. أديب أن الأمراض التي تستهدف الجهاز الهضمي هي أكثر ما يمكن أن تتأثر في حال وجود مجارير صرف صحي على الشواطئ. فكل من يسبح في هذا البحر عرضة بنسبة 90 في المئة إلى ابتلاع كميات صغيرة أو كبيرة من مياهه، علمًا أنه يحتوي على أنواع من البكتيريا كالسالمونيلا والشيغيلا تسبّب الإسهال وأمراض المعدة والأمعاء، لا يُشفى منها بسهولة. لافتًا إلى أن الإكثار من المأكولات البحرية من مصادر المياه الملوثة تؤدي على المدى البعيد إلى أمراض خطيرة أبرزها السرطان. ويضيف: “تظهر الأمراض الجرثومية وأمراض الكبد والالتهابات الأخرى، مباشرةً أو بعد فترة وجيزة من التعرّض للمياه، كذلك تتضرر العينين والأذنين عند تعرضها لهذه المواد السامة”.

شاطئًا: لا تسبحوا فيها
التقرير الأخير للمجلس الوطني للبحوث العلمية، الذي صدر في هذا الوقت من العام الماضي، عرض نتائج المسوحات البحرية للشاطئ اللبناني، فأعلن عن وجود 24 موقعاً بحرياً صالحاً للسباحة، من أصل 36 موقعاً أُخذت عينات منها طيلة العام على طول الشاطئ اللبناني.

أما المواقع الثمانية الملوثة بشكل كبير، فإن سبعة منها لا تصلح للسباحة وملوّثة بكميات كبيرة من البكتيريا البرازية أعلى من المستويات المسموح بها، وهي: طرابلس (الميناء مقابل جزيرة عبدالوهاب والمسبح الشعبي)، جونية (المسبح الشعبي الرملي)، الضبية (جانب المرفأ)، أنطلياس (مصب نهر أنطلياس)، بيروت (أسفل منارة بيروت، وشاطئ الرملة البيضاء الشعبي). ويضاف إلى هذه المواقع السبعة شاطئ سلعاتا الشعبي الذي يعتبر مقبولاً من الناحية البكتيريولوجية، غير أن موقعه المحاذي لمعمل الكيماويات، وتأثره بمخلفات هذا المعمل بشكل مباشر، يجعله عرضة للتلوث الكيميائي المثبت والموثق في دراسات سابقة، ولذلك ينصح التقرير بعدم السباحة في مياه هذا الشاطئ.

والمواقع الأربعة المتبقية المصنفة “حذرة” إلى “حرجة غير مأمونة”، وتعتبر نسب التلوث البكتيري في مياهها متوسطة وتتعرض للتلوث بشكل متقطع أو ظرفي، هي: عكار (القليعات)، المنية (شاطئ رملي خاص)، البترون (شاطئ البحصة العام)، صيدا (الشاطئ الشعبي).

المصدر:المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!