بدء التنقيب في كاريش: صفقة أم حرب؟

صدى وادي التيم – لبنانيات /

لم يكن مفارقةً أن يثير الأمين العام لـ”لحزب” السيد ح س ن ن ص را ل ل ه في إطلالته الأخيرة ملفّ النفط والغاز من باب دعوته الى إجماع وطني على حماية ثروة لبنان النفطية واستخراجها، والبلاد على أبواب استشارات نيابية ملزمة لتشكيل حكومة جديدة لم تتّضح معالمها بعد وما إن كانت سياسية أو ائتلافية أو تحترم نتائج الانتخابات النيابية.

ولم تكن مقنّعة كذلك التحذيرات التي أطلقها ن ص را ل ل ه في الإطلالة عينها حيال أيام خطيرة تنتظر المنطقة، ولم تتّضح حيثياتها إلا مع الإعلان أمس عن وصول باخرة التنقيب اليونانية الى المياه الإقليمية قبالة مدينة حيفا، حيث من المتوقع أن ترسو فوق الحقل النفطي والغازي في كاريش، إيذاناً ببدء العمل بسحب الغاز ليصبح متاحاً في فترة لا تتجاوز شهرين الى ثلاثة اشهر على أبعد تقدير.

لم يكن موعد وصول الباخرة مفاجئاً للمتابعين لهذا الملف، لكن ما كان مفاجئاً هو الخفّة التي تعامل بها لبنان معه وعدم توصّله الى حسم مسألة الخلاف الداخلي أولاً على تحديد الحدود البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل والتي يدخل حقل كاريش من ضمنها. وذلك بعدما تراجع لبنان عن تسوية النزاع بالقبول بالخط ٢٣ ليعود الى المطالبة بالاعتراف الدولي بالخط ٢٩ الذي يضيف مساحة ١٤٣٠ كيلومتراً مربعاً ويجعل حقل كاريش حقلاً مشتركاً مع لبنان.

مع الأسف، لم ينجز لبنان الرسمي فرضه في التفاوض أو في تسجيل اعتراضه لدى الأمم المتحدة، وهو اليوم يواجه أصعب الخيارات التي تضعه في موقع تفاوضي ضعيف، علماً بأن كل الخيارات المطروحة مع وصول الباخرة ستؤدّي الى مرحلة جديدة من النزاع، أكثر ما يقلق فيها أنها قد تفتح البلاد على الخيار الأمني أو العسكري، في ظل التهديدات التي أطلقها “الحزب” لمنع إسرائيل من التنقيب، فيما المخاوف تنحو في اتجاه أيّ عمل أمني أو عسكري يقوم به الحزب أن يؤدّي الى تكرار تجربة عام ٢٠٠٦، ولكن من خلال “احتلال” بحري إسرائيلي للمياه الإقليمية اللبنانية.

ما الخيارات المتاحة اليوم أمام لبنان مع بدء العد العكسي لاستخراج إسرائيل الغاز من حقل كاريش؟ وهل السلطة القائمة اليوم قادرة على اتخاذ القرارات المطلوبة والسير بها، خصوصاً أن أول رد فعل رسمي صدر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تمثّل باتهام إسرائيل بافتعال أزمة جديدة من خلال التعدّي على ثروة لبنان المائية، وفرض أمر واقع في منطقة متنازع عليها، غافلاً عن حقيقة أن لبنان لم يحصّن هذه الثروة ويحمِها في الوقت المتاح أمامه قبل الوصول الى ساعة الحقيقة.

وإن كان حذّر من تداعيات أيّ خطوة ناقصة، قبل استكمال مهمّة الوسيط الأميركي التي بات استئنافها أكثر من ضرورة ملحّة، فهو دعا الى استئناف التفاوض على قاعدة عدم التنازل، علماً بأن الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل لن يعيد التفاوض الى ما كان عليه.

ثم إن المواكبة الرسمية لهذا التطوّر الخطير لم ترقَ الى المستوى المطلوب، إذ أعاد الاتصال بين رئيسي الجهورية والحكومة أمس

تأكيد مضمون رسالة الاعتراض التي كان لبنان قد تقدّم بها في مطلع شباط المنصرم واعتبرها وثيقة من وثائق الأمم المتحدة، كما عوّل على الوساطة الأميركية المتوقفة أساساً منذ شباط الماضي، تاريخ آخر زيارة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للبنان.

والواقع أن هامش التحرّك ضيّق أمام لبنان مع وصول الأمور الى هذه المرحلة. ولا يمكنه بالتالي التحرّك إلا في الاتجاه الذي يضمن مصالحه ضمن توازن لا يحظر عليه ما هو متاح لإسرائيل. فالأخيرة ستبدأ التنقيب في منطقة متنازع عليها وخاضعة للتفاوض، فيما يُحظر على الشركات العالمية التنقيب في المياه اللبنانية غير الخاضعة للنزاع. وهذا الواقع يقود الى ضرورة تحرّك لبنان مباشرة في اتجاه الأمم المتحدة بصفتها الراعية للمفاوضات غير المباشرة والولايات المتحدة الاميركية بفعل الوساطة التي تقوم بها.

وفي المعلومات المتوافرة في هذا السياق، إن رئيس الجمهورية ميشال عون كان قد طلب عبر السفيرة الأميركية استدعاء هوكشتاين الى لبنان لإعادة إحياء المفاوضات. في الموازاة، كان لرئيس المجلس نبيه بري، انطلاقاً من قلقه المتنامي من العدوانية الإسرائيلية في ظلّ أوضاع داخلية مأزومة، موقف مماثل إذ حمّل قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكنزي رسالة الى الإدارة الأميركية يدعوها فيها الى تحريك الجهود الأميركية من أجل دعم لبنان وأخذ مصالحه في الاعتبار أسوة بما هو حاصل مع إسرائيل.

وبناءً على ذلك، فإن المطلوب داخلياً تحريك المفاوضات بالتوازي مع تحريك الملفّ على مستوى الأمم المتحدة. ذلك أن الخيارات المطروحة اليوم بين الخيار الديبلوماسي عبر الأمم المتحدة من خلال تقديم شكوى لمنع الباخرة من العمل، بالتوازي مع استئناف التفاوض، وإما الذهاب نحو الخيار العسكري عبر استهداف الحزب للباخرة. وما بين الخيارين، ستبدأ الباخرة عملها، ما يعني اعترافاً رسمياً أو تغاضياً عن الحق اللبناني في المياه المشتركة، فهل يتجه الملفّ نحو الانفجار، ما لم يتمّ احتواء تداعياته فوراً تحسّباً لأيّ خطوة تصعيدية محتملة من الحزب أم ثمّة حسابات أخرى قد تؤدّي لاحقاً إلى تسوية ربّما تتكشّف ملامحها من خلال التلويح بالغاز والنفط كحلّ لأزمة لبنان المالية وإعادة أموال المودعين؟

قبل أيام، طرح ن ص را ل ل ه الحلّ لأزمة البلد من خلال تقديم خيارين: لبنان القويّ والغنيّ بالنفط والغاز ولبنان المتسوّل والضعيف. وهو اختار الخيار الأول المدعّم بالمعادلة الذهبية، مؤكداً أن ثروة لبنان النفطية تراوح بين ٢٠٠ و٥٠٠ مليار دولار وهي قادرة على توفير فرص العمل وتحسين وضع الليرة، داعياً الى الإجماع الوطني على هذا الأمر.

هذا التوجّه عاد وأكده أمس رئيس كتلة “الوفاء لل م ق او م ة” النائب محمد ر ع د بدعوته الى الاتفاق “على شركة نختارها نحن بمحض إرادتنا، ونطلب إليها أن تنقّب عن الغاز في مياهنا الإقليمية في الوقت الذي نريده وفي الفترة التي نريدها، ومن يخَفْ من أن يقترب العدو الإسرائيلي تجاه هذه الشركة، فنحن نتكفّل بردّ فعله”.

الأمور تتفاعل، والوقت بات عاملاً ضاغطاً وليس في مصلحة لبنان. فأيّ خيار يسبق؟

المصدر:النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!