17 تشرين تحطّم جدار ساحة النجمة وتدخل مجلس النواب
صدى وادي التيم-لبنانيات/
17 تشرين تحطّم جدار ساحة النجمة وتدخلتدخل مجلس النواب
اعتصموا طويلاً أمام جدار إسمنتي غليظ سدّ السبل إلى ساحة النجمة. حتى السير إليها بدا حلماً مستحيلاً لناشطين اعتادوا افتراش ساحات تشرين، وبُحّت حناجرهم وهم يهتفون ضدّ النظام الفاسد العنيد. لم ييأسوا مع فراغ الساحات وفقدان ثقة كثيرين بـ”الثورة”، وإحباطهم من إمكان التغيير وهجرة ناشطين ومحرّكين لنشاطات الانتفاضة مع الانهيار المتمادي وتلاشي آمال التغيير واستجابة الناس لهم.
كانت الأشهر الماضية مكثّفة بمحاولات الائتلاف بين مجموعات من أجل الاتفاق على مشروع سياسي يؤهل لخوض السباق إلى البرلمان، ولم تكن التجربة ورديّة دائماً. خرجت الخلافات إلى العلن، ورأينا لوائح كثيرة و”إيغوات” تتفجّر، وراهن كُثُر على عدم جدوى الترشّح من أصله.
ما جرى في 15 أيار قد يكون ترجمة لسيناريو واقعيّ، توقّعه مختصّون ومراقبون بوصول كتلة من 10 إلى 15 نائباً من قوى التغيير الى مقاعد البرلمان، بما يُحاكي القانون النسبيّ “المشوّه”، وكفر كثيرين برموز الطبقة السياسية، وانتفاض فئة صامتة أو متردّدة، وممارسة البعض التصويت العقابي في اتجاه الزعماء المنبثقين من “كلّن يعني كلّن”.
الحق يُقال، إنه مع اقتراب الاستحقاق الذي لم يؤخذ على محمل الجدّ لفترة طويلة، واستعار الحملات السياسية الطائفية والتعبئة القصوى، واستنهاض الغرائز والأموال الطائلة التي صرفت في الإنفاق الانتخابي، وطغيان فكرة الصراع بين محورين وفكرة أسود وأبيض ربطاً بالمواجهة بين “الحزب ” وحلفائه، وبين المحور المقابل، بدا أن الفكرة السياسية التي يناضل “التشرينيون” من أجلها قد حجبتها غيوم الحرب الضروس المجرّبة.
احتضن الجبل بشبابه ونسائه والتواقين فيه إلى التغيير لائحة “توحّدنا للتغيير”، التي ضمّت ائتلاف مجموعات تغييريّة ومستقلّين، وذكّر بتجربة العام 2018 حين اقترب التغييريون من الفوز، وخذلتهم الفرقة إلى لائحتين. توّحدوا، وفازوا، وأسقطوا طلال أرسلان، ووئام وهاب بما يمثّلان، وهم الذين لا يهادنون “الحزب التقدمي الاشتراكي” وأطرافاً أخرى شاركت في السلطة.
نجاة صليبا، البروفيسورة والأكاديمية ومديرة “مركز حماية الطبيعة” في الجامعة الأميركية في بيروت، سجّلت فوزاً مبيناً، وحصلت على المقعد الماروني في الشوف، وتقول لـ”النهار” بعيد فوزها: “حاولوا كلّ ما في وسعهم لإسقاطنا. لقد فاجأنا الجميع بالرغم من الأموال الطائلة التي صرفوها وحاولوا شراء أصوات الناس بها، وامتلكوا ماكينة انتخابية ضخمة في مقابل تواضع قدراتنا”. ونوّهت بأن “تصويت الداخل هو الذي أعطى الحواصل، وجاء بعد الزخم الذي بثّه تصويت الدياسبورا لصالحنا”.
بدأت نجاة صليبا مشروع الأكاديمية البيئية في العام 2018 من خلال مشاريع مع البلديات ساعدتها في التعرّف على مشكلات الناس والفساد على نطاق البلديات، كما على النماذج الإيجابية في بعض البلديات. ومكّنها الاختلاط بالناس من تعرّف مشكلاتهم وقهرهم ويأسهم، وكانت تحرص على إيصال رسالة إليهم مفادها: “أنتم طيّبون، فلا تدعوا زعيماً يستغلّكم”.
تستذكر نجاة أيضاً انطلاقتها في جريدة “النهار” في مشروع الشراكة مع “الجامعة الأميركية في بيروت”، حيث كانت تتوالى اجتماعات أسبوعيّة، يحضرها خبراء، للخروج بخطط وحلول للمشكلات البيئية. اليوم نجاة في داخل البرلمان، وسيكون صوتها عالياً دفاعاً عن البيئة و#لبنان المستدام. هذا هو الرهان!
إلى الناشط الشّاب مارك ضو الذي نجح شغل المقعد الدرزي في عاليه، بعد سيطرة أرسلانية مديدة، تمثّلت بشخص طلال أرسلان. ينتمي مارك المحاضر في الجامعة الأميركية إلى نخبة مفكّرة، تطرح حلولاً للأزمات السياسيّة التي يعيشها الكيان منذ عقود.
وفي تعليقه على نتيجة اللائحة “الكبيرة” وما سيليها، يقول لـ”النهار”: “الآن سننتظر لنرى عدد التغييريين النهائي، والذين يفترض أن يجتمعوا للتأثير في البرلمان وفق معايير سياسيّة واضحة”.
ويحظى مارك بتأييدٍ في أوساط شباب عابر للطوائف، وكان من الناشطين البارزين في انتفاضة تشرين.
وفي حديث لـ”النهار” خلال حملته الانتخابية، رأى أن ثمّة شعارات وتعبئة تستخدم في فترة الانتخابات من أجل التخويف، ذلك أن “الطبقة السياسية مهما تخاصمت أو كانت على ضفتي نقيض، فهي تملك مشتركاً مصلحيّاً يغذّي بعضه البعض.
أما الدكتورة حليمة القعقور، التي فازت بالمقعد السنيّ في الشوف، فهي من الناشطات البارزات الداعيات إلى نظام عادل لاطائفي. تُمارس عملاً أكاديمياً، وكانت من الناشطين المدافعين بقوّة عن الانتفاضة اللبنانيّة والتغيير. ويأتي نجاحها كسيّدة في منطقتها استثنائياً بعد عقود من هيمنة ذكور على المقعد، كانوا يصلون من خلال التحالف بين “تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.
هذه “الثورة”، التي شهدها جبل لبنان، امتدّت إلى “بيروت الثانية” مع نجاح نقيب المحامين السّابق ملحم خلف عن المقعد الأرثوذكسي، والمهندس إبراهيم منيمنة عن المقعد السني.
فجر الإثنين، التقينا خلف في قصر العدل خلال ترقّبه عمليات الفرز لا سيّما للمغتربين، الذين تملك الدائرة حظوة كبيرة منهم، حيث كان يجب على لجان القيد فرز نحو 26000 صوت من الاغتراب. النقيب الذي يقاوم تعب جولات اليوم الانتخابي الطويل من مركز إلى آخر، قال: “الآن بدأ العمل”.
وسبق أن صدحت الحناجر “ثورة ثورة” في باحة قصر العدل حين انتخب خلف نقيباً للمحامين، ولم يُبارح خانة “تشرين” بالنسبة إلى كثيرين، وبقي يتنقّل من مخفر إلى آخر دفاعاً عن ناشط هنا وهناك. هو الآتي من خلفيّة طويلة في العمل الإنساني المجتمعي من خلال “فرح العطاء”، التي بنت الجسور بمشاريعها بين اللبنانيين بعد الحرب الأهليّة. اختار “خلف” “بيروت الثانية”، لأنها “تشبهه بتنوّعها الطائفي والثقافي”، وفق ما يقول لـ”النهار”، معدّداً بفرح أحياءها ومطاعمها الشهيرة. “خلف” بخلفيّته القانونيّة، ونشاطه المديد في المجتمع الممتدّ من المتوقّع أن يدفع قدماً بمشاريع لاطائفية وغيرها يترقّبها التغييريّون.
خاض المهندس إبراهيم منيمنة انتخابات العام 2018، ليُعيد الكرة ويفعلها في برلمان 2022، مستفيداً من توق شرائح لابأس بها من الشباب البيروتيّ إلى التغيير، بعد أن انتفضوا على الأحزاب، وبحثوا عن خيارات موثوقة، لاسيما في ظلّ خلط الأوراق والضبابية التي أرخاها عزوف الرئيس سعد الحريري.
لمنيمنة نشاط مديد في العمل بالشأن العام والمجتمع المدنيّ، وانخرط لفترة مع “بيروت مدينتي”، قبل أن ينسحب منها. يقول لـ”النهار” إن “عزوف الحريري ترك فراغاً عند الناس الذين كانوا يعتبرونه بوصلة، واليوم الناس تختبر وجود خيارات عدّة في اللوائح، من بينها “بيروت التغيير”، التي طلبت ثقة الناس، بما مثّل مشهداً مفتوحاً، حتّم على النّاس خيارات أخرى خارج الصراع التقليديّ، لاسيما أن عنواننا واضح، وهو مواجهة المنظومة المسؤولة عن الانفجار والانهيار.
ومع استهداف اللائحة بهجوم وتشكيك في المواقف من سلاح “الحزب”، كان منيمنة يؤكّد مراراً ثباته على موقفه برفض أيّ سلاح غير شرعيّ. وواجه أسئلة العلمانيّة والزواج المدني التي ووجه بها من بيئات محافظة بثقة، فأكّد على الحق بالتنوّع والاختيار واحترام الحريّات، التي يكفلها الدّستور، وعلى ضرورة الخروج من النظام الطائفيّ.
وللمرّة الأولى منذ 30 عاماً، يسقط القيادي “القومي” أسعد حردان في قضاء مرجعيون – حاصبيا، ليحلّ محلّه الطبيب إلياس جرادة من لائحة “معاً للتغيير”، فينجح في خرق الأحاديّة التي هيمنت طويلاً في الجنوب، مستفيداً من عوامل متشعّبة، أبرزها النقمة على السّلطة السياسيّة، والبروفيل القريب من النّاس، والتصويت المعتبر في قرى لا يهيمن على قرارها السياسيّ الثنائيّ.
وإلى جرادة، تمكّن المرشّح للمقعد الدرزي فراس حمدان من الفوز والإطاحة بالمرشّح مروان خير الدين. وحمدان ناشط في #1 تشرين، وقد خيضت حملات تخوينيّة ضدّه واتهامات كثيرة خلال فترة الترشّح، في سياق الضغط على المرشّحين المعارضين. وبفوز جرادة وحمدان، يخسر الثنائي مقعدين كان يفاخر بقدرته على الإتيان بهما لسنوات مضت.
وسجل ائتلاف “شمالنا” مفاجأته بفوز المرشّح للمقعد الماروني ميشال الدويهي، الذي يعمل أستاذاً للعلوم السياسية في “الجامعة الأميركية”، والمناهض للخطاب الطائفيّ، والناشط في انتفاضة تشرين. وأجمع المراقبون على نجاح تجربة “شمالنا” في إجراء انتخابات تمهيدية تسبق الترشحات.
ويقول الدويهي لـ”النهار” إن “ثورة تشرين خلقت بيئة جديدة للعمل في الشأن العام، و”شمالنا” بدت تكريساً لقدرتنا على الانتظام بخطابنا البعيد من الغرائز، وعلى استعادة تعريف العمل في السياسة، وهذا ما أثبتته الانتخابات التمهيدية في “شمالنا” التي طلبت من الناس اختيار مرشّحيهم”.
في بيروت الأولى، عادت بولا يعقوبيان إلى مقعدها الذي استقالت منه، ومعها الناشطة سينتيا زرازير من لائحة “لوطني”. وحملت يعقوبيان على تأثير المال الانتخابي وفعله على الأرض.
ونجح المرشّح ياسين ياسين من لائحة “سهلنا والجبل” في البقاع الغربي. وحتى ساعة متأخّرة من ليل أمس، كانت صورة طرابلس ضبابيّة، لكن الأكيد أنّ عدد النواب المنتمين إلى قوى التغيير سيراوح ما بين 12 و15.