“… صراع على لقب “الخاسر الأكبر”!
صدى وادي التيم-لبنانيات/
مرّ “قطوع” الانتخاباتْ النيابية على خير، بعد مسار “معقّد” طويل، اعترته الكثير من الشوائب، بدءًا من حملات “التشكيك” بحصول الاستحقاق في موعدها، وهي حملات أصرّت على “الصمود” حتى اللحظة الأخيرة، وصولاً إلى “التحديات” التقنية واللوجستية والتنظيمية وحتى المالية التي أحاطت بالعملية، في ظلّ الأزمات المتفاقمة التي عصفت بالبلد.
وظهرتْ هذه “الشوائب” بقوة في مختلف مراحل الانتخابات، سواء في الحملات الانتخابية، مع ما رافقها من زبائنية سياسية ودعاية وبروباغندا، أو في عملية اقتراع المغتربين وموظفي الأقلام، وصولاً إلى اليوم الانتخابي الماراثوني الطويل الأحد، الذي لم يمرّ من دون إشكالات أمنية وتهديدات واعتداءات، ناهيك عن المخالفات والشكاوى “الفادحة”.
لكنّ كلّ ذلك أصبح من الماضي، بمجرّد بدء تكشّف نتائج الانتخابات، التي لم تخلُ من “المفاجآت”، خلافًا لكلّ التوقعات والتقديرات المسبقة، حتى إنّ بعض مفاجآتها بدا “صادمًا”، مع خسارة بعض “الرموز” لمقاعدهم، وحصول بعض “الخروقات” في مناطق مصنَّفة على أنّها “مقفلة”، ناهية عن دخول “وافدين جدد” إلى البرلمان في أكثر من مكان.
إزاءَ ذلك، وبدل أن يكون النقاش كما بعد كل انتخابات، عن “الرابح الأكبر”، قد يصبح السؤال الأكثر مشروعية اليوم هو، من هو الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات؟ هل هم حلفاء “الحزب ” الذين خسر بعضهم مقاعد “تاريخية” محسوبة لهم؟ هل هو “التيار الوطني الحر” الذي فقد لقب “الكتلة المسيحية الأكبر”؟ هل هو تيار “المستقبل” الذي عجز “المتمردون” على قرار قيادته من إثبات أيّ “حيثية”؟ هل هو المجتمع المدني الذي بقي دخوله “خجولاً” بشكل أو بآخر؟.
قبل الدخول في تفاصيل “الخسارات” التي منيت بها أحزاب وشخصيات لطالما كان لها وزنها وحيثياتها، قد يكون من المفيد الالتفات إلى أنّ أيّ “استنتاجات وخلاصات” تبقى أولية حتى إثبات العكس، لأنّ النتائج التي تحقّقت في هذه الانتخابات تحتاج من كلّ الأحزاب، سواء التقليدية منها أم تلك التي توصف بالتغييرية، إلى وقفة تأمّل مع الذات، في محاولة لاستخلاص “الرسائل” التي وجّهها الشعب، والتي قد تنطوي على “امتعاض” من الجميع، وفق شعار “كلن يعني كلن”.
وقد يكون من المفيد أيضًا التوقف عند نسب الاقتراع التي جاءت أكثر من “متواضعة” رغم أنّ الظروف التي حصلت فيها الانتخابات كانت تفترض “حماسة” منقطعة النظير من جانب الناس، كيف لا وهذا الاستحقاق هو الأول من نوعه بعد سلسلة التحولات الدراماتيكية التي شهدها البلد منذ الحراك الشعبي في العام 2019، وما تبعه من أزمة اقتصادية واجتماعية، وانهيار في سعر الصرف، وهجرة جماعية للشباب والأدمغة، ودخول للبلاد في فضاء “جهنّم”.
ولعلّ الأكيد أيضًا أنّ نسب الاقتراع هذه لا تصبّ في صالح رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري كما حاول البعض التسويق، ليس فقط لأنّ نسب الاقتراع في بيروت مثلاً لم تكن أفضل بكثير في العام 2018، حين خاض “الشيخ سعد” المعركة، ولأنّ الجمهور شمل التيار “الأزرق” بصورة أو بأخرى بـ”انتفاضته”، بدليل ما أصاب “أيتام المستقبل”، إن جاز التعبير، بمن فيهم أولئك الذين قيل إنّ القيادة كانت “تدعمهم” من خلف الكواليس في المناطق.
وإلى “عِبَر” نسب الاقتراع، التي يجدر على الجميع الوقوف عندها، لتفسير “تقاعس” الناس التي لم تجد ربما في المنظومة ولا في “البدائل المتاحة” ما يعبّر عنها، وهو ما عزّزه “تشتّت” مرشحي ما يسمى “التغيير”، فإنّ ثمّة “رسائل” بالجملة يمكن التوقف عندها، أفرغت “الانتصار” الذي حاول البعض الترويج له من مضمونه، مع “مفارقات” ملفتة في أكثر من دائرة ومنطقة، بعضها كان يُعتبَر قبل فترة وجيزة أقرب إلى “المعجزة”.
لعلّ الخرق الذي سُجّل في دائرة الجنوب الثالثة يندرج في هذه الخانة، وهو الأول من نوعه على الإطلاق، ولا تكمن أهميته في “إسقاط” نيابة أسعد حردان “التاريخية” فحسب، ولكن في توجيه “رسالة” واضحة إلى الثنائيّ، وذلك رغم “استدراك” القيادات الحزبية للأمر في الأيام الأخيرة، وتحويل المعركة إلى “استفتاء” على القضايا الاستراتيجية الكبرى، بل اعتبارها بمثابة “حرب تموز سياسية” تحاول أن تحقق ما عجزت عنه الآلة العسكرية.
وإلى “خرق” الدائرة الثالثة، لم تغب “الرسائل الكبرى” عن الجنوب الأولى، حيث مني “الثنائي” و”التيار الوطني الحر”، متفرّقَين، بخسارة كبرى، يعزوها البعض إلى “خلافهما”، فيما يردّها البعض الآخر إلى الخلافات “العونية” الداخلية التي جعلت التركيز ينصبّ على مواجهة المرشحين زياد أسود وأمل أبو زيد لبعضهما البعض، قبل التصويب على “الخصوم”، علمًا أنّ الأرقام التي حقّقها أسامة سعد، رغم حملات “التخوين”، لها أيضًا دلالاتها ومعانيها.
أما “المفاجأة” الأكبر التي حققتها الانتخابات، فتمثّلت في “خروج” بعض الشخصيات “الثقيلة” بالضربة القاضية من الندوة البرلمانية، وعلى رأسها رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان الذي لم يسعفه “المقعد الشاغر” في لائحة “الحزب التقدمي الاشتراكي”، من دون أن يتمكن وئام وهاب بتحالفه مع أرسلان، من “تعويض” خسارة 2018، رغم تحقيقه أرقامًا “وازنة” مرّة أخرى، وفق كلّ القراءات الأولية.
أما المجتمع المدني، فمع أنّ دخوله بقي “متواضعًا”، ولا يعكس ما كان متوقَّعًا منه، خصوصًا أنّ التصويت لصالحه جاء “عقابيًا” للمنظومة الحاكمة أكثر منه “اقتناعًا” بتوجّهاته، إلا أنّ ما حقّقه لا يجعله “خاسرًا”، علمًا أنّ الأرقام التي حقّقها بعض مرشحيه بدت بدورها مثيرة للاهتمام، خصوصًا في بعض الدوائر التي تصدّروا فيها، كما حصل في بيروت على سبيل المثال، فضلاً عن الشوف-عاليه، وغيرها.
لكنّ هذا “التطور” في أرقام المجتمع المدني لم تنعكس كثيرًا على الساحة المسيحية، حيث بقي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” في صدارة المشهد، مع عملية “تبديل” في المرتبة الأولى، وما يعتقَد أنّه أتى نتيجة طبيعية لـ”حماوة” المعركة التي سُجّلت بين الجانبين في الأيام الأخيرة، لكنه يُنذر بـ”استقطاب” سيستمرّ في المرحلة المقبلة على الأرجح، وربما على أكثر من مستوى وصعيد.
قد يكون من المبكر الحكم على نتائج الانتخابات النيابية بشكل مطلق، وقد يتطلب استخلاص الدروس والعِبَر المزيد من الوقت، إلا أنّ الأكيد أنّ ما تحقّق في هذه الانتخابات ليس بسيطًا، خصوصًا أنّ كلّ التوقعات أوحت ببقاء “القديم على قدمه”. إلا أنّ المطلوب اليوم، وقبل طيّ صفحة الانتخابات بالمطلق، للتفرغ للاستحقاقات والتحديات الكبرى التي تنتظر البرلمان الجديد، أن يقرأ الجميع النتائج بتمعن، لأنّ ما بعد 15 أيار هو فعلاً غير ما قبله!.