اللحامة أم علي: كسرت التقليد وتتوسع
اللحامة أم علي: كسرت التقليد وتتوسع
رولا فرحات – المدن
تعمل انعام اليوسف (54 عاماً) جزارة أو بالتوصيف المهني الشائع “لحّامة” منذ 42 سنة. هذه السنوات الطويلة جعلتها “معلّمة في مهنتها”، لا يضاهيها خبرةً أي لحّام آخر. كما تعلّم على يديها عدد كبير من الجزارين. يقتضي عمل انعام، شأنها شأن أي جزّار يدير محلاً لبيع اللحوم، تقطيع اللحمة، الجرم (فصل اللحم عن العظم)، السلخ وتلبية متطلبات الزبائن. أما الذبح، فتفضل عدم القيام بهذه المهمة رغم اتقانها.
بدأت انعام، أو “أبو علي انعام”، كما يعرفها أهالي ضيعة ضهر الأحمر البقاعية، (تحوّلت إلى إم علي انعام بعد زواجها وانجابها ابنها علي) في هذه المهنة في عمر 12. تعلّمتها من والدها وأخيها وورثت أصولها حتى صارت خبيرة فيها.
كانت العائلة تعمل في ضيعة قليا، وهي الضيعة الجنوبية الأخيرة من جهة البقاع الغربي. وخلال الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، نزحت عائلة اليوسف بمهنتها إلى قرية ضهر الأحمر، وبدأت بيع اللحوم عبر محلها الجديد “القناعة”، كما سماه والد انعام للدلالة على قناعته وتقبله كل ما يحصل في الحياة. ما لبثت أن استلمت انعام ادارة المحل وحدها، بعد افتتاح أخيها محلاً آخر في منطقة أخرى، وقيامها بتدريب عمال يساعدونها في مهمتها.
شكّلت مهنة انعام حالة إيجابية في قرية ضهر الأحمر، أثارت استغراب النساء قبل الرجال، وصارت مثلاً يضربه الرجال لزوجاتهم. إذ كانت نساء القرية ربّات منازل لا يمارسن أي عمل. تقول انعام لـ”المدن” إن “الرجال كانوا يقولون لزوجاتهم هيدا شغل لي عم تشتغلوه بالبيت، روحوا شوفوا في مرا بتشتغل لحّامة”.
صارت نساء الضيعة يقصدن محل انعام لرؤيتها. يبدين استهجانهن من عملها ويُمطرنها بالأسئلة. ووفق انعام، “كنت المرأة الوحيدة التي تعمل في ضهر الأحمر. عملي دفع نساء هذه القرية إلى الخروج والعمل. يُسعدني أني كسرت التقاليد والصورة النمطية التي تقول إن المرأة يجب أن تبقى في المنزل”.
يرتاح الزبائن لفكرة وجود امرأة في المحل الذي يشترون منه. ويطمئنون إلى جودة اللحوم التي يحصلون عليها، لأن وجودها يحمل معه عنصر النظافة والترتيب. وهذا ما يدفع أهالي ضهر الأحمر إلى شراء اللحمة التي تبيعها انعام.
صارت هذه المهنة جزءاً لا يتجزأ من حياة انعام. إذ تقضي كلّ وقتها في المحل. وقد سهل عليها وجود العمال ومساعدتهم امكانية تخصيص وقت أكبر لعائلتها.
اعتادت انعام منظر الدم الناتج عن ذبح اللحوم، والروائح التي تلتصق بثيابها، ولا يزعجها هذا الأمر أبداً. كثيراً ما كانت تسمع عبارات تنتقد رائحة اللحمة المنبعثة منها عند دخولها إلى مكان ما وتُطالب بالذهاب والاغتسال. إلا أنها لا تهتم بما يقال. “هيدي شغلتي وبحبها”، تقول انعام.
واليوم تسعى انعام مع زوجها إلى افتتاح محل آخر في ضيعتها الأم قليا، وبيع اللحوم إضافة إلى كافيتيريا صغيرة.