حتى الحب ممنوع في لبنان…

صدى وادي التيم-لبنانيات/

العنوان ليس اسماً لمسلسل أو فيلم، بل هو واقع نعيشه، نحن الشباب في لبنان. أصبح الحب ممنوعاً علينا في بلد يدمّر مستقبلنا المهني والشخصي.

معدّل مدخول الشباب اليوم لا يتخطّى العشرة ملايين ليرة لبنانية. بعملية حسابية بسيطة، فإنّ الشاب اللبناني الذي من البديهي أن يكون سنداً لعائلته في مصاريفها، ولنفترض أنه يدفع من فاتورة المولّد مليوناً ونصف مليون حداً أدنى، وإذا كان والداه يعانيان أمراضاً مزمنة (وهذا طبيعي في بلد يتخبّط ناسه بكل أنواع الأزمات)، فإنّ كلفة الأدوية تقارب المليونين ونصف المليون ليرة.

الكوارث لم تتوقف هنا، فهذا الشاب اللبناني الذي لا يزال راتبه “عاللبناني”، فإن توجّه يومياً إلى عمله، فهو بحاجة إلى خمس تنكات بنزين، أي بمعدل مليوني ليرة أيضاً، وهذا يتفاوت بحسب قُرب منزله أو بُعده من مكان العمل. أما إن تجرأ ودخل السوبرماركت لشراء حاجاته اليومية (دواء لتنظيف الأسنان، مزيل للعرق، قهوة، مياه…)، فهنا الوجع الكبير. مجموع هذه الأغراض لن يقل سعره على مليون ليرة! عدا المصاريف الأخرى، الضرورية أيضاً، كالحلاق أو الحاجة إلى ثياب، عندها تُضاف المليون ليرة لتسديد ثمن كل هذه النفقات.

مجموع ما ورد أعلاه 8 ملايين ليرة لبنانية، والرقم مصغّر على ما هو عليه في ظل الغلاء الفاحش وارتفاع سعر صرف الدولار. فكيف إن أراد الشاب اللبناني اصطحاب فتاة إلى العشاء؟! طار مبلغ المليوني ليرة المتبقي معه!

كيف أستطيع الخروج مع فتاة، ومستقبلي ضائع؟ كيف أستطيع الخروج مع فتاة وهاتفي لا أملك أن أجدّده؟ كيف أستطيع الخروج مع فتاة وفي جيبي نحو المليوني ليرة، أي أقل من مئة دولار أميركي؟ بماذا أعدها؟ هل أقول لها أننا سنعيش على الخبز والزيتون؟ أم أننا سنبقى أصدقاء لمدى الحياة؟

في جلسة الأصدقاء قبل الانهيار، كان حديثنا يتمحور حول السيارات والسفر وسائر مباهج الحياة. أما اليوم، وبعد هجرة معظم أصدقائنا، فالحديث واحد حين يلتقي من لا يزال على هذه الأرض المُعذِّبة، ليكون السؤال: هل سنصحو من هذا الكابوس؟ كيف نخطط لنهاجر؟ وكيف نكافح يومياً ونعمل في ثلاث وظائف لنستمر حتى نهاية الشهر؟

قرأت قبل يومين جملة تقول: الفتيات الباقيات ينتظرن عريساً يأتي من غربته للزواج بهن. اقنعتني هذه الحقيقة، لأنه مهما طُبقت المساواة بين الرجل والمراة، فنحن نعيش في مجتمع شرقي، إذ يُرغم البعض بناتهم على #الزواج من شاب يكبرهن سناً ومن الطائفة عينها، ويتّبع البعض الآخر المقولة المدمّرة: “خدي شاب يريحك”.

تخبرني أمي عن الزمن الجميل، عندما تزوّجت أبي الذي كان عاطلاً عن العمل. لم تتنازل عن حبّها له، بل تزوّجته وعملا سوياً ثم أنجبا ولدين (أنا وأختي)، وعشنا كعائلة أياماً سعيدة، إلى أن تأزّم الوضع في “حرب تموز”، وبدأ أبي يخسر أمواله، وبعدها تدهورت أوضاعنا المادية. لكنّ الجانب الأجمل في هذه النهاية الأليمة هو أنّ أمي لم تتركه، بل تمسكت به.

كم يحتاج الشباب اللبناني إلى امرأة كأمي! لكنّ أمي تقول لي أيضاً: “ما تجيب بنات الناس وتبهدلهن، عيّشها ملكة”. كيف أستطيع أن أعيّش فتاة كملكة، ولا أملك ثمن تاج بلاستيكي؟!

أوقعتنا السلطة الفاسدة بين خيارين: إما أن نترك أهلنا ونعمل في الخارج فنؤسّس لمستقبلنا ومستقبل أولادنا، أو أن نبقى مع والدينا لئلا يعيشا وحيدين من دوننا. هذا البلد وضعني بين خيارين: أمي وأبي أو مستقبلي!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!