الرعب الديموغرافي: ” النازحون إلى لبنان ” و “النازحون من لبنان” !!

 يختل الميزان الديموغرافي في لبنان على نحو مخيف، وباتجاه سيصل إلى نقطة حدوث فجوات بنيوية في توازن البيئات العمرية، ينتج عنه تحول الهرم العمري اللبناني إلى وضعية الهرم العمري المقلوب.. بمعنى أن المقيمين في لبنان خلال نصف عقد سيصبحون ، بنسبة سبعين بالمئة تقريبا ، من ذوي الاعمار المتقدمة، فيما الفئات العمرية الشابة والمتوسطة، لن يبقى منها في لبنان، سوى ثلاثين بالمئة.

وبمقابل ان المجتمع اللبناني سيصبح له وضعية الهرم العمري المقلوب، فإن بيئة النازحين السوريين في لبنان بعد خمس سنوات، ستكون النسبة الأعلى منها ( فوق السبعين في المئة ) تنتمي للفئات العمرية الشابة والصغيرة. 

.. وهكذا يتضح ان خطورة الهجرة المكثفة التي تحدث حاليا في لبنان نتيجة الانهيار الاقتصادي الشامل، تكمن في انها لها نوعان من الآثار السلبية، وليس أثرا سلبيا ديموغرافيا واحدا :  

الأثر الأول يؤدي إلى جعل المجتمع اللبناني هرما عمريا مقلوبا. 

..اما الأثر الثاني فيتمثل في أن مجتمع النازحين في لبنان سيمتاز بانه مجتمع فتي وشاب. 

وهذا التوزع الجغرافي البشري في لبنان، سيقود الى نتائج غاية في الخطورة، ولعل أبرزها ما يلي :  

اولا – تغير في جنسية البنية الفتية في لبنان، حيث مستقبل العمل في البلد سيصبح معتمدا على قوة عمل النزوح السوري، وهذا سيخلق إشكالية ان النازح السوري في لبنان ، سيصبح حاجة للاقتصاد ولحركة العمل، وليس مجرد ضيف مؤقت.

ثانيا – ان اعتماد لبنان على قوة عمل الشباب النازح سيغير من جودة الخدمات اللبنانية؛ نظرا لكون ان ٦٥ بالمئة من النازحين السوريين الشباب ، هم من المتسربين من المدارس في أعمار مبكرة، فيما بقية الشباب النازحين حصل معظمهم تعليميا غير عال، وعليه فان قطاع الأعمال في لبنان سيصبح 

مقتصرا على تقديم خدمات بمستوى ما هو متوفر من عمالة غير متخصصة في المجالات العلمية المتطورة. 

ثالثا – ان هجرة الشباب اللبناني في هذه الفترة تتسم بأنها تهاجر إلى دول بعيدة وغير عربية ، وهذا يعني أن القسم الأكبر من هؤلاء اللبنانيين المهاجرين؛ لن يعودوا إلى لبنان حسبما تبين أرقام تجربة الهجرة اللبنانية الاولى التي حدثت  خلال وبعد الحربين العالمتين الاولى والثانية، والهجرة اللبنانية الثانية التي حصلت خلال الحرب الاهلية بين عامي ١٩٧٥ و١٩٩٠.

رابعا – ان الهجرة اللبنانية الحالية تحدث بوتيرة مرتفعة عدديا، وسريعة زمنيا، وذلك في نفس الوقت . وهذا يعني أنه سيتم استنزاف البنية البشرية في لبنان ، بزيادة نحو ٥ الى ٨ اضعاف عن واقع معدل إعداد الهجرة التي كانت تحدث في السابق . و لشرح هذا المعنى العملي لهذا الواقع، يجدر ملاحظة انه خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة هاجر من لبنان نحو ربع مليون نسمة، وهذا العدد ذاته كان هاجر من لبنان خلال الحرب الاهلية، على مدى ٢٠ سنة . 

أن ارتفاع وتيرة أعداد المهاجرين من جهة ، وسرعة تطور طفرات الهجرة من جهة ثانية ، يضع لبنان امام استنزاف لبنيته البشرية الشابة غير مسبوقة، حيث ان معدل الهجرة الحالي وصل إلى واقع انه في كل عام يهاجر عدد من اللبنانيين يساوي عدد ما كان يهاجر من لبنان في كل خمس سنوات.

 خامسا – ان أخطر ما في هذه الأزمة يقع في أن الأسباب التي تسببت بها غير قابلة للحل ، نظرا لعدم امكانية أحداث إصلاح يعيد العافية الى البلد، وذلك في ظل استمرار وجود القوى السياسية التي تسببت بالازمة.. وايضا نظرا لعدم امكانية استعادة الجيل الجديد الثقة بالبلد في ظل انعدام ثقتهم بالأحزاب المسيطرة على البلد ، والتي لاببدو في ظروف لبنان الراهنة ، وجود اية امكانية لابعادهم عن مراكز الحكم..

المصدر:  الهديل 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى