كيف ترسم الأم شخصية طفلها؟
صدى وادي التيم – عالم المرأة:
تعتبر الأم رمز الحنان والحبّ في العائلة، ولعاطفتها التي تنقلها إلى أطفالها دور أساسيّ في نموّ شخصيّاتهم وفي حياتهم. وغالباً ما يتمّ البحث عن أسرار هذه العلاقة وطبيعتها في مرحلة ما، عندما يواجه أبناؤها مشكلات معيّنة، أو عندما تبرز سلوكيّات معيّنة في بعض الظروف.
تؤكّد الاختصاصية في المعالجة النفسيّة جيزال نادر أن الأم، من خلال علاقتها مع أطفالها، ومن خلال مشاعر الأمومة التي لديها بمختلف مستوياتها، تؤدّي دوراً في رسم شخصيّات أطفالها بشكل أو بآخر. فإذا زادت معدّلات العاطفة والحنان عن حدّها أو نقصت تؤثر سلباً على نمو أطفالها وعلى تكوينهم.
كيف تؤدّي الأم دورها في تربية أطفالها؟
تمثّل الأم كلّ معاني العاطفة والحنان، وهي من المشاعر التي تقدّمها الأم مجاناً من دون مقابل حفاظاً على سلامة نموّ الأطفال. وإذا كان من الممكن، في ظروف معيّنة، أن تتبادل الأم مع الأب دوره كتأمين الشّعور بالأمان والسلطة ومصدر الحماية، يبقى بشكل أساسي للأم دورها الخاصّ وصفاتها كمصدر للعاطفة والحنان، وللأب دوره كسلطة في العائلة؛ ويجب ألا يُنتقص من أيٍّ من الدورين.
ففي اختبارٍ، تتحدّث عنه نادر، هو اختبار نقص العاطفة، الذي يمكن أن يُجرى على أثر ظهور أعراض معيّنة، يُمكن أن يتبيّن أن الشخص المعنيّ يعاني نقصاً في العاطفة، التي تأتي عادةً من الأم بشكل أساسيّ، وإن كانت قد تأتي أيضاً من الأب والمحيط، ممّا يؤكّد أهمّية العاطفة النابعة من الأم لحُسن نموّ أطفالها. فالحنان الذي تعطيهم إيّاه في حياتهم يؤمّن لهم المناعة على المستوى النفسيّ؛ ولا بدّ من التوازن في هذا المجال لنموّ صحيّ، تماماً كالغذاء الذي يُعتبر أساسيّاً لنمّوهم الجسدي.
تُشير نادر إلى الحالات التي يُمكن أن تُسيء الأم فيها إلى أطفالها، من خلال معاملتها لهم وسلوكيّاتها، بل تذهب إلى الإشارة لناحية التغذية وما لها من دور مهمّ في ذلك، خصوصاً أنّ الأم، التي تُعتبر مصدر الحنان، تزوّد الطفل بالغذاء منذ ولادته عبر الرضاعة. “عندما يعاني شخص اضطرابات غذائيّة أو زيادة في الوزن، نعود غالباً إلى علاقته بوالدته، التي يمكن أن تكون السبب وراء ذلك، بسبب طريقتها في التعاطي معه أو في تقديم الطعام له، والتي يُمكن أن تؤثر سلباً عليه”.
لماذا تختلف طريقة تعاطي أمّ مع أطفالها عن أخرى؟
يُمكن البحث عن طفولة الأم وعلاقتها بأهلها هنا، وما إذا كانت قد عاشت في بيئة سليمة؛ وذلك لمعرفة الأسباب وراء تعاطيها بطريقة معيّنة مع أطفالها. فإذا كانت الأم تكرّر بأنّها لم تكن ترغب في الإنجاب بشكل متواصل على مسامع أطفالها، فمن المؤكّد أن ذلك ينتج من مشكلات سابقة بين أهلها، وقد شهدتها في طفولتها، الأمر الذي ينعكس سلباً على علاقتها بأطفالها.
أمّا الأم التي تهمل أطفالها وتعنّفهم وتسيء معاملتهم، ففي علم النفس أنّها تفعل ذلك انتقاماً لما عاشته في طفولتها، أو أنّها مرّت بظروف صعبة تدفعها إلى اعتماد هذه السلوكيّات. لكن عاطفة الأمومة تبقى موجودة في كلّ الحالات.
وتُشير نادر إلى أنه عندما يولد الطفل وترضعه أمّه تنقل إليه هرمون الحبّ الذي يوثّق علاقتها به، ويزيدها قوّة واندفاعاً وعاطفة للعناية به.
في الوقت نفسه، ثمّة أمّهات يُبالغن في إعطاء الحنان لأطفالهن بسبب حرمانهن من العاطفة والحنان في الطفولة، فيحاولن التعويض على أطفالهن بهذه الطريقة. المبالغة في الاهتمام بالطفل، بحسب نادر، مشابهة لما يحصل في حال النقص فيه، ممّا يدعو إلى تجنّبه أيضاً بما أنه يُسيء إلى الطفل ويُسبّب له المشكلات في حياته.
هل تبدّل دور الأم اليوم؟
من المؤكّد أن دور الأم تبدّل في المرحلة الحالية، بالنظر إلى الحياة الاجتماعية ومتطلّباتها، وانخراط المرأة في الحياة الاجتماعية ومجالات العمل، بعد أن كان دورها محصوراً بالتربية والرضاعة والاهتمام بالمنزل. لكن القوانين لم تتبدّل بموازاة هذا التغيير، فالضغوط زادت على المرأة في محاولتها التنسيق بين دورها كأم ومسؤوليّاتها في العمل. على الرغم من ذلك، نجحت أمّهات كثيرات في التوفيق بين هذه المسؤوليّات؛ وهنا يكمن دور كلّ أم في ذلك. مع الإشارة إلى أنّه ثمّة فارق بين المدّة التي تمضيها مع أطفالها وجودة هذه الأوقات لتوفر لهم كلّ العاطفة والحنان والاهتمام.
ما الأعراض التي يمكن أن تظهر لدى الطفل الذي يعاني نقصاً في العاطفة؟
– التنمّر في المدرسة، لأنه يكون شديد الحساسية، ممّا يجعله أكثر ميلاً للتنازل والضعف أمام الرفاق في المدرسة.
– الانزواء وعدم بناء علاقات اجتماعيّة جيّدة.
– اختيار أشخاص غير مناسبين، وسوء اختيار الشريك.
– القلق والاكتئاب والفوبيا.
كيف يفترض بالأم أن تتعاطى مع أطفالها؟
يعتبر الحبّ الذي تعطيه الأم لأطفالها مجانيّاً، ويجب ألا تحاول تسليط الضوء على تضحياتها أبداً، كما يجب ألا تهدّدهم بالتوقّف عن حبّهم، لأن ذلك يسبّب القلق المستمرّ لهم. على العكس، يجدر بالأم أن تتعاطى بطريقة مختلفة مع أطفالها:
– أن تؤكد طوال الوقت لأطفالها أنّها تحبّهم، لأن هذا ما يشعرهم بالأمان ويزيدهم ثقة بهذا الحبّ.
– أن تحرص على التواصل الجسديّ عبر العناق والقبلة، بحسب كلّ فئة عمرية، لأنّ هذه السلوكيّات لها دور مهمّ ليشعر الطفل بحبّها الفعليّ له.
– عندما يبلغ الطفل السنّ الذي يتمتع فيه بالاستقلالية، أي من عمر 3 سنوات تقريباً، من المهمّ أن تفسح له الأم هذا المجال، وإلا فسينمو بطريقة يكون فيها شديد التعلّق بها، ويكون تعلّقه مرضيّاً أحياناً، سواء بالنسبة إلى الفتاة أو الصبي، فيؤثر ذلك في علاقته مع الشريك.
وتضيف نادر أنّه على الأم أن تهتمّ بنفسها بشكل جيّد أولاً حتى تتمكّن من الاهتمام بأطفالها، وحتى تكون لديها الطاقة اللازمة لذلك. كذلك يجب أن تنصت إلى جسمها عندما تشعر بالتعب والإرهاق لترتاح وتتمكّن من المتابعة، بما أن الأمومة قد تكون من أصعب الأدوار، التي يمكن أن تلعبها في الحياة، ولا بدّ من الحفاظ على الطاقة اللازمة للاستمرار.
المصدر:النهار