خمسة أسباب تجعل جنبلاط قلقاً
صدى وادي التيم – لبنانيات/
يواجه وليد جنبلاط في انتخابات 2022 مشهداً مناقضاً لما خبره في انتخابات 2000 عندما حصد كل مقاعد الشوف وعاليه – بعبدا في مواجهة مع عهد الرئيس إميل لحود. في الاستحقاق الجديد يحار أن يعرف مَن لا يواجهه
في نهاية المطاف، ربحت لوائح وليد جنبلاط، في انتخابات 2000، المقاعد الـ19 كلها في دائرتي الشوف وعاليه – بعبدا، من بينها المقاعد الدرزية الثمانية. في انتخابات 2022، يدافع الزعيم الدرزي عن مقعديْ طائفته داخل الشوف أولاً، ويخسر سلفاً نصف المقاعد الثمانية، هو الذي اعتاد أن يترك من بينها واحداً شاغراً. انتخابات دائرة الشوف – عاليه هذه المرة مثيرة للقلق لديه أكثر من أي وقت مضى.
كان من المفترض أن يعلن نجله النائب تيمور جنبلاط لائحة الشوف – عاليه السبت المنصرم. لكن جنبلاط الأب اختار السفر إلى باريس. شاءت المصادفة أن يكون في الطائرة نفسها مع سليمان فرنجية. بات إعلانها مؤجلاً إلى نهاية الأسبوع الجاري ريثما يكتمل مرشحوها. كذلك اللائحة المنافسة التي تجمع ائتلاف النائب طلال إرسلان والتيار الوطني الحر والوزير السابق وئام وهاب نهاية هذا الأسبوع، بعدما قطع الاتفاق على تعاونهم شوطاً بعيداً، قبل الوصول إلى 4 نيسان موعد إقفال تأليف اللوائح.
المطلعون على موقف جنبلاط، يتحدثون عن قلق غير مسبوق وهو يواجه استحقاقاً كثر من حوله الخصوم، من غير أن يطمئن كثيراً إلى الشركاء الذين يحتاجون إليه هو، أكثر من حاجته إليهم.
أول مصدر لقلقه، هو المقعد الدرزي الثاني في الشوف الذي حمله على الطلب من النائب السابق مروان حمادة الترشح مجدداً بعدما أبدى رغبته في العزوف، فيما مَالَ رئيس اللائحة تيمور جنبلاط إلى استبعاد حمادة، مفضّلاً عليه اسماً أكثر شباباً هو مدير مكتبه حسام حرب. أقرن حمادة موافقته على العودة إلى اللائحة بشرطين: حصوله على كل الأصوات التفضيلية المعطاة للنائب نعمة طعمة العازف عن الترشيح، مضافاً إليها أصوات المقترعين الدروز غير المقيمين. المنافس الدرزي المعلن لحمادة، هو وهاب المرشح عن الشوف في لائحة الائتلاف الثلاثي المتحالف مع ا ل ح ز ب .
بعدما قيل الكثير عن انتخابات 2018 وترشيح وهاب حينذاك والمعطيات المتناقضة عن الأصوات التي حازها، ثمة شكوك تساور جنبلاط في المدى الذي من شأنه مدّ وهاب بأصوات فوز تنتزع المقعد الدرزي الشوفي الثاني منه. بذلك تكون المواجهة عبرت أسوار المختارة إلى داخل البيت. ليس مسبوقاً في تاريخ المختارة، منذ أيام الأب، أن تفقد مقعداً درزياً شوفياً (طبعاً باستثناء انتخابات 1957) اعتاد كمال جنبلاط أن يمنحه إلى أحد أهم معاونيه بهيج تقي الدين. في الغالب يساوي المقعد الدرزي الأول. بيد أن خسارته تعني في المقابل أن ثمة ضيفاً درزياً جديداً دخل إلى شراكة زعامة الشوف، فلم تعد مقتصرة على المختارة وحدها. ما تقدّم به جنبلاط الابن على الأب أنه ظل زعيم الجنبلاطيين، وانتزع من اليزبكيين أربع عائلات تاريخية تنتمي إليهم فأحالهم جنبلاطيين: حمادة، شهيب، العريضي، بو فاعور.
ثاني مصدر قلق لجنبلاط، توقعه تقلّص الكتلة النيابية لنجله إلى أربعة دروز فحسب، هو المستأثر في الغالب بسبعة من المقاعد الثمانية، ما خلا في انتخابات 2000 عندما اجتاحها كلها. في الاستحقاق المقبل، يواجه خسارة مقعديه الدرزيين في بيروت والبقاع الغربي لمصلحة إرسلان، من غير أن يربح المقعد الدرزي في حاصبيا وإن في عهدة صديقه الرئيس نبيه برّي.
في الحسابات المؤكدة لجنبلاط تربح لائحته في الشوف – عاليه، المتحالفة مع حزب القوات اللبنانية سبعة مقاعد بعد تسعة في انتخابات 2018. المدروس بأرقامه وحواصله، فوز تيمور وحمادة والنائب بلال عبدالله في الشوف، والنائب أكرم شهيب ومرشحه الماروني راجي السعد في عاليه، ناهيك بمقعد ماروني في الشوف وآخر أرثوذكسي للقوات في عاليه. في الأرقام المدروسة للائحة إرسلان ووهاب والتيار، أربعة مقاعد مثبتة لإرسلان ووهاب والنائبين غسان عطالله وسيزار أبي خليل. تناقض الأرقام يعيد الالتباس والغموض من حول المقعد الدرزي الثاني في الشوف.
ثالث مصدر للقلق، هو الحليف الماروني المعوَّل عليه من خارج التحالف الحزبي، كان سبباً في تأجيل إعلان اللائحة السبت. كلتا اللائحتين المتنافستين تفاوضان الوزير السابق ناجي البستاني الذي كان ترشح في انتخابات 2018 وخسر بسبب الحاصل. المحسوب في الانتخابات المقبلة أنه سيأتي إلى لائحة جنبلاط بالحاصل الثامن، وإلى لائحة إرسلان – وهاب – التيار بالحاصل الخامس. لم يُعطِ جواباً بعد، ويراجع خياراته: بين تجربة سابقة نجم عنها اعتراف جنبلاط له بأنه لم يمنحه أصواتاً فأولت اللائحة اهتمامها بالمرشحين الدروز والسنّة والكاثوليكي كأولوية نجاح، وبين تجربة جديدة يمتحن أرقامها وتحالفاتها. في انتخابات 2018 تقدّم البستاني على الماروني الثاني الفائز ماريو عون بـ121 صوتاً تفضيلياً، وعلى الماروني الثالث الفائز فريد البستاني بـ2588 صوتاً.
تريث ناجي البستاني خلال هذا الأسبوع يرتبط بطبيعة تعاونه مع أي من اللائحتين على أنه تحالف انتخابي ليس إلا. لن يتمدد في ما بعد إلى انضمامه إلى أي من الكتلتين النيابيتين المفترض انبثاقهما من اللائحتين المتنافستين. في نهاية المطاف لن يصعد سوى في بوسطة يحسن سائقها قيادتها، مع تيقنه بأن التحالفات القائمة لا تعدو كونها انتخابية عابرة، شأن ما بين الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، وما بين إرسلان ووهاب. ما إن يغادروا صناديق الاقتراع، كل يذهب إلى الاتجاه المعاكس للآخر.
رابع مصدر للقلق، هو موقف ا ل ح ز ب من جنبلاط الأب الذي أكثَرَ في الآونة الأخيرة في انتقاده. فيما ينقل عن الحزب، أنه سيواجه جنبلاط من غير أن يوجعه. في ذلك إشارة ضمنية إلى أنه لن يدخل إليه في المختارة في انتخابات 15 أيار. مغزى الإشارة يحتمل تفسيرين: أولهما أنه لن يتعرض لترشيح أبو الحسن في بعبدا الذي يحظى برعاية برّي، بيد أنه في صدد الذهاب بعيداً في «تحجيم» جنبلاط. أما ثانيهما فتطمين جنبلاط إلى أنه لن يجبهه في عقر داره، ما يطرح علامة استفهام عن مغزى ترشيح وهاب.
ما يعنيه الحزب في التلاعب على الصيغ والعبارات، أنه لن ينتزع من جنبلاط نصف نواب طائفته، بل إن الزعيم الدرزي هو الذي سيخسر نصفهم. دلالة على مقاعد بيروت والبقاع الغربي وعاليه، إلا إذا أضيف إليهم وهاب. ثامن المقاعد البعيد من المتناول يقيم في حاصبيا لمروان خير الدين الذي رشحه رئيس البرلمان، وهو محسوب في الأصل على إرسلان. لن يكون على صورة النائب الحالي للمنطقة أنور الخليل، في كتلة برّي وقريب من جنبلاط، بل يُراد لإنابة خير الدين إبعاده عن إرسلان والتحاقه بكتلة رئيس المجلس دونما أن يكون منفراً لجنبلاط.
خامس مصدر للقلق، هو التصويت السنّي في إقليم الخروب. في تقديرات أولى، على أثر اعتزال الرئيس سعد الحريري، رُجّح اعتكاف التصويت السنّي ما بين 25 إلى 30 في المئة. بعد تراجع الرئيس فؤاد السنيورة تردد أن النسبة ارتفعت إلى 45 في المئة، في مؤشر دال على هيمنة الحريري على القرار السنّي في الإقليم، كما في مناطق الغالبية السنّية. يرشح جنبلاط للمقعد السنّي الثاني سعد الدين الخطيب أمين سر نقابة المحامين والقريب من تيار المستقبل. في انتخابات 2018 أعطى سنّة الإقليم، بإيعاز من الحريري، لائحة جنبلاط ما يزيد على 14 ألف صوت، أكثر من ثلثيْهم للنائب محمد الحجار. هذا الرقم، في ظل الاعتكاف، مرشح لحرمان جنبلاط منه وخسارته المحتملة المرشح السنّي الثاني.
نقولا ناصيف – الاخبار