عن ارتفاع أسعار الخضار: الصيت للمُزارع والفعل للتاجر
كتب مايز عبيد في صحيفة “نداء الوطن”:
يُشكّل ارتفاع أسعار الخضار منذ ما قبل شهر رمضان وحتى الآن، مادّة دسمة للتحليلات وتجاذب المسؤوليات، بين من يضع السبب عند المزارع الذي يبيع بأسعار مرتفعة، وبين من يُعيد الأمر إلى التجّار والسماسرة الذين يفرضون أسعاراً على ذوقهم.
هناك من يرى أن الأمور تبدأ من اعتبار أن “إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية هو ما أدّى بالمزارعين إلى رفع الأسعار، ومن هنا تبدأ المشكلة من أساسها. وهناك من يرى مثلاً أن الحامض إنتاج محلي وليس بحاجة إلى أسمدة وبذور وشتول وغيرها. إذاً، هو لم يتأثر بفرق الدولار بالمسبة لليرة، فلماذا يزيد سعره عن المعتاد؟
في محاولة لتقصّي الحقائق حول هذا الملف، وإجابة الناس عن تساؤلاتها، جالت “نداء الوطن” على عدد من قرى سهل عكّار المشهورة بالزراعة لا سيما الخضار، وأجرت مقابلات مع عددٍ من المزارعين عن المزروعات وأسعارها.
الحديث مع المزارعين في سهل عكّار، لا سيما في قرى القليعات وتلمعيان وغيرها من قرى السهل التي تمارس الزراعة كنشاط يومي، يوضح الكثير من الإستفهامات الحاصلة. فالمزارعون يؤكدون أنّ “في أحوالهم لم يتغير شيء، ما زالوا يبيعون بنفس الأسعار، وهذه السنة حتى أقلّ من السابق لعدد من المواسم، بالرغم من تكبدهم ارتفاع أسعار عدد من المواد، وهناك خسارة كبيرة يتحمّلونها، أما الربح الحقيقي فهو عائد للسماسرة وكبار التجّار في الأسواق والمحلات الكبرى”. فمثلاً، وبحسب أحد المزارعين من القليعات، فإنّ “شرحة الفليفلة، أي القفص، زنة 10 كيلوغرامات تقريباً، تكلف المزارع 1500 ليرة لبنانية فيبيعها إلى السمسار بـ 3 آلاف ليرة لبنانية، ويباع الكيلو الواحد منها في المحلات للمستهلك بـ 1500 ليرة لبنانية، وهذا ما ينطبق تماماً على أسعار الجزر واللوبياء وحتى البصل، وغيرها الكثير من الخضار والحبوب. فالمزارع كما المواطن المستهلك، هو الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، والتاجر ومن يتحكّم بالسوق والأسعار، هو الرابح الأول والأخير”.
وخلال الجولة الزراعية في سهل عكّار كان لنا لقاء مع نقيب مزارعي التبغ والتنباك هناك سمير خشفة وهو مزارع أيضاً. وقال لـ”نداء الوطن” إن “المزارع يعيش في أكثر أوقاته صعوبة. ارتفاع سعر صرف الدولار أدّى إلى ارتفاع أسعار الحبوب والبذور والشتول والأقفاص وكل ما يلزم في عمليتي الزراعة والتوضيب، بينما لا يزال المزارع يبيع إلى التجّار والأسواق بالأسعار القديمة نفسها، ثم يتحكّم هؤلاء بالأسعار وبرفعها كما يشاؤون. وإذا ما رفض المزارع البيع بالأسعار التي يحدّدها هؤلاء فإنه مضطرّ أن يُبقي مزروعاته ومواسمه في أرضها”.
أضاف خشفة: “المزارع اليوم، وبالأخص المزارع العكاري، بحاجة إلى دعم حكومي وخطة إنقاذ حقيقية، لأننا نعيش في أسوأ أوضاع ولا من يلتفت إلينا ليدعم صمودنا في أرضنا ويدعم مواسمنا بوجه الكساد والمضاربة. لم يبقَ بالنسبة إلى المزارع العكاري إلا شتلة التنباك تحافظ على شيء من هيبتها بسبب السياسة الحكيمة لمدير عام مؤسسة الريجي ناصيف سقلاوي، فهو الوحيد الذي يهتمّ بالمزارعين ويدعمهم ونحن بحاجة الى أمثاله في كل مديرية ووزارة، وقد أرسل له بابا الفاتيكان شهادة تقدير”.
أما عن أهمّ الخطوات المطلوبة اليوم من وزارة الزراعة والمعنيين بالملفّ الزراعي، فيشير خشفة إلى ضرورة “تطبيق الروزنامة الزراعية وإلغاء الجمرك عن المواد الأولية وعن السموم وكل المستلزمات الزراعية من جهة، وإنشاء مصرف تسليف زراعي يمدّ المزارعين بالأموال والقروض من موسم إلى آخر، وكذلك وضع مختبرات على الحدود تراقب جودة الخضار والفواكه التي تدخل إلينا من الخارج عبر الحدود”.
أين الرقابة؟
جشع التجار والسماسرة كما يتّضح من هذه الجولة لا حدود له. فأحد المزارعين من القليعات أشار إلى أنه أنزل حمولة بيك أب من الجزر إلى السوق. لم يرض السماسرة شراءها بأكثر من 2500 للشرحة الواحدة. ثم عرض عليه ذاك التاجر أن يتركها له في محله فيحاول أن يبيعها له بأكثر إن استطاع. عاد المزارع مجدداً إلى السوق ليجد أن بضاعته ما زالت في مكانها وقد ضربتها الشمس. عاد بمحصول الجزر إلى البيت ولم يستفد منه في شيء. يحصل هذا في الوقت الذي يباع فيه كيلو الجزر الواحد في المحلات والبقاليات بين 1500 و 2000 ليرة لبنانية”. من هنا وبناء على ما سبق، يتّضح من معاينة أوضاع المزارعين، والتسلّط الذي يمارسه التجّار والسماسرة، أنّ القطاع الزراعي بحاجة حقيقية إلى متابعة إدارية وضبط آليات العمل والتسعير، من لدن المزارع وصولاً إلى التجار والسوق. هذا الدور المنوط اليوم بوزارتي الزراعة والإقتصاد، لا يبدو أنهما تؤدّيانه كما ينبغي، ولذلك تبقى هناك هوّة شاسعة بالأسعار بين منشئها أي المزارع، وبين أداة عرضها أي البائع والتاجر.