المستنقع الأوكراني… وأخطاء “القيصر”!
ها هي الحرب الساخنة تطلّ من جديد، ومن أوكرانيا هذه المرة، الدولة السابقة في الإتحاد السوفياتي التي لطالما شكّلت أهمية كبرى لروسيا، فلم تكتفِ الولايات المتحدة بالمساهمة في تفكيك الإتحاد السوفياتي آنذاك، لتعود وتستغل هذا الظرف لتفكيك الإتحاد الروسي الذي يضمّ ما يقارب الـ 128 قومية مختلفة يشكّل الروس أكثريتها.
منذ الحرب العالمية الثانية، لم نرَ خطراً يهدّد السلم العالمي كما نراه الآن في الحرب الروسية – الأوكرانية، وخطر المواجهة النووية بين القوى الدولية التي وإن حصلت ستتسبّب حتماً بكارثة إنسانية لا تحمد عقباها.
هل أخطأ “القيصر” هذه المرة؟ هل تهوّر وأمر بغزو أوكرانيا؟ فكلما طالت مدة الحرب العسكرية، تكبّد خسائر بالمليارات.
ومن خلال التقييم الإستراتيجي لما يحصل، يتّضح لنا ان الصراع الروسي – الأوكراني سينعكس سلباً على روسيا.
فعلى الصعيد الأوكراني، لم يعد هذا الشعب، الذي يتقاسم مع روسيا أصولاً سلافية، صديقاً، بل على العكس ستتقرّب أوكرانيا أكثر من الغرب وستطالب بالإلتحاق بالإتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”، لإبعاد الخطر الروسي عنها، وصمودها حتى الساعة يبرّر ذلك، ما يشكّل حماية أيضاً لأوروبا، ويكون “القيصر” بذلك دفع بالناتو أقرب الى حدوده بدل إبعاده.
اما على المستوى الأوروبي، فسيعزّز الإتحاد روابطه، فدعاة التقسيم ورفض صيغة الإتحاد سيتراجعون لصالح عسكرة أوروبا والبحث عن صيغة أمنية مشتركة لمواجهة “الخطر الروسي”.
وعلى مستوى حلف شمال الأطلسي “المظلة الأميركية” في أوروبا، فسيتوسّع نحو دول جديدة، وستعود الحياة له بعد فترة “ركود” تلت إنهيار الإتحاد السوفياتي السابق.
وعلى مستوى الدول العربية، حيث التواجد الروسي في سوريا منذ العام 2015، والتي لم تكن دول “الناتو” تعتبره ذا بعد إستراتيجي لها، ستعود لمراجعة حساباتها.
أما إسرائيل التي تضم مئات آلاف اليهود من أصول روسية، والتي إمتنعت عن إدانة الهجوم الروسي، فهي غير مرتاحة اليوم، بحيث يمكن للفلسطينيين الإستفادة من الوضع القائم لتعميق الشرخ الأميركي – الإسرائيلي.
أما لمن يراهنون على التحالف الروسي – الصيني حيث تصحّ مقولة “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فلا تتوقعوا الكثير، كون الصين ترتاح بعض الشيء من حرف التركيز الأميركي عن منطقة جنوب شرق آسيا الى أوروبا وروسيا، وبالنسبة للصين، التي تتبنى اساس عقيدتها الخارجية على مبدأ التبادل التجاري لا التحالفات الإيديولوجية، فلا تشكّل روسيا بالنسبة لها حجماً إقتصادياً وتجارياً بقدر ما تشكّله الولايات المتحدة، فأميركا أكبر مستهلك للبضائع الصينية، والصين أكبر دائن للولايات المتحدة من حيازتها للسندات الحكومية لأكبر اقتصاد في العالم خلال شهر أيار الماضي بأسرع وتيرة في ستة أشهر، بالتزامن مع تعمق أزمة الديون السيادية الأوروبية وضعف نمو الولايات المتحدة ذاتها.
كما ان هذه الأزمة تعطي حرية أكبر للصين بالتحكم في منطقتها الجغرافية، خصوصاً مع “تايوان”.
والأهم يكمن على الصعيد الروسي، حيث أن هدف بوتين من المواجهة العسكرية ليس إخافة الغرب أو حلف “الناتو” بقدر ما هو الخوف “من العدوى الديموقراطية” في البلاد الوريثة للاتحاد السوفياتي التي كانت سياسات “البيريسترويكا” السبب الرئيس في سقوطه.
أما بالنسبة لأميركا، فلن تتوقف عن دعم اوكرانيا وتوسّع حلف الناتو فقط، بل كما سبق وشهدنا في مناطق أخرى في العالم، ستقوم بدعم “المعارضة الروسية” للنظام القائم، الى حد تحريك النزاعات القومية التي تطالب بالإنفصال عن الإتحاد الروسي مثل الشيشان على سبيل المثال والتي لطالما شكلت خطراً على روسيا لما تحتويه من تطرّف سني وقوميات تطالب بالإنفصال.
وختاماً، كلما توسّع المستنقع الأوكراني، زادت خسائر بوتين، وكذلك قدّم جوائز وهدايا شبه مجانية للغرب.
وإن غداً لناظره قريب!