مار جرجس -الخضر ( الحارث الاوغاريتي )

أصل اسم مار جرجس – الخضر . الحارث الاوغاريتي

معظم الناس في بلادنا يعتقدون ان اسم جرجس او جورج كما دخل الى اللغات الاوروبية هو اسم اجنبي اوروبي يستعمله المسيحيون فقط
لانه اسم قديس معروف باسم القديس مار جرجس الذي قاتل التنين و دحره و انقذ العروس التي كان التنين يستعد لافتراسها.و لقد شاعت هذه الحكاية حتى اننا صرنا نرى في الكنائس في الشرق و الغرب ايقونات تمثل مار جرجس يطعن التنين برمحه و ينقذ الفتاة منه و يحررها
و اعتقد الكثيرون ان هذه الحكاية دخلت الى اوروبا عن طريق الاغريق و فاتهم ان اسم جرجس هو اسم سوري قديم و انه دخل عن طريق اللغة السورية القديمة الى اليونانية في صيغة/ خرخيوس/ و عن هذه الصيغة اليونانية انتقل الى اوروبا في العصر المسيحي في صيغة/جورج/ و هو اسم لا يزال يكتب الى اليوم بالفرنسية مع حرف السين و لكن دون لفط حرف السين. و لقد حل حرف الجيم محل حرف الخاء اليوناني الذي نقل حرف الحاء السوري القديم و الموجود في الاسم السوري القديم . اما صيغة جرجس فقد استعارها السوريون من الصيغة اليونانية/خورخيوس/ و هم لا يعلمون ان اليونانية استعارت هذا الاسم منهم.

و لو رجعنا الى السجلات التاريخية اللغوية المدونة بالسورية القديمة ( اللغة الامورية -الكنعانية ) و كما تبينها مدونات /اوغاريت -موقع رأس الشمرة على الساحل السوري فاننا نعثر على اسم جرجس كما كان يلفظ بالسورية القديمة في جذر / ح ر ث / اي الذي يحرث الارض او الحارث و الذي كان لقبا يطلق على السيد البعل باعتباره سيد الخصب و الزراعة و هو ، و من الناحية الرمزية ، الذي يحرث الحقول و يجعلها صالحة للزراعة و يتعهدها بالسقاية عن طريق المطر و لذلك كان يلقب بسيد المطر . البرق يعلن مجيئه و الرعد صوته و الغيوم مركبته او حصانه كما نقرأ في قصائد اوغاريت الاسطورية
اسم الحارث دخل الى اليونانية في صيغة / خارث / لعدم وجود حرف الحاء في اليونانية .و لما كانت اللغة اليونانية تقتضي الحاق كل اسم علم مذكر بحرف السين فقد اصبح اسم خارث / خارخوس/ و عن هذه الصيغة دخل الى اللغات الاوروبية في صيغة جورج ثم عاد الينا في صيغة جرجس
منقولا عن اللفظ اليوناني و لما كان لهذا الاسم صفة قدسية فقد جعلته التقاليد اسما لقديس و اطلقت على هذا القديس اسم جرجس الذي يحارب التنين . و لا شك ان الذاكرة الشعبية السورية قد احتفظت بهذه الحكاية شفهيا و تم تغيير الاسماء و اصولها وتاريخها الحقيقي . اما اليوم ، و بعد اكتشاف نصوص اوغاريت ، فاننا اصبحنا نعرف من تلك النصوص ان البعل – الحارث يتصدي للتنين و يحاربه و يتغلب عليه لينقذ بني البشر من شروره و ليعود الخصب الى الارض فتصير / السماوات تمطر سمنا و السواقي تسيل عسلا
كما نقرأ في قصيدة البعل و الموت. و لذلك اطلق اجدادنا السوريون على البعل او الحارث لقب / نعمان/ يعني الذي يفيض بالنعم على بني الانسان

و لقد تجذر هذا الاسم في الذاكرة السورية فاطلقوا اسم النعمان على الزهر الاحمر اللون و سموه شقائق النعمان يعني الجروح التي اصيب بها البعل اثناء قتاله مع التنين. و لما جاءت المسيحية نرى ان الاشياء لم تتغير فقد اخذ البعل الحارث اسم مار جرجس اي الحارث العظيم كما يعني اسم مار جرجس.و لما كان البعل يعتلي صهوة الغيوم و كأنها حصانه حين ياتي فقد تم اعطاء صفة الفارس ايضا لمار جرجس و اطلقوا عليه اسم
مار جرجس الخيال او الفارس

نقرأ في قصيدة البعل و الموت السورية القديمة 1500 على الاقل قبل الميلاد ان الناس كانوا في الاحتفالات الطقسية يخاطبون الرب البعل فيقولون له :

هوذا عدوك ايها البعل
هوذا عدوك فاضربه
هوذا عدوك التنين الذي يناهضك
فاصرعه و اقض عليه

انت ايها البعل -السيد
تضرب التنين الافعى المنسلة
انت تسحق رأس هذا الثعبان الهارب
انت ترض رؤوس التنين السبعة

فاذا انتقلنا الى الادب السوري الشعبي في المسيحية فاننا نقرأ في قصيدة فيها نفس الكلام و لكن حول مار جرجس

لما كان في ذاك الحين
في بيروت ظهر تنين
ريحتو تهلك العالمين
و يعرف باسم الثعبان

اسرع مار جرجس و تقدم اليه
و رفع رمحو و هجم عليه
و ضربو ضربة بين عينيه
و الرمح من خلفه داني

و من يقرأ هذا النص الشعبي يقرأ في الحقيقة النص الشعري القديم كما هو في مدونات اوغاريت
و لا يزال الناس في بلادنا يحتفلون الى اليوم بعيد مار جرجس و هو يقع في الربيع / عودة الخصوبة الى الطبيعة / و لما جاء الاسلام الى سوريا فقد
تم اطلاق اسم ( الخضر) على مار جرجس ظنا منهم ان اسم جرجس اسم اوروبي.و لما كان اسم الخضر يأتي من اللون الاخضر الذي يدل على الطبيعة المزدهرة فإننا نلاحظ ان اللفظ تغير غير أن الدلالة بقيت كما هي

و نستطيع ان نلاحظ ان الصلوات و التضرعات لانزال المطر كان يرفعها الملك بنفسه الى السيد- البعل لاستنزال المطر مما يجعلنا نلاحظ الاصل السوري القديم
لما نسميه اليوم بصلاة الاستسقاء و التي نعتقد انها اسلامية الطابع و جاءت من الجزيرة العربية كما نفعل بكل تراثنا السوري
و اليكم هذا المقطع الذي يمثل صلاة الاستسقاء السورية 1500 سنة قبل الميلاد كما يرفعها الملك السوري / دانيل/ او دينونة الله
و كما هي في مدونات اوغاريت

يقول النص ان الجفاف ضرب الحقول و غطتها اسراب الجراد
فرقع الملك /دانيل /صوته الى الله متضرعا و قال

ربي
اجعل المطر يهطل في فصل الجفاف
ارسل السحب و فيها رذاذ مياه الخريف
و ليهطل الندى و يسقي عناقيد العنب في الكروم

و هكذا نرى ان مار جرجس الخضر ليس سوى البعل السوري نفسه الحارث الاكبر
و يجب ان نشير ان الملوك السوريين الانباط الذين جعلوا مدينة البتراء في الاردن اليوم عاصمة لمملكتهم قد اطلقوا على انفسهم لقب
الحارث فكان هناك الحارث الاول و الحارث الثاني و هكذا و لقد امتد حكمهم في فترة القوة الى دمشق. و كان نائب الملك الحارث يحكم دمشق
عندما دخلها بولس بعد الرؤيا التي حدثت له على ابواب دمشق و التي غيرت تاريخ العالم فيما بعد

اما اسم الحارث السوري فقد دخل كما راينا و بصيغته اليونانية الى كل لغات العالم و اصبح اسما عالميا في صيغة جورج .

*نصوص من اوغاريت
*الدكتور فايز مقدسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!