الورقة السياسية لمجموعة ثوار راشيا

 

صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم /

الورقة السياسية لمجموعة ثوار راشيا
مقدّمة:
تشكلت مجموعة ثوار راشيا كجزء طبيعيّ من المسار الثوري التغييري الذي عبّر عنه جزء كبير من الشعب اللبناني مع انطلاق ثورة 17 تشرين وكل ما سبقها وما لحقها في خدمة هذا المسار، إذ كانت محطة لانطلاق شرارة اللقاء بين مجموعات معارضة على امتداد الوطن، حيث لعبت المجموعة دورها الطبيعي في النشاط الثوري المتمثل بالتحركات والمسار التصعيدي في وجه السلطة، كما المشاركة الفاعلة في العديد من محطات المواجهة النقابية وغيرها، وهي اليوم تطرح ورقتها السياسية المعبّرة عنها والممثلة آراء الأفراد المكونين لها.
نؤمن بأن التغيير مسار تراكمي طويل الأمد، لن يحصل بوقت قصير، إنما بالانخراط في العمل السياسي عبر طرح بديل جدي يمتلك مشروعا رياديا لتسلم السلطة من أجل إنقاذ الوطن وبناء دولة مدنيّة تحترم مواطنيها وتؤمّن لهم أسباب العيش الكريم، وهذا لن يكون إلا عبرالمواجهة المستديمة مع المنظومة السياسية الحاكمة في الساحات والانتخابات البلدية والنيابية والمعارك النقابية والطلابية وغيرها، كما نؤمن بأنّ مواجهة فساد قوى السلطة ومشاريعها الاستحواذية، وترشيد الوعي السياسي في خدمة المصلحة العليا للدولة والأفراد يقودنا حتما إلى قناعة تفضي، في المحصلة، إلى أننا جميعا -من يناصر ويوالي قوى هذه السلطة أو من يعارض ويواجه- ضحايا هذا النظام.
إنّ التّشاركية، المساواة، الدّيمقراطية، الشفافيّة، النّزاهة، احترام القوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء، رفض الخطاب الأبوي/التسلّطي والعنصري وأي نوع من أنواع التهميش والتحريض والتمييزالطائفي والعقائدي والإثني والجندري، هي في صلب قناعاتنا ومشروعنا السياسي بكل ما تحمله تلك المصطلحات من قيم إنسانية تعلي شأن الفرد والمجتمع وتعزّز حضورهما الحيوي والفاعل. ونعتبر أنَّ الخدمة العامة هي أساس العمل السياسي وغايته المنشودة التي بدونها يفقد هذا العمل جوهر وجوده ومبرر قيامه.

وصف الواقع السّياسيّ:
يعاني لبنان اليوم أزمة قديمة العهد تتجدد مع كل حقبة سياسية، أزمة نظام حقيقية تستبطن الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، إلّا أنّ الخلل الحقيقيّ يتمثّل في الأزمة السياسيّة وما تستتبعه من أزمات موازية في الإدارة والأمن والاقتصاد والقضاء (ليس آخرها إنفجار المرفأ في الرابع من آب) حيث شكّل النّظام الطّائفي المكرّس منذ الاستقلال، والذي اتّخذ من الأحزاب السياسيّة غطاء للممارسات الخارجة عن الشّرعية والسّيادة، عائقًا في وجه قيام الدّولة العادلة والقادرة على حماية مصالح مواطنيها كما مصالحها الاستراتيجية، وكان النّظام الطّائفي شاهدًا، محرّكًا ومغذيًا للعديد من المحطات الأليمة لا سيّما الحرب الأهلية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين.
إنّ مسؤولية ما وصلت إليه البلاد اليوم، تتحملها بصورة قطعية الطبقة السياسية التي شاركت في الحكم منذ اتّفاق الطّائف حتى يومنا هذا، هذا الاتَفاق الذي أعاد إنتاج الزّبائنيّة في الممارسة والنهج، والذي سمح للطّبقة السالفة أن تتمدّد أخطبوطيًّا في مراكز الدولة كافة وصولًا إلى الأجهزة والإدارات التي فقدت مواقعها الوطنية لصالح التّوزيع والتّحاصص الطائفي والحزبي.
كما كان هذا النّظام ولّادًا لحركات أيديولوجية، عقائدية ودينية… تطاولت على منطق الدولة وسيادة السلاح الشرعيّ فيها، وأمعنت في الاستقواء بسلاحها الميليشياويّ على الشّرعية، سواء منه السلاح المستتر في الكواليس أوعلى لوائح الانتظار (سلاح الأحزاب الطّائفية وغير الطّائفية) والمستخدم في ترهيب كلّ مخالف أو معارض … أو السلاح المعلن الذي يجاهر به حزب الله في تركيع منطق الديموقراطيّة والشّرعيّة .
هذه الطّبقة السّياسية مسؤولةٌ أيضًا عن كلّ السّياسات الاقتصادية الفاشلة المتمثّلة بالاعتماد على الاقتصاد الريعي والاستدانة المفرطة وتدمير القطاع الإنتاجي، والتي تبيّن أنّها خطّةٌ مُحكَمةٌ هدفت إلى زيادةٍ طائلةٍ في أرباح المصارف -ومَن خَلفها- على حساب القطاعات المنتجة والاستثمارات التّنموية الهادفة، والطّبقات المحدودة الدّخل، بالإضافة إلى الفساد المستشري والهدر الممنهج لمقدَّرات الدّولة وخزينتها عبر الوزارات والصّناديق وغيرها من أبواب الهدر.

رؤيتنا للدّولة:
إنّ رؤيتنا للدّولة يمكن أن تتلخّص في مجموعة سمات أو خصائصَ تُبرز أهمَّ ما يمكن أن تقوم عليه ركائز الدّولة المرتجاة، والتي تشكّل في وجداننا صورة الدولة المعاصرة التي تتكرّس فيها -بالممارسة والتّطبيق- قيم العدالة والحق والخير والحرية:

– دولة مدنيّة تستوحي قيم العلمانيّة السياسيّة في إقصاء المؤسّسة الدّينيّة عن المؤسّسة السّياسيّة وجعل المناصب والمواقع السّياسيّة خارج احتكارات الطّوائف والأديان. دولة العدالة الاجتماعية الّتي تُرسي قيم المواطنة وتُؤمن بأنّ حقوق المواطنين ليست سلعة تخضع للعرض والطّلب بل حقوق مقدّسة واجبٌ على الدّولة ومؤسّساتها تأمينُها (الحق في العمل والتّعليم والطّبابة والسّكن)، مع الإشارة إلى إيماننا باستقلاليّة القضاء عن أيّ مؤثّرات، واعتباره المؤسّسة الرّئيس المنوط بها حماية الحقوق وصون الحريات، مع التّشديد على التزام تطبيق الدّستور اللّبنانيّ والاحتكام إليه.

– رفض الارتهان إلى الخارج الذي يحاول فرض السيطرة والهيمنة على القرار السّيادي والانتقاص من استقلاليّة الدّولة وهيبتها، أيًّا كان هذا الخارج وتحت أيّ ذريعةٍ حاول ذلك، مع الإقرار بأهميّة الحفاظ على العلاقات المميّزة مع المحيط العربي وباقي دول العالم طالما تتحقق فيها مصالح الدّولة والشّعب، وتأكيد العداء للكيان الإسرائيليّ وحقّ الدّولة المشروع في مواجهة كل محاولاته لسرقة مقدَّراتها وثرواتها.

– نظام اللّامركزية الإدارية عبر التّركيزعلى بعض الدّراسات المعمّقة حول الموضوع سبق إعدادها من قبل أصحاب الاختصاص.

– نظام اقتصادي حرّ يعتمد التّوازن بين القطاعات الصّناعية والزّراعية والخِدماتيّة، يدعمها ويعمل على إعادة توزيع المداخيل وردم الهوّة بين الطّبقات الاجتماعية عبر نظام ضرائبيّ حديث وعادل (ضريبة تصاعدية) ومعالجة الخلل البنيوي الحاصل بين قوى الإنتاج، اقتصاد منتج لا اقتصاد ريعي تُعزّز فيه القطاعات المنتجة مع توفير المناخات الملائمة لتشجيع الاستثمار من خلال تطوير البنى التحتيّة (الكهرباء – الطرقات – الإنترنت…) وتخفيض كلفة عناصر الإنتاج (تخفيض الفوائد على القروض الاستثمارية – مكافحة التضخم المالي – تخفيض الأعباء الضريبيّة والاجتماعية عن كاهل المنشآت الاقتصادية)، وتحسين نوعية الإنتاج من خلال خلق وتعزيز قواعد المنافسة ما يحسّن تنافسيّة الاقتصاد اللّبناني.

– الوصول إلى الحوكمة (الإدارة الرشيدة) وتعزيز قدرة الرقابة والمحاسبة وترسيخ مبدأ الشفافية.

– دعم العمل النقابي وتعزيز دور الشباب وانخراطهم في الشأن العام وتوعيتهم على لعب دورهم في العمل السياسي، وإعداد رأسمال بشري كفؤ من خلال التّعليم والتّدريب يرتقي بالاقتصاد اللّبناني عبر تعزيز مكانة اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا في بنيته الأساسية.
أُقرّت هذه الورقة السياسيّة في
السّادس والعشرين من أيلول 2021

 

متابعة: جنى السقعان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى