الآتي: تصنيف لبنان دولة فاشلة!

صدى وادي التيم- لبناتيات/

على رغم كل الكلام الذي يتردّد عن اتفاق ممكن مع صندوق النقد الدولي، خلال أسابيع، فإنّ العالِمين بالأمور يجزمون أن لا اتفاق في الأفق، وأنّ مسار الانهيار اللبناني مستمرّ حتى النهاية. وفي الربيع ستظهر مفاعيله بشكل واضح.

ما تريده القوى الدولية من لبنان هو أن يتغيَّر سياسياً. لذلك، هي ستجرِّب الرهان الوحيد الباقي حالياً، الانتخابات النيابية، لعلّه يقود إلى تغيير معيَّن في تركيبة السلطة، ويؤدي إلى إضعاف نفوذ «ح ز ب ا ل ل ه». ولكن، هل الرهان على الانتخابات في محلِّه الصحيح؟
العالمون يقولون: لا يجوز الاستخفاف بعقول الناس وخداعهم بالشعارات وتنويمهم على حرير الأهداف التي لا يمكن تحقيقها في لبنان حتى إشعار آخر.

فملف الانتخابات يمسك به «ح ز ب ا ل ل ه» تماماً ويقوده ببراعة، ولا يمكن لأحد أن يتوهَّم بعكس ذلك. ولذلك، فـ»ا ل ح ز ب» لا يخشى الانتخابات إطلاقاً. وهو عندما يوحي أحياناً بعكس ذلك يكون هدفُه تضليل الخصوم ودفعهم إلى المراهنة على سراب الانتصارات.

وكذلك، عندما يتوعَّد بعض محترفي الشعارات بـ»تكسير الأرض» في الانتخابات، من دون أي مقومات واقعية، يقدِّمون أكبر خدمة لـ»ح ز ب ا ل ل ه » لسببين:

1- لأنّهم يسبغون على هذه الانتخابات طابع المعركة المتوازنة، فيما هي فعلاً مختلة التوازن تماماً.

2- لأنّهم يدفعون الناخبين إلى بناء الآمال الخادعة، وهذا ما يقودهم إلى إحباط جديد.

3- والأهم، هو أنّ بعض «المتحمّسين» لشعارات الانتصار في الانتخابات هم أسوأ نماذج التغيير، وهم يتحمّلون مسؤولية أساسية في إفشال ثورة 17 تشرين 2019، بأنانياتهم وقِصْر نظرهم.

 

وهناك طريقتان جاهزتان يحتمي بهما «ح ز ب ا ل ل ه» من أي صدمة يمكن أن يتعرّض لها في الانتخابات. وهو يستخدم الطريقة المناسبة، وفقاً للحاجة:
– الأولى هي تطيير الانتخابات، إذا أحسّ باحتمال فقدانه بعض السيطرة عليها. وهو قادر بسهولة على تطييرها.

– الثانية هي «ضبط أَنفاس» العملية الانتخابية، من الترشيحات والتحالفات إلى عمليات الاقتراع والفرز وإصدار النتائج. وهو قادر على ذلك، لأنّه يُمسك بكل مفاصل المؤسسات.

 

إذاً، في أي حال، لا يمكن الرهان على الاستحقاق الانتخابي لتحقيق التغيير السياسي الذي يطالب به المجتمع الدولي. ولن يختلف لبنان بعد الانتخابات عمّا كان قبلها، حيث المنظومة الحالية تمسك بالسلطة تماماً، وتعاند في مواجهة الإصلاح أياً كان الثمن.

لذلك، يتحدث المطلعون عن اتجاه حتمي يتّجه إليه المجتمع الدولي وهو تصنيف لبنان دولة فاشلة، ما دامت المنظومة الحالية ممسكة بالسلطة، سواء بتعطيل الانتخابات أو بإجرائها على قياسها وتحت سيطرتها. والسبيل الوحيد إلى تفادي هذا التصنيف هو رضوخ قوى السلطة للمطالب الدولية والعربية. وحتى الآن، لا شيء إطلاقاً يوحي بذلك.

 

وعلى العكس، يقرأ الخبراء بعض الخطوات التي يتّخذها المعنيون في السلطة على أنّها المدخل المباشر إلى تصنيف الدولة الفاشلة، ومنها أنّ لبنان بدأ ينتقل تدريجاً نحو التخلّي عن عملته الوطنية التي باتت عبئاً عليه، واعتماد الدولار الأميركي.

يقول هؤلاء: في الأشهر القليلة المقبلة، وبعد انسداد كل السبل المؤدية إلى تحقيق التغيير السياسي، وفي ظل اهتراء شديد في الواقع المالي والنقدي والاقتصادي والإداري، ستبدأ خطوات دولية جديدة من نوعها تجاه لبنان، وستكون مصيرية له.

 

وفي هذا ما يبرِّر تحذير البيت الأبيض، قبل أيام، من «وجود مؤشرات إلى أنّ لبنان يسير نحو الفشل». وفي الحقيقة، بات الاقتناع الدولي راسخاً بأنّ لبنان هو الآن دولة فاشلة. لكن القوى الدولية النافذة تتجنّب إعلان ذلك والتصرُّف على أساسه، لما للأمر من تداعيات في لبنان والشرق الأوسط.

 

ولكن، في مرحلة لاحقة، سيبلغ الاهتراء اللبناني حدود عدم القدرة على الإصلاح. وستكون أكثر العلامات خطَراً، بعد تصنيف لبنان دولة فاشلة، قيام المصارف المراسلة بمقاطعة المصارف اللبنانية التي تعتمد العملة الوطنية في تقويم الأرصدة والرساميل، إلى جانب الدولار.

هذا الأمر سيدفع المصارف إلى التخلّي نهائياً عن الليرة في تعاملاتها. وهو ما بدأ يحصل اليوم من خلال التدابير التي فرضت «دولرة» الرواتب والودائع، والتي يتوقع الخبراء أن تتسع لتصبح «دولرة» شاملة. فالسقوط الكامل لليرة سيكون العلامة الأبرز لسقوط الدولة ككل.

قبل تشرين الأول 2019، كانت هناك ضمانتان لاستمرار الدولة اللبنانية، بعدما سقطت المؤسسات الأخرى، وهما الجيش ومصرف لبنان. وبعد هذا التاريخ، بدأ المصرف يتزعزع تدريجاً. ومع «الدولرة» الكاملة واضمحلال موقع الليرة، يتزعزع دور المصرف المركزي أيضاً، ولا يبقى صامداً سوى الجيش.

وهذا الصمود سيشكّل الضمانة لبقاء الكيان، لأنّ من دونه سيلتحق لبنان اليوم بالدول الشرق أوسطية غير المستقرة كلها، والغارقة في الحروب أو التي لم تستطع حتى اليوم أن تخرج من حروبها السابقة، وأبرزها سوريا والعراق واليمن.

يعني ذلك أنّ صورة الوضع اللبناني داكنة في العام 2022. وفي الحضيض، سيكون التحدّي هو الآتي: هل يستجمع لبنان عناصر الانهيار للانطلاق في مسار النهوض من جديد، أو سيغرق في هذه العناصر إلى ما لا نهاية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!