في عام ١٩٦٣ نشرت صحف العالم ان لبنان رابع اكبر دولة ازدهارا” في العالم !
لبنان الذي يخرج في كل مرة من رحم الحروب ليهدي للعالم الجمال والفن نراه هذه المرة، يبكي بل اكثر من ذلك..
في الشارع لا دواء حتى ابسطه، ولا وقود حتى اقله، ولم يعد أحد يعرف ان كان هذا الطابور أو ذاك هو لشراء الخبز او الدواء أو لتعبئة قليل من الوقود في السيارة..
مايذكرنا بما نقل عن ماري انطوانيت ( اذا لم يجدوا الخبز فعليهم بأكل الكعك) ولكن حتى في ذلك الزمن المظلم الذي رسمه فكتور هوغو كان هناك كعك يمكن الحصول عليه، في لبنان حتى ذاك لم يعد موجودا”.
بعد كل هذه المسيرة التعليمية ووجود كل تلك العقول النيرة، التي أضاءت على العالم، وكل هؤلاء المهنيين الرفيعي المستوى، اصبح ابسط احلامهم هو الهرب بالمال او بالخبرة الى الخارج.
ان هذا البلد الصغير الذي عاش صراعات وحروبا” اهلية وأزمات ومشكلات، نراه اليوم يحترق، أمام الفساد المستشري الذي يسري في كل مفاصل الدولة منذ سنوات.
أيها الأصنام…
يا أصحاب الموائد الفاخرة، والأطعمة الدّسمة، أخوكم في الوطن انتحر لأنه ما كان يملك ثمن الزعتر.
يا أصحاب الجيوب المنتفخة، والأموال المكدّسة، ابنكم في الوطن النازف، وضع حدًّا لحياته لأنّه لا يملك مبلغًا يسدّ عوز عائلته وأهله.
وذلك المتألّم، حاول إحراق نفسه ليزيد لهب النار المشتعلة في داخله علّ مشاكله وهمومه تنطفئ.
وآخر حاول أن يرمي بنفسه من مكانٍ عالٍ علّه بسقوطه يرتفع إلى السّماء ويتخلّص من أعبائه.
وسواهما حمل المسدس وأفرغ رصاصةً في رأسه المثقل بالهموم والمشاكل وهو لا يكفّ عن التفكير في محاولةٍ لإيجاد حلولٍ من دون جدوى.
أين أنتم؟ أين تعيشون؟ هل أنتم من كوكبنا؟ أم أنكم تعيشون في كوكبٍ آخر؟ هل تعلمون ما يجري بسببكم؟ هل حاولتم إصلاح أي شيء؟ أم أنكم تزيدون الأمر سوءًا، وتصبون زيت الحقد اللامبالاة فوق نار العوز فيتأجج الشعب جوعًا وفقرًا.
ليتكم تصبحون من هذا الشعب، ليتكم تتنازلون عن عروشكم المرصعة بجواهر أعمت قلوبكم وأعينكم، ليت ضمائركم تستفيق من غيبوبتها، وتعودون إلى رشدكم وصوابكم لتنهضوا بهذا الوطن، تحت مسمّى (بلد واحد لأبنائه جميعهم) لا للأغنياء فقط. إنه ليس ملككم، فالطّيبة فيه لا تشبهكم، والجود المتمثّل في أبنائه بعيد عنكم، والكرامة المعمّدة بدماء التضحية لا تمت إليكم بصلة.
تنازلوا عن عروشكم لأنها باقية هنا، في هذه الدّنيا الفانية؛ ولن تأخذوا ثرواتكم معكم فلن تحملوا سوى خطاياكم التي اقترفتموها بحق الوطن. عوا مسؤولياتكم أمام الشعب الموجوع، الفقير. انهضوا بوطنكم وبأبنائه علّكم تستطيعون إنقاذ ما تبقّى من بشرٍ وحجر. كونوا لمرّةٍ واحدةٍ اسماً على مسمّى، كونوا مسؤولين.
بتول الحلاني