«جامعة الكبار» في بيروت..نعم تستطيع التعلم بعد الستين

صدى وادي التيم- لبنانيات/

من غرفة المعيشة إلى السجادة الحمراء، تغيرت حياة تيريز جحا (60 عامًا)، ربة منزل، بعد انضمامها إلى جامعة كبار السن، وهي مبادرة للتعلم مدى الحياة، بالجامعة الأمريكية في بيروت، لمن هم في الخمسين من العمر، أو تجاوزوها.

كانت «جحا» واحدة من 16 زميلًا جامعيًا ورسامًا من الهواة، تتراوح أعمارهم بين 52 و81، شاركوا في مهرجان قطر الدولي للفنون في تشرين الأول/ أكتوبر، حيث وجدوا فرصة لعرض أعمالهم، وبيعها.

وتقول «جحا»، التي تلقت دروس الرسم، عبر «زووم»: «اكتشفت أن لدي موهبة كامنة. كنتُ أنظر إلى اللوحة وأسأل نفسي: هل يُعقل أنني من رسمها؟ كان الانضمام إلى جامعة كبار السن نعمة». وتضيف السيدة، التي لم تكمل تعليمها ما بعد الثانوي، وهي أم لطفلين: «كرستُ حياتي عائلتي. الآن، بعد أن كبر الأطفال وغادروا، يمكنني أن أقوم بأشياء لإرضاء ذاتي».

«اكتشفت أن لدي موهبة كامنة. كنتُ أنظر إلى اللوحة وأسأل نفسي: هل يُعقل أنني من رسمها؟ كان الانضمام إلى جامعة كبار السن نعمة».

تيريز جحا  (60 عامًا)، ربة منزل

تُعدّ جامعة الكبار في الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB)، الأولى من نوعها في لبنان والمنطقة. وقد «سجّلت نجاحًا ملحوظًا منذ إطلاقها في عام 2010»، بحسب ميرا زعتري، المديرة المساعدة لبرنامج تعليم كبار السن.

وتقول «زعتري لـ«الفنار»: «تجاوز البرنامج توقعاتنا كثيرًا. كبار السن متحمسون جدًا، وهم حريصون على التعلم والتفاعل. بعض المشاركين في البرنامج، كانوا قد درسوا في الجامعة بالفعل، ولديهم وظائف، بينما لم يحظ آخرون بفرصة إكمال تعليمهم». وتضيف: «لدينا أعضاء في التسعين من العمر، وما زالوا في غاية النشاط، وقد أدى ذلك إلى خلق بيئة بناءة بين الأجيال، تعزز الاندماج الاجتماعي».

ويقدم البرنامج فصلين دراسيين في السنة، بمناهج مختلفة. وتغطي محاضراته، ودوراته المصغرة، طيفًا من الموضوعات، مثل: الصحة، والسياسة، والموسيقى، والفن، والرياضيات، والاقتصاد، واللغات، والأدب، والرفاه الصحي والتأمل. كما توفر المبادرة أندية للكتاب، باللغتين الإنجليزية والعربية، وتنظم رحلات تعليمية داخل لبنان وخارجه.

مقابل رسوم رمزية تبلغ 400 ألف ليرة لبنانية لكل فصل دراسي، أي ما يعادل أقل من 20 دولارًا بعد هبوط قيمة الليرة، تتاح للمشاركين فرصة تعلم أشياء جديدة، والبقاء نشطين ومنخرطين اجتماعيًا وفكريًا. (اقرأ المقال ذي الصلة: في ظل أزمة متفاقمة، طلاب يقاضون جامعات لبنانية بسبب زيادة المصروفات).

يقود البرنامج بالكامل متطوعون، من طلاب الجامعة الأمريكية في بيروت، وأساتذة وأطباء من المستشفى الجامعي، الذين يكرسون وقتهم لإلقاء محاضرات ودروس في فترة ما بعد الظهر. وتقول «زعتري»: «يهدف البرنامج لإيجاد مجتمع لكبار السن، ومعظمهم من المتقاعدين، حيث يمكنهم البقاء في تواصل مع غيرهم. في الماضي، لم يحظ البعض بفرصة الانضمام إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وهم يشعرون بالفخر حيال ذلك الآن».

تحولت الفصول والمحاضرات إلى الإنترنت، مما دفع المشاركين إلى تطوير مهارات التكنولوجيا الحديثة. كما سمح الاتصال بالإنترنت للراغبين في الاشتراك من خارج لبنان بالتسجيل.
تحولت الفصول والمحاضرات إلى الإنترنت، مما دفع المشاركين إلى تطوير مهارات التكنولوجيا الحديثة. كما سمح الاتصال بالإنترنت للراغبين في الاشتراك من خارج لبنان بالتسجيل.

مع انتشار وباء كوفيد-19 والإغلاق اللاحق، تحولت الفصول والمحاضرات إلى الإنترنت، مما دفع المشاركين إلى تطوير مهارات التكنولوجيا الحديثة. كما سمح الاتصال بالإنترنت للراغبين في الاشتراك من خارج لبنان، بالتسجيل. وتضم الدورات الآن، طلابًا كبارًا من اليونان، ونيجيريا، وقطر، وتركيا، والإمارات، والولايات المتحدة.

وتواصل «جحا» الحديث بالقول إن الدروس والمحاضرات عبر الإنترنت «ساعدتها في التغلب على العزلة والضغط الناجم عن إغلاق فيروس كورونا». وتوضح: «جعلني ذلك مشغولة بطريقة مفيدة ونافعة. عززت ثقتي بنفسي واحترامي لذاتي. علاوة على ذلك، اكتسبت عائلة جديدة. إنها حزمة كاملة دفعتني للخروج من غرفة المعيشة».

«عندما اقتربت من سن التقاعد، بدأت في استكشاف طرق لملء وقتي بطريقة بناءة. لم أستطع البقاء خاملة بعد 44 عامًا من مسيرة مهنية مُرضية».

ضحى سليم  (72 عامًا)، مديرة مدرسة متقاعدة وجدّة لحفيدين

أما بالنسبة لضحى سليم، (72 عامًا)، وهي مديرة مدرسة متقاعدة وجدّة لحفيدين، فقد كان الانضمام إلى جامعة كبار السن بمثابة «خلاص». وتقول: «عندما اقتربت من سن التقاعد، بدأت في استكشاف طرق لملء وقتي بطريقة بناءة. لم أستطع البقاء خاملة بعد 44 عامًا من مسيرة مهنية مُرضية».

وتضيف: «فاقت تجربتي في الجامعة كل التوقعات؛ اكتسبت معرفة حول مواضيع لم أكن أهتم بها حقًا في الماضي، مثل الاقتصاد، لكن أكثر ما أقدره هو الجو الإيجابي وتكوين صداقات جديدة».

قبل حلول الوباء، تمتّع الطلاب الكبار بحياة الجامعة؛ حيث كانوا يتجولون في الحرم الجامعي، ويلتقون بأشخاص جدد قبل الذهاب إلى الفصل، في تمرين يومي «كان له تأثير إيجابي على صحتهم النفسية». وتواصل «سليم» الحديث، فتقول: «يمكن أن يكون كبار السن نشطين للغاية، ولديهم الكثير من الخبرة والمعرفة لمشاركتها. أنا طالبة الآن، لكنني، وبسبب خبرتي السابقة في التعليم، كنت في الوقت ذاته جزءًا من لجنة المناهج التي ساعدت في تصميم برامج الجامعة».

بالمثل، عاد المهندس المتقاعد جاك أكمكجي (76 عامًا)، إلى الجامعة الأمريكية في بيروت بعد 50 عامًا من تخرجه، حيث التحق بجامعة الكبار قبل عامين بناءًا على نصيحة ابنته. وعن تجربته، يقول: «إنها طريقة جيدة، وبناءة لسد فجوة ما بعد التقاعد. أطلعتني التجربة على موضوعات جديدة لا نتناولها عادة في الأعمال الهندسية، مثل الصحة والتأمل والرفاهية والموسيقى والفن».

ويضيف «أكمكجي»: «جامعة كبار السن مثال إيجابي لمرحلة الشيخوخة، ويجب الاقتداء بها في دول أخرى بالمنطقة. الجميع سيكونون من كبار السن في يوم من الأيام. ومن الجيد أن تعرف أن هناك شيئًا من شأنه أن يجعلك تتقدم جسديًا وروحيًا». ومع ذلك، يرصد «أكمكجي»، ما يعتبره «عدم توازن بين الجنسين فيما يخص المشاركين في البرنامج»، قائلًا: «غالبية المشاركين من النساء. علينا أن نغير الانطباع بأنه مخصص للمُسنّات فقط. يجب تشجيع الرجال على الانضمام أيضًا».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!