الحيوانات أصبحت تتكاثر لاجنسيًّا! فهل نشهد ذلك في البشر يومًا ما؟
صدى وادي التيم- متفرقات/
أنثى وذكر، رجل وامرأة، طرفان لا يمكن الاستغناء عنهما من أجل ولادة طرف ثالث، حتى في حالات التلقيح الصناعي، يجب أن يتوفر السائل المنوي للذكر حتى يُحقن في بويضة الأنثى ليتم التلقيح ثم الحمل. هذه قصة التكاثر التي عرفتها البشرية من الأزل، لكن ماذا لو أخبرتك بأن هناك بعض الكائنات الحيَّة تستطيع التكاثر لاجنسيًّا دون طرف آخر؟ هذه ليست قصة خيال علمي أو أسطورة، هذا واقع أثبته العلم وشرحه بالتفصيل في ظاهرة يُطلق عليها «Parthenogenesis» أو التوالد العذري، أو التكاثر اللاجنسي.
إناث طائر الكندور تقصي شريكها وتتكاثر لاجنسيًّا بمفردها!
في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021، نُشر في «مجلة الوراثة» التابعة لـ«الرابطة الجينية الأمريكية» دراسة بعنوان «Facultative Parthenogenesis in California Condors» أو «التوالد العذري الاختياري لطائر الكندور بكاليفورنيا»، وما أثبتته تلك الدراسة أنه على الرغم من ندرة حدوث تكاثر لاجنسي بين الطيور، فإن إناث طيور الكندور التي تعيش في كاليفورنيا والمهددة بالانقراض –بشكل خطير- اختارت أن تتكاثر لاجنسيًّا. وأكدت الاختبارات التي أجريت على بيوض وفراخ بعض إناث طيور الكندور؛ أن نسبهم الجيني يعود للأم فقط، وأنها فقست من بيض غير مخصب من جانب الذكر.
في تصريح لها لشبكة «سي إن إن»، وضحت سينثيا شتاينر، وهي مشاركة في كتابة هذه الدراسة؛ أن تلك النتائج تعد مفاجأة للكثير من العلماء، مؤكدة أنهم – هي وزملاؤها المشاركون في كتابة الدراسة- لم يتوقعوا أن يجدوا حالة تكاثر لاجنسي في طائر الكندور، موضحة أن ظاهرة التكاثر اللاجنسي ليست غريبة على مملكة الحيوان، لكنها نادرة للغاية في الطيور، والذي يزيد الأمر غرابة – تضيف سينثيا- أن إناث الطيور اللاتي اختارت أن تتكاثر لاجنسيًّا، كان يعيش معها بالفعل طائر ذكر قادر على الإنجاب، وقد أنجبن منه من قبل، لكنهن – لسبب غير معلوم- قررن باختيارهن التكاثر اللاجنسي وإقصاء الذكر في عملية التكاثر. فما هي الكائنات الأخرى التي تتكاثر لاجنسيًّا؟ وكيف تتم عملية التكاثر اللاجنسي؟
كيف يحدث التكاثر اللاجنسي؟
التكاثر الجنسي يعتمد على مكونين أساسيين، وهما بويضات الأنثى، والحيوانات المنوية للذكر، ويوفر كل منهما نصف المعلومات الوراثية (الجينات) المطلوبة لتكوين كائن حي، لكن في حالة التكاثر اللاجنسي، يجد جسم الأنثى طريقة فريدة لتوفير الجينات التي تساهم بها الحيوانات المنوية، دون أن تُلقح البويضة لها.
في التكاثر الجنسي المعتاد بالكائنات الحية تتم عملية التبويض في الأنثى عن طريق المبيضين، حيث يعاد تمثيل الخلايا ويعاد تنظيمهم وفصلهم على شكل بويضات جاهزة للتلقيح، وتلك البيوض تحتوي على نصف كروموسومات الأم فقط بمعدل نسخة واحدة من كل كروموسوم، ولكن خلال تلك الانقسامات وإعادة التمثيل للبويضات تحدث عملية ثانوية تسمى «الأجسام القطبية» أو «polar bodies»، وهي عبارة عن خلايا أصغر تتميز عن البيضة المخصبة، وفي بعض إناث الحيوانات المميزات، تستطيع واحدة منهم من خلال عملية يطلق عليها العلماء «Automixis»، دمج البويضة المخصبة بالجسم القطبي بديلًا للحيوان المنوي، ومن ثم التكاثر ذاتيًّا ولاجنسيًّا.
معظم الكائنات الحية التي تتكاثر لاجنسيًّا بتلك الطريقة، ينتج من نسلها ذرية من الإناث فقط، ولكن في حالات نادرة مثل حشرات المن (قملة النبات) تستطيع الأنثى فيها ولادة ذرية من الذكور بتكاثر لاجنسي، وعادة ما يكون هؤلاء الذكور قادرين على الإنجاب، لكنهم ينجبون إناثًا فقط.
وهذا النوع من التكاثر اللاجنسي هو ما جرى توثيقة في القروش وبعض الزواحف والحشرات، لكن هناك طريقة أخرى يحدث بها التكاثر اللاجنسي في الطبيعة، لكن في النباتات. ولأن تكوين النبات البيولوجي أبسط من الحيوانات، فيمكنه أن يمارس تلك الحيلة – التكاثر العذري- عن طريق إعادة تمثيل الخلايا الإنجابية عبر الانقسام فقط.
هل يمكن حدوث تكاثر لاجنسي في البشر؟
في عام 1995 سجل العلم الحديث أقرب شيء يمكنه وصفه بالتكاثر اللاجنسي، عندما وصف علماء الوراثة البريطانيون حالة صبي صغير جسده مشتق جزئيًّا من بويضة غير مخصبة في جسم أمه؛ بـ«الحالة الرائعة» أو «المثيرة للاهتمام».
أوضح وقتها العلماء أن تكوين جنين من بويضة غير مخصبة في البشر هو أمر يمكن حدوثه لكن لن يكتمل نمو هذا الجنين في رحم الأم وسيتحول إلى ما يعرف باسم الورم المسخي في المبيض، وهذا لأن التكاثر اللاجنسي لا يسمح ببناء هيكل عظمي، لكن هذا الطفل الذي كان عمره في وقتها ثلاث سنوات، ولد بتكاثر لاجنسي، وعلى الرغم من بعض التشوهات في ملامح وجهه، وصعوبات يواجهها في الفهم والتعلم، فإن العلماء أكدوا أنه بصحة جيدة!
وصرح الباحثون المشرفون على حالة الطفل الذي لم يعلن عن هويته، بأن هذا الطفل يثبت أنه مهما كانت العوائق التي تحول دون التكاثر اللاجنسي في البشري بشكل ناجح، فإنه من الواضح أن هذا الطفل لديه دورة دموية طبيعية، رغم أنه تكون من خلايا غير مخصبة. وتتلاءم حالة هذا الطفل مع الأبحاث التي أجريت على الفئران، وهي الحيوانات التي تعد أجهزتها الحيوية هي الأقرب للأجهزة الحيوية للبشر.
وقد تمكن الباحثون من تخليق حيوانات تتكاثر جزئيًّا عن طريق الإخصاب بالمختبر، وأكد عظيم سوراني، عالم الوراثة بجامعة كامبريدج، أن تجاربه أظهرت أن عدم تكون الهيكل العظمي فقط، هو الأزمة في التكاثر اللاجنسي لدى البشر، بل إن تكوين الجلد للجنين أيضًا سيكون أمرًا معقدًا ويمنع عملية النمو الكامل داخل الرحم ويجعل مصير الجنين مجرد ورم في الرحم.
وأخيرًا لم يكن التكاثر اللاجنسي يثير دهشة العلماء وإن أثار اهتمامهم حين كان مقتصرًا على الكائنات ذات الأجهزة الحيوية البسيطة، مثل الحشرات والسحالي الصغيرة، لكن انضمام كائنات معقدة التكوين حيويًّا مثل الطيور؛ أصبح أمرًا يثير حيرة العلماء ودهشتهم، ويفتح مجالًا جديدًا للبحث في علوم الأحياء!