سوق الخان في حاصبيا.. يبقى صلة الوصل بين الأصالة والحضارة
في كل ثلاثاء من كل اسبوع يتجدد الموعد: يلتتقي المواطنون والتجار من شتى المناطق والطوائف، ومعهم بضائعهم المختلفة من مواد غذائية، وفواكه وخضار، ولحوم وشتول ومزروعات، وألبسة وأحذية وأدوات منزلية… ويكون المكان أحد أقدم الأسواق الشعبية في لبنان. انه “سوق الخان” الذي يتوسط مناطق حاصبيا والعرقوب ومرجعيون، وقاصدوه من الجنوب والبقاع وجبل عامل، وكانوا قديماً يضمون وافدين من الحولة والجليل في فلسطين، وحوران والجولان في سوريا. بحيث تنشط فيه مختلف أنواع المتاجرة ومنها المقايضة، أي تبادل بضائع بأخرى، ورزق برزق. قيمة تاريخية سمي السوق نسبة إلى الخان الكبير، الذي بناه والي المنطقة آنذاك، أبو بكر الشهابي سنة 1350، مستعملاً في تشييده الحجر القديم، والكلس والتراب الأبيض.
وسرعان ما أصبح، في حينه، بمثابة محطة للمسافرين وقوافل التجار الوافدين من سوريا وعمق الجزيرة العربية والقاصدين فلسطين وشاطئ المتوسط وبالعكس. كما كان السوق محطة إيواء قوافل البغال والجمال والدواب، القادمة من أنحاء جبل عامل وصفد والحولة، إلى منطقة البقاع وسوريا. جرت في سوق الخان أولى معارك الكجك أحمد باشا والمعنيين، وقُتل في هذه المعركة الأمير علي بن الأمير فخر الدين، كما قُتل فيها الشيخ غضبان العماد إلى جانب الأمير علي. لم يبق من الخان سوى بعض جدرانه ، وذلك بسبب الدمار الذي ألحقته الاعتداءات الإسرائيلية بالمنطقة منذ عام 1969.
وكان الخان يتسع للعديد من “المكارية” (الذين ينقلون البضائع على ظهور الحمير والبغال) الذين يؤمّونه بقصد المنامة، أو لعرض بضائعهم. ولا يزال السوق مستمرا منذ عام 1365 حتى يومنا هذا. ولم يتوقف نشاطه، سوى خلال الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة في آذار عام 1978، لفترة وجيزة، وكذلك خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. مواصفات السوق يمتد سوق الخان، على مساحة تزيد على ثلاثين ألف متر مربّع، بمحاذاة الضفة الغربية لمجرى نهر الحاصباني.
أما الخان نفسه، فتبلغ مساحته الإجمالية نحو سبعة آلاف متر مربع. والسوق متعدد الأجنحة بحيث تفصله طريق ضيقة للسيارات. فوق الطريق تُعرض البضائع المتنوعة كالثياب الجاهزة والأثواب والسجاد والأحذية والأدوات المنزلية، والأواني الفخارية التي تشتهر بصناعتها راشيا الفخار. وتحت الطريق مباشرة، تعرض مختلف أنواع الفواكه والخضار والحلويات. وإذا نزلنا قليلاً نجد سوقا كبيراً لبيع اللحوم ولشواء اللحم. وإلى أسفل السوق، حيث السهل الواسع، هناك مجال كبير لسوق الحيوانات المختلفة من بيع وشراء ومقايضة.
كما يجد قاصد سوق الخان الشتول المختلفة من أشجارٍ مثمرة وحرجية وزهور متعددة الأنواع.
واقع السوق اليوم:
دخل السوق ابتداء من العام 2005، في طور جديد، بعد أن وضعته بلدية حاصبيا ضمن اهتمامها، فتعاونت مع جهات ممولة أجنبية، وعملت على تحويله إلى سوق حضاري، وبنائه من جديد بحسب الطراز القديم مع إضافات عليه، فكان أن وزعت الأشغال على مساحة ثمانية آلاف متر مربع، وعمدت الى ترميم الخان فوق مساحة أربعة آلاف متر مربع.
وشمل المشروع بناء 80 محلاً تجارياً سقفت بالقرميد، احيطت بمواقف تتسع لمئتين وخمسين سيارة. وتتوزّع داخله مساحات خضراء تحافظ على الأشجار القديمة. ويتضمن المشروع مسلخا وحمامات ومعرضا متعدد الأغراض مبنيا من الاسمنت المسلح، وتقوم على سطحه محال لبيع اللحوم.
كما يضم حديقة عامة مجهزة بمقاعد وملهى للأطفال مع حراسة دائمة تحت إشراف البلدية. أعمال الترميم شملت الخان الشهابي القديم كذلك، بجدرانه الخارجية، وأسقفا وبقايا أعمدة، يعاد ترميمها باستخدام المواد المصنوعة منها سابقا، مع الحفاظ على طابعها التراثي القديم والذي يعود الى أكثر من 700 سنة.
وتجري عمليات الترميم بناء على اتفاق مسبق مع المديرية العامة للآثار، على أن يضم الخان قاعتين مبنيّتين من الحجر الصلب، على شكل عقد قديم، مع بعض الممرّات والغرف الصغيرة التي لا تزال قائمة، وترمّم جميعاً بتقنيات عالية، تضاف الى ذلك مساحة من أرض الخان مرصوفة ببلاط حجري صم. وقد بلغت تكلفة المشروع نحو 250 ألف دولار.
أما الخان الشهابي فقد بلغت كلفة ترميمه نصف مليون دولار. أهمية سوق الخان تثني شهادات معظم الناس، على أهمية السوق من نواحي عدة. فمن الناحية الجغرافية هو يقع في نقطة وسط بين قضائي حاصبيا ومرجعيون والقرى المحيطة بهما. ومن الناحية الاجتماعية يشكّل ملتقى للقاصدين له، سواء أكانوا مواطنيين أو تجارا، من مختلف الطوائف والاعتقادات والأديان. ومن الناحية الاقتصادية تبقى أسعار مختلف البضائع مدروسة جداً وتناسب جميع الطبقات الاجتماعية.
نادين شروف
* المصدر: greenarea